سياسة
لماذا يصف رواد منصات التواصل الاجتماعي محمد بنعبد القادر بوزير الإحصائيات والمحاكمات عن بعد؟

على المدى القريب، لم تكن وسائل التواصل الاجتماعيّ، تحظى بأهمية قصوى لدى السياسيّين المغاربة، لعدّة اعتبارات؛ أوّلها كون وسائط التواصل مُعقّدةً وصعبةً في الاشتغال بالنسبة للجيل السابق، الَّذِي يحتاج إلى مجهوداتٍ مُضاعفةٍ لاستيعاب طرق عملها، ثانيها أنَّ بعضَ السياسيّين المغاربة لم يكونوا مقتنعين بالنظريات والدراسات الإعلاميَّة الكثيرة بشأن مفهوم منصات التواصل ودائرة تأثيرها، ومنها نظرية التسويق الاجتماعيّ، الَّتِي تتناول كيفية ترويج الأفكار، الَّتِي تعتنقها النخبةُ في المجتمع، لتصبح ذات قيمة اجتماعيّة معترَفًا بها، أو تلك الَّتِي تصنع الرأي العام وتوجهه.
ومع ارتفاع نسبة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بشكل مُتسارع في السنوات الأخيرة، لجأ السياسيُّ المغربيُّ على غرار الفنَّان والمُمثّل، والمستثمر والوزير والأستاذ… إلى اقتحام هَذَا العالم الَّذِي أصبح يعيش فينا ونعيش فيه، رغم جُلّ المحاولات للابتعاد عنه، إلا أنَّ الثابت أنَّ الإنترنت هو جزءٌ لا يتجزّأ من مكونات العصر الحالي.
وكما كان متوقعًا، فإنَّ اقتحام رجل السياسة عالم الإنترنت، عبر منصّات التواصل الاجتماعيّ، كانت له إيجابياتٌ وسلبياتٌ، ولأنَّ عالم منصات التواصل الاجتماعي مبني على عددِ التفاعلات والجيمات والتعليقات وردود الأفعال، كونه يُمثّل أرشيف السياسي وتاريخه في علاقته بالتساؤلات المجتمعية، قرَّر بعضُ السياسيَّين اختيار مُستشاري تواصل للقيام بهَذِهِ المهمّة أوّلًا لضيق وقت السياسي، الَّذِي يجب أن ينغمس في البحث عن الحلول والدفع بعجلة التنمية والتقدّم إلى الأمام، وثانيها رغبته في الترويج بأفضل الطرق إلى الأنشطة والمبادرات والمقترحات وغيرها من الأمور، الَّتِي يقوم بها السياسيُّ داخل المنصب، الَّذِي يشغله لكسب رهان المسؤولية، الَّتِي يتحمّلها في الاستحقاقات الانتخابيَّة أو التعيينات والترقيات المقبلة.
ومن بين هؤلاء السياسيّين، وزير العدل محمد بنعبد القادر، الوحيد من جهة طنجة تطوان الحسيمة، على عكس بعض الوزراء يُوظّف بنعبد القادر، ضمن فريق عمله، أزيد من سبعة مستشاري تواصل، مهمتهم الوحيدة توثيق مهامّ الوزير وأنشطته، وبثّها على منصات التواصل الاجتماعيّ، وكذا مرافقته أينما حلّ وارتحل، يتقاضون مبالغَ كبيرةً وتعويضاتٍ عن السفر والمهمّات، إلى جانب امتيازات أخرى تدخل ضمن عطايا «ديوان وزارة العدل»، يدخل ضمن اختصاصاتهم الأبرز، كما سبق أنَّ أشرت، «التسويق الإعلاميّ» –إن صحّ التعبير– لأنشطة ابن مدينة تطوان محمد بنعبد القادر، وزير العدل، أو كما أصبح يُوصف وسط روّاد منصات التواصل الاجتماعيّ، بوزير الإحصائيات والمحاكمات عن بُعد، من هَذَا الوصف الَّذِي لصق بالوزير، يمكن استنتاج أنَّ مُستشاري التواصل المُكلّفين بالتسويق للأنشطة الوزاريّة لم ينجحوا فيما عُيّنوا لأجله، وما يُروّج له عن أنشطة الوزير، يبقى بعيدًا كلّ البعد عن أهمية الأنشطة، الَّتِي تقوم بها وزارة العدل.
فالمواطن المغربي المُتتبّع للشأن السياسيّ، يبحث عن المعلومة، ولا يهمّه وُجود الوزير على متن قطار «التي جي في»، ولا أيضًا زيارة الوزير صديقه لاحتساء فنجان قهوة «ولا يكترث لنوع السيارة الَّتِي يركبها الوزير». إلى جانب هَذَا، فالمواطن لا يفهم تلك الأرقام، الَّتِي يُروّج لها على أساس أنَّها مُحاكمات عن بُعد، دون شرح أو تفصيل أو حتّى تفاعل مع المتسائلين بخصوصها، وكأنَّ المُكلّفين بالتواصل أنفسهم لا يعرفون ماذا يجري حولهم؟
وفي السياق نفسه، طريقة تفاعل بنعبد القادر أيضًا في الكثير من الأحيان مع المواطنين، أكَّدت أنّه يُعاني مشكلًا في التواصل والإجابة عن تساؤلات المواطنين وانتظاراتهم، وحتّى تطلعاتهم، ولعلّ مشروع قانون (22.20)، الَّذِي أحدث ضجةً داخل مُستخدمي الفايسبوك، أبرز مثال على ذلك، ففي الوقت الَّذِي احتشد مستخدمو الفايسبوك، وأعلنوا حربًا على الوزير لم يتمكّن خلالها مستشارو التواصل لديه من إبداء أيّ موقف؛ لأنَّ الرجل لم يكن يريد المواجهة، فقرَّر الاختفاء عن الأنظار، وبعد أن تحوّلت الصفحات الفايسبوكية إلى المطالبة برحيل الرجل وتقديمه للاستقالة، قرَّر الخروج عن صمته، مُعلنًا بأنه سيُنظّم ندوةً يُوضّح فيها كلَّ شيءٍ، لكن بعد أن تزول الجائحة حفاظًا على أمن الجميع وسلامتهم، مرَّ الوقت وعقد الوزير سلسلةً من الندوات، إلا تلك الندوة الَّتِي وعد بها، لا ينكر أحد أنَّ هناك مجهوداتٍ يُقدّمها الوزير في منصبه، إلا أنَّ طريقته التواصليَّة يغيب عنها الذكاءُ والحرفيةُ، عكس مَن نجح وأصبحت له قاعدة جماهيرية، واكتسب سمعةً فقط؛ لأنَّه أتقن التسويق لأنشطته بالاستماع إلى تساؤلات المواطنين وتقديم مبادرات تتفاعل مع المستجدّات، عبر منصات التواصل الاجتماعيّ، وعلى سبيل المثال لا الحصر، الطريقة الإعلامية الَّتِي يشتغل بها وزير التربية والوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي.
الخلاصة هي أنَّ التسويقَ الإعلاميَّ، بشكله العامّ، لا يُفضي بالضرورة إلى نتيجة واحدة، فقد يُسبّب الضررَ، وربَّما يفيد على المدى البعيد، لهَذَا على وزير العدل، سواء استمرّ في الوزارة أو لم يستمرّ، أن يراجع طرقه التواصلية داخل اختصاصاته ومسؤولياته فقط.
