آخر الأخبار
فقدت دورها الاقتصادي والاجتماعي وأصبحت تتسبّب في حوادث خطيرة آليات لارتكاب المآسي خارج القانون.. هل تنتهي فوضى “التريبورتورات” في طنجة قريبا؟

تستعد مدينة طنجة لاحتضان عددٍ من الأحداث والتظاهرات الكبرى؛ انطلاقًا من العام الجاري، الأمر الذي فرض على سلطات المدينة الشروع في عددٍ من الإجراءات؛ من أجل إنهاء مظاهر الفوضى التي تشوب كثيرًا من القطاعات، التي يبقى قطاع النقل في مقدمتها، خصوصًا في ظل التزايد المطّرد للتعداد السكاني الذي كشف عنه الإحصاء العام للسكان والسكنى الخاص بسنة 2024، بالإضافة إلى المشكلات التي تراكمت في شوارع المدينة على مدى عدة سنوات.
وقد عثرت السلطات المحلَّيَّة على مداخل الحلول بالنسبة لمجموعة من المشكلات، غير أنَّ بعضها لا يزال عالقًا في انتظار تحركات تبدو أقرب إلى “المعجزة”، وفي مُقدّمتها إشكاليَّة الدراجات الناريَّة ثلاثيَّة العجلات، التي تحوَّلت من وسيلة لكسب القوت اليومي بالنسبة للعديد من الأشخاص الذين لم يجدوا فرصة عمل مناسبة، إلى “آلية” لخرق القانون والتسبّب في فوضى عارمة، والأخطر من ذلك هو أنَّها أصبحت سلاحًا لجرائم الطرق من خلال تسببها في حوادث مُميتة.
- فوضى وسط الشارع العام
وعند التواصل مع مجموعة من مستعملي الطريق، سواء كانوا سائقين أو راجلين، يتَّضح أن “التريبورتورات” أصبحت مصدرًا للرعب في مدينة طنجة، خصوصًا بسبب التزايد المتسارع لها، واستعمالها في أغراض غير تلك التي يتمُّ الترخيص بها، مثل نقل المواطنين، بالإضافة إلى أن كثيرًا من سائقيها يتعاملون مع قوانين السير وكأنهم غير معنيين بها، فلا توقفهم لا إشارات المرور ولا الممرات الضيّقة ولا أسبقيَّة الراجلين، لذلك فإنَّ مظاهر حوادث السير التي يكون سائق “التريبورتور” أحد أطرافها أصبحت معتادةً بشكلٍ يوميٍّ.
وأصبح الوضع في العديد من المناطق خارجًا عن السيطرة، ففي أحياء مثل بني مكادة أو مغوغة أو طنجة البالية أو سيدي إدريس، صارت هذه الدراجات ذات الثلاث عجلات، إحدى وسائل النقل التي يتجاوز بها السكان قلّة سيارات الأجرة وتعقيداتها، أو يصلون من خلالها إلى داخل الأحياء المتشعّبة التي يُمنع أن تصلها جميع أنواع المركبات، ما يتسبب في إغلاق الطرق تارة، وتارة أخرى في حوادث مختلفة، تبدأ بالإضرار بالممتلكات العامة والخاصة وتنتهي عند صدم المارة.
وفي يونيو من العام الماضي، طفت على السطح بقوّة السطوة المتزايدة للدراجات الناريَّة، عندما تم السماح لأصحابها من طرف السلطات المحليَّة، بالعمل داخل السوق المؤقت للمواشي في منطقة “الحرارين” بالتزامن مع اقتراب عيد الأضحى، وبسبب أن الطريق الرئيسي الذي يصل إلى السوق ممنوع عن السيارات لتفادي الازدحام، فقد حوَّل العديد من سائقي “التريبورتورات” نشاطهم من نقل الأضاحي إلى نقل المواطنين بشكل جماعي، وهو أمر عجز عناصر الأمن عن التعامل معه.
الدراجات الناريَّة ثلاثيَّة العجلات، تحوَّلت أيضًا إلى العمل خارج نطاق الأسواق والفضاءات التجاريَّة التقليديَّة، فلا غرابة أن يجدها المواطن الطنجي بالقرب من الفضاءات التجاريَّة الكبرى، أو أن يستعملها لنقل الأثاث بما يتجاوز طاقتها الاستيعابيَّة القانونيَّة، وإلى جانب نقل مختلف البضائع والمواشي فإن هذه الآليات أصبحت تزاول نشاطًا آخر، هو نقل مخلفات البناء، وهو أمر يرتبط بنشاط غير قانوني آخر، يتمثّل في رمي تلك “الردمة” في الأماكن غير المُخصّصة لها بشكل سري.
