مقالات الرأي
ما وقر في القلب وصدّقه العمل

جميلة هي العبارات، الَّتِي حاكها معروف الخرافي، وأجملها في كلمات عبَّرت عن واقعه في الفترة الَّتِي عاش فيها، وأصبحت صالحة للأزمنة من بعده يقول: «طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب، وارتجاء الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور، وارتجاء رحمة من لا يطاع جهل وحمق». وقال: «رجاؤك الرحمة ممن لا تطيعه خذلان وحمق». وأيضًا «ليس الإيمان بالتمني، ولكن ما وقر في القلب، وصدّقه العمل، وإنَّ قومًا غرتهم الأماني حتّى خرجوا من الدنيا، ولا حسنة لهم». وقالوا: «نحن نحسن الظن بالله تعالى، وكذبوا. لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل».
كلمات تُلخّص بعض معاني الواقع الاجتماعي، الَّذِي نعيشه اليوم، سواء كانت الظرفية ظرفية محنة وباء أو أيامًا عادية. شعائر وعبادات أفرغت من مضمونها، وأصبح التركيز فقط على المظاهر الخارجيّة للتديّن وإصدار شعارات التظلّم وعدم الحرّية في ممارسة الدين، ممارسة إن توافقت مع طبائع الناس وزينّت لهم أمور دنياهم، ثم الأخذ والتشبّث بها إن هي خالفت الهوى ودعت إلى تحسين الأخلاق والمعاملات بين عامة الناس دون تميز أو تفرقة، انقلبت الموازين وأصبح الدين مُقيّدًا لحركات المجتمع ولا يصلح إلى زمننا الحديث، بل يتعدّى الأمر أكثر من ذلك، حين تتحوّل بعض الأسماء، الَّتِي لا فهم لها ولا استنباط صحيح للدين إلى حرَّاس ومُجدّدين يدعون إلى قراءات جديدة، تتوافق مع الزمن الحديث، وهي دعوات تُنفّر من الدين وتخلق اصطدامًا بين فئات مختلفة بعضها، يرقى إلى سلم الخلاف العلمي الموضوعي، فيما البعض الآخر يظلّ محبوسًا في فكره المتعصّب، يعتمد على تصدير هَذِهِ الأفكار للعوام؛ لضمان ميزة الانفراد والحفاظ على الأصالة.
وارتباطًا بسياق الكلام ما يروج اليوم من جهات مختلفة، حول واجب تأدية صلاة التراويح وتقدّمها على الفرض من الدين، وهو الحفاظ على الصلوات الخمس في وقتها على طول السنة، والتخلّق بأخلاق حميدة في المعاملات اليومية من حسن الجوار، وعقود البيوع، وبرّ الوالدين، واحترام شعائر الله على جميع الأحوال والكيفيات.
الدعاوى الَّتِي تصدر من هنا وهناك إلى ضرورة فتح المساجد من أجل الاجتماع على صلاة التراويح ينقسم أصحابها إلى فئات ثلاث: فئة تعلق قلبها بالمساجد وتطرب روحها بسماع كلام الله المرتل، وفئة ثانية تهتمّ بالمظهر قبل السلوك، وهي من تُشكّل أعلى النسب، وفئة ثالثة جعلت من هَذِهِ السُّنّة الحميدة موضةً تستخدمها لمآرب أصبحت تعرف في السنوات الأخيرة رواجًا كبيرًا.
ما وجب التذكير به قبل تأدية صلاة التراويح، هو التحلّي بصفات المؤمن قولًا وفعلًا ليطابق معنى الشعائر الصفات الحسنى، وليكون بحقّ ما وقرّ في القلب هو الَّذِي يتّبعه العمل. والله من وراء كل قصد وغاية.
