تواصل معنا

سياسة

قفة رمضان” في مدينة طنجة.. ظاهرة “الأصوات الانتخابية مقابل الغذاء”

تُعدُّ “قفة رمضان” إحدى المبادرات الاجتماعية التي تهدف إلى تقديم المساعدات الغذائية للأسر ذات الدخل المحدود خلال شهر رمضان المبارك، في محاولة لتخفيف العبء عن العائلات التي تواجه صعوبات اقتصادية في فترة تحتاج فيها إلى الغذاء بشكل أكبر بسبب الصيام.

ورغم أن هذه المبادرة تحمل في طيّاتها قيمة إنسانية عالية، فإنَّ هناك بعض الممارسات التي باتت تُثير تساؤلات جدية بشأن نيات الأطراف التي تقف وراءها، خاصة إذا كانت هذه المساعدات تقدم في توقيتات انتخابية حساسة، هذا التوقيت يطرح في كثيرٍ من الأحيان تساؤلات بشأن النزاهة الأخلاقية للعمل الخيري في سياق سياسي محكوم بمصالح انتخابية.

وسبق أن أشارت تقارير محلية إلى أنَّ أحزابًا سياسيّةً في مدينة طنجة استغلت توزيع “قفة رمضان” كوسيلة لتحفيز الناخبين على التصويت لصالحهم، حيث يتم تقديم المساعدات الغذائيّة في الأحياء الفقيرة قبل الانتخابات مباشرة، وهي خطوة يمكن فهمها على أنَّها شكل من أشكال “الشراء الانتخابي” المدعوم بخطاب إنساني زائف.

ورغم أنَّ الأحزاب المعنية تدعي أنّ الهدف من توزيع المساعدات هو دعم الفقراء، فإنَّ التوقيت يفقد هذا العمل الإحساني مصداقيته ويشوّه النية الأصلية خلفه، فهذا النوع من المساعدات يبدو وكأنه يرتبط أكثر بتوزيع أصوات، مما يعكس استغلالاً صريحًا لحاجات الناس الأساسية.

إن هذه الظاهرة -التي تعرف تهكمًا بـ”الأصوات الانتخابية مقابل الغذاء”- ليست جديدة على الساحة السياسية المغربية، ففي مدينة طنجة كما في مدن أخرى، تم رصد العديد من هذه الممارسات التي تعكس شبهات فساد انتخابي غير مباشر، يعتمد على استغلال الأوضاع الاقتصادية للطبقات الفقيرة لصالح مصالح انتخابية ضيقة، فليس من المعقول أن يتمَّ تقديم المساعدات في توقيت مُعيّن فقط، ليكتشف الناخبون بعد الانتخابات أنهم لم يحصلوا على ما وعدوا به، وأن حياتهم لم تتحسن بعد مرور الولاية.

إن هذه الممارسات تعكس فشلا ذريعا في القدرة على تحقيق تنمية حقيقية ومستدامة، بل تزيد من تعميق الهوة بين الساكنة والفاعل السياسي.

وعلى الرغم من أن الفقراء في المغرب هم أكثر من يحتاجون إلى الدعم والمساعدة، فإنَّ هذه الممارسات لا تقدم لهم أي حل دائم لمشاكلهم الاقتصادية.

ومن المؤسف أن نرى غياب الحلول الناجعة، والتعامل مع معاناة المحتاجين عبر مساعدات موسمية تتوقَّف بعد كل انتخابات، ما يرسخ في أذهان الناس أنَّ هؤلاء المحتاجين ليسوا إلا أدوات للتلاعب الانتخابي.

وفي هذا الشأن، يؤكد خبراء ومتخصصون في التنمية الاجتماعية ضرورة تبني سياسات التنمية المستدامة التي تسهم في تحسين أوضاع الأسر بشكل دائم، بعيدًا عن الاعتماد على المساعدات المؤقتة.

إن الحقيقة المرّة هي أنَّ هذه المبادرات تُمثّل فشلًا ذريعًا في توفير حلول مستدامة للطبقات الفقيرة، فبدلا من توفير فرص العمل والتدريب وتنمية القدرات الذاتية للأسر، يتم الاكتفاء بتوزيع “قفة رمضان” التي تكشف عن تجاهل حقيقي لمطالب التنمية والعدالة الاجتماعية، فالمطلوب هو تبني حلول مبتكرة تعمل على رفع مستوى الحياة للأسر الفقيرة على المدى الطويل، وليس فقط محاولة السيطرة على أصواتهم الانتخابية من خلال مساعدات غذائيّة.

وفي ظلّ هكذا ممارسات، تظل التساؤلات مطروحة: إلى متى سيستمر الصمت تجاه هذه الممارسات التي تسيء للعمل الخيري والسياسي في نفس الوقت؟ وهل ستظل العملية الانتخابية في المغرب عرضةً لاستغلال أزمات الفقراء بدلا من أن تكون منصة حقيقية للتغيير والإصلاح؟ في الوقت الذي يطالب فيه المواطنون بتغيير حقيقي، لا يزال البعض يعتمد على هذه الطرق التي تشوه العمل السياسي وتزرع الشكوك في المستقبل.

 

تابعنا على الفيسبوك