كل ذلك ينضاف إلى غياب أي منطق في عمليات الركن الخاصة بهذا النوع من الدراجات الناريَّة، لأنَّ سائقيها يعتبرون أنَّ بإمكانهم الوقوف في أي مكان يريدون، انطلاقا بالأرصفة التي أصبحت بمنزلة موقف مفتوح أمامهم، ومرورًا بمداخل المنازل والمحلات التجاريَّة، ووصولًا إلى وسط الطريق، الأمر الذي يمكن معاينته حتَّى في الشوارع الرئيسيَّة، مثل شارع محمد الخامس وشارع الجيش الملكي ومحجّ محمّد السادس وشارع مولاي رشيد، الأمر الذي يتسبَّب في فوضى كبيرة للسائقين وإلى حوادث كان من الممكن تفاديها لو تم الالتزام بأبسط ضوابط مدونة السير.
- وسائل نقل قاتلة
وأصبحت “التريبورورات” مصدرًا رئيسيًّا لحوادث السير الخطيرة في مدينة طنجة، على غرار ما حدث في دجنبر الماضي بنطقة “الحرارين” التابعة لمقاطعة بني مكادة، إذ اصطدم سائق دراجة ناريَّة ثلاثيَّة العجلات “تريبورتور” مع سائق دراجة ناريَّة، ما أدَّى إلى وفاة هذا الأخير بعدما أصيب بنزيف حاد، وفارق الحياة في عين المكان وقبل مجيء سيارة الإسعاف.
وفي أواخر شهر غشت من سنة 2024، كان مدار ساحة الاستقبال مالاباطا، على موعد مع حادثة سير ثلاثيَّة، حين اصطدمت دراجة ناريَّة ثلاثيَّة العجلات مع سيارة للنقل السري وسيارة شخصيَّة، الأمر الذي تسبَّب في كارثة، إذ أصيب أكثر من 20 شخصًا، منهم 6 على الأقل كانوا في حالة خطيرة وَفْق ما أكَّده شهود عيان حينها، إذ تلقوا إصاباتٍ في أماكنَ حسّاسة من أجسادهم، وهي الواقعة التي خلقت حالة استنفار، وأدَّت إلى نقل جميع الصابين على وجه السرعة إلى المستشفى.
وبعد هذه الحادثة بأسبوع واحد فقط، كانت دراجة “التريبورتور” وراء حادث سير عنيف آخر، وذلك بعدما انقلبت بطريق المنار قرب ثكنة القوات المساعدة، واصطدمت مباشرة بعمود للإنارة العموميَّة، وقد أدَّت الواقعة إلى مقتل شخص كان على متنها وهو سائقها، في حين تعرَّض الشخص الثاني الذي كان برفقته لإصابات خطيرة، وقد تحدَّث شهود عيان عن أنَّ الدراجة الناريَّة ثلاثيَّة العجلات كانت تتحرّك بسرعة كبيرة، رغم أنَّ حالتها الميكانيكيَّة كانت تبدو سيئةً.
ولم ينسَ سكان طنجة إلى الآن مشاهد حادثة مأساويَّة (أغلب ضحاياها أطفال)، وقعت سنة 2017، وكان بطلها سائق “تريبرتور” يستغل مركبته في نقل الأشخاص، وتُوفي قاصرون وأصيب آخرون بجراح متفاوتة الخطورة، إثر انقلاب الدراجة المخصصة لنقل البضائع بشكل عنفي بحي شعبي تابع لمقاطعة بني مكادة.
هذه الكارثة التي أثارت اهتمام وسائل الإعلام الوطنيَّة وحوَّلت قضيَّة “التريبورتورات” إلى موضوع رأي عام في المغرب، كان مسرحها زنقة ماليزيا بحي الجيراري، إذ إنَّ الدراجة الناريَّة ثلاثيَّة العجلات، وهي من نوع “دوكر” كانت تقل 12 راكبًا معظمهم قاصرون، وكانوا على اتفاق مع السائق لنقلهم إلى شاطئ أشقار مقابل مبلغ مالي، وتزامنت الواقعة مع عطلة الصيف شهر يوليوز.
وحسب تحريات مصلحة حوادث السير بولايَّة أمن طنجة آنذاك، فإن السائق -حين وصوله إلى منحدر الطريق المؤدي إلى حي الجيراري وأمام الحمولة الزائدة- وفي محاولة منه لتجنب الاصطدام بشاحنة، فقد السيطرة على الدراجة الناريَّة التي ارتطمت بسور مدرسة المختار السوسي، وأدَّى الحادث إلى مقتل قاصر يبلغ من العمر 17 عامًا، فيما نُقل 4 قاصرين آخرين إلى قسم الإنعاش بالمستشفى الجهوي محمد الخامس، بينما عانى 6 أشخاص آخرين من جراح بليغة لكنهم ظلَّوا في حالة وعي.
