تواصل معنا

مقالات الرأي

ما لكم كيف تحكمون؟

لم تعد مظاهر العنف في الحقل الدينيّ، تقتصر على مهاجمة النصوص أو التشكيك في العقيدة وقلب موازين الحقيقة، بل انتشرت مُؤخرًا مظاهرُ جديدةٌ تمسّ بالمقدسات، وتضرّب رأسًا قواعد الحوار والعيش المشترك بين الملل والنِّحل، مظاهر ساهمت فيها العديد من العوامل، أبرزها الخطاب الديني المنغلق، الَّذِي يضع الآخر موضع الشكّ والريبة، وإن تقاربت جسور التواصل بين زعمائه وأهل دعوته، وكم يحزّ في النفس حين نرى بين الحين والآخر، هجمات هنا وهناك من كلا الجانبين، إمّا مسًا بالمقدسات أو إحراقًا لأماكن العبادة، أو تضييقًا في ممارسة الشعائر والعبادات.

مجموعة من الحوادث، تُؤكّد أنَّ ما يسعى عقلاء القوم لتحقيقه، لا يصل إلى العامّة من الناس، ما يُؤكّد أنَّ الاقتصار على الموائد المستديرة والحملات الإعلاميَّة والندوات، الَّتِي تُصرف فيها أموالٌ وجهودٌ لا تؤدي دورها الكامل في تقريب وجهات نظر بين أبناء الملل والنحل المختلفة.

التناحر والتدافع بين أبناء الأديان معضلةٌ قديمةٌ، حاول العلماء من قبل حلّها والوصول إلى كلمة سواء تضمن العيش المشترك وعدم إلحاق الأذى بالآخر فكرًا وسلوكًا وممارسةً، ليتحوّل مع مرور الأزمنة كلّ ذلك إلى صراعات وشطحات إعلامية بين بعض مَن يدعي العلم لا تزيد الوضع إلى سوءًا وتعقيدًا.

ما نعيشه اليوم من هجمات متبادلة على الدين بصفة عامة، هو دعوة للتطرّف وضرب كل المعتقدات بدعوى الحرية أحيانًا، وبدعوى التحرر من القيم والأخلاق داخل المجتمعات، وهو ما يفتح الباب للمتهوّرين إلى النفخ في نار التفرّقة والفتن ضدًا في الدين أوّلًا وضدًا في المعتقد الآخر ثانيًا.

في عصر التقنيات الحديثة، أصبحنا نرى بين الحين والآخر مشاهد لحرق دور العبادات والكتب السماوية والتطاول على الأديان، مشاهد تُورّث لدى الجيل الجديد صورًا من الحقد والكراهية يصعب ضبطُها وحصر معالجتها في أروقة المنتديات والنقاشات المحدودة بين أرباب الأديان دون إشراك طوائف المجتمع عبر المؤسَّسات التعليميَّة وفي المراكز الشبابية، وداخل المساجد ودور العبادات، وهو ما معناه تفعيل شعارات العيش المشترك بين الأديان وتطبيقه في أرض الواقع، وعدم ترك المجال في أيدي العابثين وسماسرة الدين الَّذِينَ يتحيّنون كلَّ الفرص من أجل التغنّي بقواعد لم تلقَ أيّ تجاوب عند المتلقي.

معظم الهجمات الَّتِي أصبح الدين يتعرّض لها، خصوصًا في العواصم الأوروبيَّة، الَّتِي تقع جغرافيًا في مناطق بعيدة عن العالم الإسلامي، تثبت أنّ مُرتكبي هَذِهِ الهجمات لم يسبق لهم أن تعرّفوا على الدين في شكله الصحيح، الَّذِي يدعو إلى احترام الحرّيات والمعتقدات الدينيّة وغيرها، وأن ما يحمله هؤلاء عن الدين ليس سوى رواسبَ تاريخيّةٍ لحروبٍ وصراعاتٍ تطفو على السطح بين الحين والآخر، وأنّ تلميع صورة الدين لا يكون بالاجتهاد في طرق تبليغه فقط، بل في إيصاله على الشكل الصحيح مع مراعاة المناخ الاجتماعيّ لأصحاب الملل والنحل على اختلاف مرجعياتهم.

تابعنا على الفيسبوك