تواصل معنا

القانون والناس

ماهية استئناف الأحكام قانونًا وواقعًا

طرق الطعن المُحدّدة الَّتِي قنَّن المُشرّعُ قواعدَها وآجالَها وإجراءاتِها، بحيث إذا استُنفدت هَذِهِ الطرق، أو انقضت مواعيدُها، أو لم تحترم إجراءاتُها، أصبحت الأحكام بمنأى من كل إلغاء أو تعديل وأصبح المساس بها مستحيلًا. 

فكرة الطعن في الأحكام ما هي إلا اعتبارٌ واقعيٌّ للثبات والاستقرار لهَذِهِ الاخيرة، واعتبار إزالة الخطأ- من جهة أخرى.

 وبذلك تُعدُّ طرق الطعن الوسائل القضائية الاختياريّة، الَّتِي ينظمها القانون لمصلحة المحكوم عليه إذا أراد هَذَا الاعتراض على الحكم الصادر ضده بقصد إلغائه أو تعديله أو إزالة آثاره.

وحيث إن نظام التقاضي يقوم في المغرب على درجتين، وهَذَا يعني أن أكثر الدعاوى ترفع أول الأمر على المحكمة الدرجة الأولى. يتمُّ التعرّض من طرف الخاسر بطريق الاستئناف على محكمة أعلى درجة تُسمّى محكمة الدرجة الثانية، وذلك قصد إصلاح الخطأ الَّذِي ارتكبته محكمة الدرجة الأولى، بيد أن الأحكام تتأرجح بين الَّتِي تقبل الاستئناف هي:

  • الأحكام الَّتِي تتجاوز قيمة النزاع فيها 20 ألف درهم.
  • الأحكام الَّتِي لا يمكن تحديدُ أو تقدير قيمة النزاع فيها.
  • الأحكام التمهيديةُ الَّتِي تسبق الأحكام الفاصلة في الموضوع، وهي الَّتِي لا تفصل في الجوهر، وإنَّما تقضي عادة بإجراء من إجراءات التحقيق كالخبرة، والمعاينة بشرط أن تستأنف مع الأحكام الباتة في الموضوع.
  • الأحكام التأويلية أو التفسيرية الَّتِي تصدرها المحكمة لتفسير حكمٍ مُعيّنٍ ولا يمكن استئناف هَذِهِ الأحكام إلا ذا كانت الأحكام موضوع التأويل نفسها قابلة للاستئناف.
  • الأحكام الَّتِي تُسجّل باتفاق الأطراف وتثبت العقود القضائية المُقامة بينهم، غير أنَّ ذلك يقتصر على الحالة الَّتِي يكون فيها وجود هَذَا الاتفاق موضوع نزاع.
  • الأحكام الَّتِي تدخل في العمل الولائي للمحكمة، كما هو الحال بالنسبة للأحكام الصادرة في المنازعات من طرف المتعرضين الخارجين عن الخصومة.
  • الأوامر المبنية على طلب، الَّتِي يصدرها رئيس المحكمة أو من ينوب عنه غير أنَّ استئناف هَذِهِ الأوامر لا يكون إلا في حالة الرفض، وهَذَا ما يتضح من قراءة الفقرة الثانية من الفصل (148) من ق.م.م.

بحيث يُقدّم الاستئناف في شكل مقالٍ أمام كتابة الضبط المحكمة الابتدائيّة، الَّتِي أصدرت الحكم المطعون فيه، ويتعين تقديم الاستئناف داخل أجل ثلاثين يومًا من تاريخ التبليغ وإلا سقط الحقّ في ذلك، على أنَّ المُشرّع استثنى بعض الحالات، وقرَّر لها آجالًا أخرى مخالفة شأن الأوامر الاستعجاليّة والأوامر المبنية على طلب الَّتِي حدّد لها المُشرّع خمسة عشر يومًا، واستئناف قضايا التحفيظ العقاري المحدد في أجل شهرين.