ولا توجد معطيات كثيرة عن الإحصاء السنوي للحوادث التي تتسبَّب فيها الدراجات الناريَّة من هذا النوع، إلا أنَّ آخر رقم صادر عن الحكومة، الذي أدلى به وزير النقل واللوجيستيك السابق محمد عبد الجليل، ويعود إلى سنة 2023، فإن شوارع المملكة سجلت 3000 حادثة تسبَّبت فيها “التريبورتورات” خلال سنة 2022 وحدها، وسجلت في المجمل 80 حالة وفاة، وشدَّد الوزير حينها على أن نشاط تلك الدراجات يجب أن يكون مقتصرًا بشكل صارم على نقل البضائع وليس الأشخاص، وأضاف أنَّ إصدار تصاريح B لسائقي هذه المركبات لا يعادل بأي حال من الأحوال تصريحًا لنقل الأشخاص، لا سيَّما في المناطق القرويَّة، وَفْق تصريحاته أمام البرلمان.
وبتاريخ 3 فبراير 2025، أعلن وزير النقل واللوجستيك الحالي عبد الصمد قيوح، أنَّ الوكالة الوطنيَّة للسلامة الطرقيَّة “نارسا” أطلقت برنامجًا شاملًا للحدّ من حوادث السير، يُركّز خصوصًا على مستعملي الدراجات الناريَّة، تحت اسم “الدراجة الآمنة”، مبرزًا، خلال جلسة للأسئلة الشفويَّة بمجلس النواب، أن مستعملي الدراجات الناريَّة أصبحوا الفئة الأكثر تضررًا من حوادث السير في السنوات الأخيرة، خاصّةً مع تزايد استخدام الدراجات ثلاثيَّة العجلات وخدمات التوصيل، ما يستدعي تدابيرَ وقائيَّة مستعجلة.
وكشف الوزير قيوح عن مخطط وطني لتعزيز المراقبة الطرقيَّة، يشمل حملات تحسيسيَّة وتوعويَّة بالتنسيق مع مختلف الجهات المعنيَّة، معلنًا توزيع 50 ألف خوذة واقيَّة، منها 30 ألف سيتم توزيعها خلال الأسبوعين المقبلين بمدينة مراكش، تزامنًا مع احتضانها المؤتمر العالمي للسلامة الطرقيَّة، الذي سيُعقد تحت رعايَّة ملكيَّة بحضور أكثر من 80 وزير نقل من مختلف دول العالم.
- من نقل البضائع إلى نقل الأشخاص
وعندما بدأت فكرة “التريبورتورات” في المغرب، فإن الهدف منها كان مساعدة أرباب العديد من الأسر على الحصول على مصدر دخل قار، سواء من خلال استخدامها في عمليات نقل البضائع، أو تحويلها إلى ما يشبه المتجر الصغير المتنقل داخل الفضاءات التجاريَّة المؤقتة والأسواق الأسبوعيَّة، لذلك فإنَّه ليس من المستغرب أن نجد في مدينة طنجة أنَّ العديد من تلك الدراجات الناريَّة تحمل شعار المبادرة الوطنيَّة للتنميَّة البشريَّة، باعتبارها الجهة التي وزعتها على المستفيدين.
وكانت هذه العمليَّة تحظى باهتمامٍ ملكيٍّ مُباشر، ففي سنة 2015 أشرف الملك محمد السادس بمدينة طنجة، على إطلاق وتدشين مشروعات تندرج في إطار المبادرة الوطنيَّة للتنميَّة البشريَّة، وتهدف إلى تطوير ملكات الشباب ومحاربة الانحراف والهدر المدرسي والنهوض بظروف اشتغال الباعة المتجولين، كما أشرف شخصيًّا، على التسليم الرمزي لدراجات ثلاثيَّة العجلات وعربات وشارات لعشرة من الباعة المتجولين مستفيدين من مشروع المركب السوسيو – اقتصادي والرياضي بحي مسنانة.
