مقالات الرأي
قفا نبكي «احترامًا لنون النسوة»

خفّ الحديث عن فاجعة طنجة، الَّتِي أودت بحياة عمَّال النسيج، هَذِهِ الفئة الَّتِي يُشكّل النساء اللبنة الأساس في دورة عملها، نساء يكابدن ألف مرّة ومرّة في اليوم، من أجل أن يقنعن أنفسهن بممارسة عمل يضمن لهن قوّة العيش، ولو كلفهن ذلك التنازل عن كلّ حقوقهن، المهمّ في كلّ ذلك دريهمات معدودات يستعن بها على قهر الزمان، علمًا أنَّ لكلّ امرأة منهن حكايةً أفجع مما حدث في كارثة معمل النسيج مؤخرًا، ومَن يدري ربَّما يتمتّع من بقي من هؤلاء النسوة العاملات في شركات النسيج وغيرهن في القطاعات الأخرى بقليل من الاهتمام المُؤقّت ولو من باب جبر الخواطر.
ما تخفيه معامل النسيج وغيرها من الوحدات الصناعيَّة الأخرى، في مختلف ربوع المملكة، عبر جدرانها، كل يوم أكثر بشاعة من حوادث مُتفرّقة هنا وهناك، يُعري عن واقع مُرّ تتحوّل فيه المرأة إلى شبه آلة تُمارس طقوسًا يوميّة، وتحمل من التعب في داخلها ما الله به أعلم، وهَذِهِ الفئة تحديدًا لا يلتفت إليها من طرف الجمعيات النسويّة أو الهيئات الحقوقيّة والمنظّمات النقابيَّة أو الأحزاب السياسيّة، الَّتِي لا يهمها من هؤلاء النسوة إلا صوتها في فترة الحملات الانتخابيَّة، ولتشبثهن بذرّة من الأمل يصدّقن العاملات بهرجة الرجل السياسي لينقطع صوتهن بعد ذلك طوال السنين الخمس، ما عدا إذا تكررت الحملة قبل أوانها أو جلت فاجعة كبرى تستوجب استدعاء هؤلاء للتحقيق معهم فقط لا غير.
الواقع المرّ الَّذِي تعانيه المرأة العاملة في الوحدات الصناعيّة، لا يستوجب الاحتفاء به مرّتين في السنة عند عيد الشغل واليوم العالمي للمرأة، بل يتطلّب وقفةً مطولةً مع نظام العمل داخل هَذِهِ البنايات، الَّتِي يصبح فيها ربُّ العمل أحيانًا الآمر الناهي، بيده سلطة الفصل متى شاء، ما يجعل هؤلاء النسوة يعشن ألمًا وخوفًا طوال مدّة الاشتغال، ما تحتاج إليه هَذِهِ الفئة ليس تحسين وضعها الاجتماعي أو الرفع من مستحقاتها الشهريّة، بالعكس فأغلب مَن يلجن إلى هَذَا المجال يدركن غاية الإدراك أنَّ تحقيق هَذَا المطلب من باب المستحيل، وأنَّ هَذَا الحقّ يتحوّل مع مرور الوقت إلى مطلب بعيد المنال، وأنَّ عليهن النضالَ فقط من أجل ضمان استمرارية العمل داخل القبو على حساب كرامتهن أحيانًا وحقوقهن في أحايين كثيرة.
في عالم الصناعة والاقتصاد، تختفي كلّ المصطلحات الحقوقيَّة والقيم الأخلاقيّة، ويتبقى فقط صورٌ للنسوة، بلغن من الكبر عتيًا، يحمل بالإضافة إلى أوجاعهن حمولات لا طاقة لهن بها، وفتيات في مقتبل العمر يكرهن بسبب الظروف على التخلي عن أزهى فترات الحياة مقابل تحصيل بعض المستلزمات اليومية أو إعالة أسر لا يعلم بحالهن إلا الله.
بعد فاجعة طنجة، على الجميع التحلّي بمسؤولياته الأخلاقية أوّلًا وقبل كلّ شيءٍ من أجل إصلاح منظومة الشغل، وتفعيل الشعارات المزيفة، الَّتِي ترفعها التقارير كلَّ سنة عن القطاعات الَّتِي تسجل انتعاشًا في مجال الاقتصاد دون التفاتة كريمة إلى هؤلاء النسوة، اللواتي قضى أغلبهن فترات حياتهن متنقلات بين وحدات صناعية، يُمارسن أعمالًا شاقة كل يوم ينأى عن حملها العصبة من الرجال.