في حين لا يمكن تقديم جميع الطلبات في الطور الاستئنافي، ذلك أنَّ الفصل (143) من قانون المسطرة المدنية في فقرته الأولى يقضي بأنه: «لا يمكن تقديم أيّ طلب جديد في أثناء النظر في الاستئناف باستثناء طلب المقاصة أو كون الطلب الجديد لا يعدو أن يكون دفاعا عن الطلب الأصلي» رغم أنَّ الاستئناف هو طرح النزاع من جديد أمام محكمة جديدة لكن الغاية من ذلك، أن تكون القضية واحدة؛ لأنَّ من شأنه إجازة تقديم الطلبات المذكورة أن تحوز القضية وتخرج من إطارها الأصلي إلى إطار آخر يختلف عن الصورة الأصلية، الَّتِي قدمت بها. هَذَا فضلًا عن ذلك يفوت درجة من درجات التقاضي، إذ من المفيد للأطراف النظر في الطلب على درجتين.

وحيث إنَّ استئناف الأحكام يتميّز، بين ما يعرف بالاستئناف الأصلي، وثانيهما بالاستئناف الفرعي.

فالاستئناف الأصلي، هو الَّذِي يتقدّم به المحكوم عليه في المرحلة الابتدائية لتلافي الحكم المضر بمصالحه، فيكون بذلك هو المستأنف، أمَّا الاستئناف الفرعي، فهو الَّذِي يتقدّم به المستأنف عليه الَّذِي سبق أن حكم لفائدته ابتدائيًا ولو جزئي. وبذلك يكون الاستئناف الفرعي وسيلةً للردّ على استئناف المستأنف بعد فوات موعد الاستئناف أو قبول المستأنف عليه للحكم.

ويشترط لقبول الاستئناف الفرعي ما يلي:

  1. أن يكون هناك استئناف أصلي، وأن يقوم صحيحًا منتجا لآثاره، لأنَّ بطلان الاستئناف الأصلي أو سقوطه لسبب من الأسباب يؤدي إلى بطلان أو سقوط الاستئناف الفرعي نظرًا لتبعته له وتفرعه عنه.
  2. ويشترط لقبول الاستئناف الفرعي في حالة قبول المستأنف عليه للحكم المستأنف، أن يكون هَذَا القبول بعد رفع الاستئناف الأصلي فلا يقبل الاستئناف الفرعي. وعلة ذلك أن القبول السابق على الطعن يعتبر قبولًا معلقًا على شرط عدم الطعن في الحكم بالاستئناف، أما إذا حدث هَذَا الطعن فقد زالت مبررات هَذَا القبول.
  3. ويرفع الاستئناف الفرعي من جانب المستأنف عليه وحده، وهَذِهِ القاعدة تسري على من يعتبرهم القانون مُمثّلين في الدعوى بالنسبة للمستأنف عليه. غير أنّه يجوز في حالة التضامن والضمان وعدم قبول المسألة للتجزئة أن يرفع الاستئناف الفرعي من غير المستأنف عليه.
  4. لا يقبل الاستئناف الفرعي إلا إذا رفع قبل سد باب المناقشة في الاستئناف الأصلي، لأنَّ القانون اشترط ألَّا يكون الاستئناف الفرعي أو التبعي سببًا في تأخير الفصل في الاستئناف الأصلي.

رابعًا: آثار الاستئناف:

يرتب الاستئناف أثرين اثنين يتمثلان في كونه يوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي أنه ينقل النزاع من المحكمة الابتدائية إلى محكمة الاستئناف.

الأثر الموقف: تنص الفقرة الأخيرة من الفصل (134) من قانون المسطرة المدنية على أنه: «يوقف أجل الاستئناف، والاستئناف نفسه داخل الأجل القانوني التنفيذ عدا إذا أمر بالتنفيذ المعجل ضمن الشروط المنصوص عليها في الفصل 147». فالاستئناف المُقدّم بصورة قانونية يؤدي إلى وقف تنفيذ الحكم الابتدائي المطعون فيه، وهَذِهِ مسألة بديهية لأن طرق الطعن العادية تُوقف التنفيذ.

باستقرائنا طرق الطعن، نجد أن أثارها يمتدُّ فيما يتعلق بنقل النزاع من المحكمة الابتدائية إلى محكمة الاستئناف، ويشمل النقل كل عناصر الدعوى الواقعية منها والقانونية.

تابعنا على الفيسبوك