ونجد أيضًا أنه في نونبر من سنة 2020، على سبيل المثال لا الحصر، تسلّم 6 نزلاء سابقين بمؤسسات سجنيَّة يقطنون بإقليم الفحص – أنجرة، معدّات وتجهيزات لإطلاق مشروعات خاصة مدرة للدخل في إطار الجهود الراميَّة إلى الإدماج السوسيو – مهني لهذه الشريحة من المواطنين، وفق ما أُعلن حينها، وتطلَّب مشروع اقتناء هذه المعدّات، الذي يندرج في إطار تنفيذ اتفاقيَّة شراكة بين عمالة إقليم الفحص – أنجرة ومؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، غلافًا ماليًّا بقيمة تفوق 182 ألف درهم، مموّل بالكامل من المبادرة الوطنيَّة للتنميَّة البشريَّة، إلا أنَّ الملاحظ أنَّ المُعدّات المُسلّمة في إطار هذه العمليَّة تشمل 3 عربات ثلاثيَّة العجلات مجهزة لبيع السمك.
وأكَّد المسؤولون عن العمليَّة، الدور المهني الاجتماعي لتلك الدراجات الناريَّة ثلاثيَّة العجلات، إذ أبرز المنسق الجهوي لمؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، عزيز السعدي، أن العمليَّة تندرج في إطار تفعيل اتفاقيَّة الشراكة بين عمالة الفحص – أنجرة والمؤسسة، في سياق تنفيذ الاستراتيجيَّة المعتمدة لإدماج هذه الشريحة من المواطنين في محيطهم المهني والاقتصادي، مسجلًا أنَّ العمليَّة تدخل ضمن المحور الخامس من الاستراتيجيَّة، والمتعلّق بالإدماج في سوق الشغل، الذي يقوم على إدماج المستفيدين في مقاولات مواطنة أو تقديم الدعم لإطلاق مشروعات مدرّة للدخل في إطار اتفاقيات مُبرمة مع العمالات والأقاليم ضمن المبادرة الوطنيَّة للتنميَّة البشريَّة.
وفي سنة 2020 أيضًا كشفت الوكالة الوطنيَّة للسلامة الطرقيَّة، أنَّ العدد الإجمالي لهذا النوع من الدراجات يتجاوز 91.300 وحدة مسجلة، مضيفة أنَّ الحالات التي تهم عدم توفر السائق على رخصة السياقة اللازمة المنصوص عليها في القانون 52.05 كما تمَّ تغييره وتتميمه هي حالات معزولة وتُصنّف كمخالفات يعاقب عليها القانون على غرار أي مخالفة صادرة عن أي نوع من المركبات ذات محرك والمرخص لها بالسير على الطريق العموميَّة، وكان ذلك بعدما أطلقت عمليَّة ترقيم الدراجات الثلاثيَّة العجلات.
غير أنَّه بعد ذلك لم يعد الأمر يتعلق بترقيم الدراجات فقط، بل بنشاطها، الذي تحوَّل من نقل البضائع إلى نقل الأشخاص، بالإضافة إلى عدم احترامها قوانين السير، لذلك فإن وزير التجهيز والنقل واللوجيستيك في الحكومة السابقة، عبد القادر عمارة، أعلن من داخل البرلمان، في سنة 2021، عن دخول القانون (116.14) المحدد لمجال اشتغال الدراجات الناريَّة ثلاثيَّة العجلات، حيز التنفيذ بشكل صارم، وذلك بتنسيق مع مختلف المصالح المختصة من وزارة الداخليَّة والأمن الوطني والدرك الملكي.
وينصُّ القانون على أن مجال اشتغال التريبورتورات مُحدّد في نقل البضائع وليس الأشخاص المنوعين منعًا كليًّا من الركوب على متنها حتّى لو كان ذلك من أجل مرفقة مُشترياتهم أو ممتلكاتهم الشخصيَّة، وحسب ما أعلنته الوزارة حينها فإنَّ المخالفين مهددون بعقوبات صارمة، تشمل توقيف رخصة السياقة لـ3 أشهر، مع الإيداع بالمحجز لمدة 15 يومًا، وغرامة تتراوح بين 20.000 و10.000 درهم، وتصل إلى الحبس من 6 أيام إلى 6 أشهر.
ووَفْق تصريحات بناصر بولعجول، مدير الوكالة الوطنيَّة للسلامة الطرقيَّة، للشركة الوطنيَّة للإذاعة والتلفزة، تعود لسنة 2021، فإن القانون ينص على أن الدراجة الناريَّة ثلاثيَّة العجلات وسيلة لنقل البضائع فقط، ويمنع أن تنقل المواطنين، مُشدّدًا على أن وسيلة النقل التي تتولَّى تنقل الأشخاص، ينبغي أن تتوفر على معايير السلامة الطرقيَّة، إذ يجب أن يكون لكل راكب حزام السلامة الطرقيَّة، وأضاف أن هذه العربات “تقوم بحمل الأشخاص كما لو أنهم حيوانات”.
