أصيلة
عين على أصيلة.. هل بالفعل توجد معارضة سياسية بمدينة معالي الوزير؟

كثر اللَّغط خلال السنوات الماضية عن مدينة أصيلة، وعمن يُسيّرها ويتحمّل مسؤولية تدبيرها، ومع هَذَا اللغط انقسم الزيلاشيون، بين معارض لرئيس المجلس الجماعي، محمد بنعيسى، الَّذِي قضى في هَذَا المنصب أزيد من 40 سنة، وبين مؤيد له، حيث يرى أنَّ السيد الرئيس قدّم الكثير لهَذِهِ المدينة ورفع عنها الحيف الثقافي والإعلامي، وجعلها وجهةً سياحيّةً وطنيًا ودوليًا وبين محايد لا يدعم ولا ينتقد ولا يذهب للتصويت أصلًا.
وأمام جدلية مؤيد ومعارض، تتبادر إلى ذهننا مجموعةٌ من الأسئلة الحقيقية، الَّتِي يجب الوقوف عندها حتّى نتمكن من فهم ما يقع بمدينة الثقافة وجوهرة الشمال، المدينة الَّتِي تعاقبت عليها حضارات ضاربة في القدم، ومن أبرز هَذِهِ الأسئلة، لماذا غالبية المُصوّتين بأصيلة يصوتون للسيد محمد بنعيسى؟، لماذا غالبية الموطنين لا يصوتون أصلا؟ ويختارون لغة الحياد، وهل تتوفر المدينة فعلًا على معارضة سياسية حقيقية؟ وهو الأمر الَّذِي سنحاول ملامسته بمعطيات متوافرة بعيدة عن أحكام القيمة، وبعيدًا عن تغليب الكفة عن أخرى، وإن كان الأمر يبدو صعبًا شيئًا ما، وسوف يغضب البعض أيضًا.
مما لا شكّ فيه، أنَّ استمرار وزير الخارجية السابق السيد محمد بنعيسى على رأس المجلس البلدي، لأزيد من أربعين سنة له ما له وعليه ما عليه، فأكيد أنَّ تجربته ستكون مليئة بالأخطاء، سواء على مستوى الممارسة السياسيّة، أو على مستوى القرارات المتّخذة، وهو الأمر الَّذِي لن يختلف عليه اثنان، كما لا يختلف اثنان على كون أن أصيلة تستحق أكثر مما هي عليه، لكن بالمقابل له مجموعةٌ من الإنجازات الَّتِي تحسب له، الَّتِي سوف تبقى خالدةً في مساره السياسي، إلا أنَّ السؤال الجوهري من يخول لـ«معالي الوزير» الاستمرار في منصبه وبأريحية كبيرة؟ والأكيد أنَّ أصوات الناخبين هي من تمنحه الاستمرارية، وإن كان هَذَا المعطى سنقف عليه في مرحلتين، المرحلة الأولى هي المرحلة الَّتِي كان يترشح فيها تحت يافطة حزب التجمع الوطني للأحرار، حيث كان يحقق الأغلبية، والمرحلة الثانية هي مرحلة الترشح بشكل مُستقل، الأمر الَّذِي يؤكد أنَّ الناخبين يصوتون على شخص «بنعيسى» لا على الحزب الَّذِي كان ينتمي له أو يدعمهن فخلال هَذِهِ المرحلة سبق وأن دعم حزب التجمع الوطني للأحرار، خلال الفترة الممتدة من 2009 إلى غاية 2015، كما دعم حزب الأصالة والمعاصرة خلال الفترة الانتخابية 2015 إلى 2021، حيث تحالف مع هَذَا الحزب الَّذِي منحه الاستمرارية كرئيس للمجلس البلدي، وهو الأمر الَّذِي يُؤكّد أنَّ المصوتين من ساكنة أصيلة مرتبطة بمحمد بنعيسى أكثر من أي شخص آخر، فدعمه العلني لحزب «الجرار» خلال سنة 2015، وتمكن هَذَا الحزب من الفوز بـ22 دائرة انتخابية بأصيلة من أصل 25 دائرة، وفاز الحزب المعارض فقط بـمقعدين، قبل أن يقدم المترشحان بحزب الأحرار استقالتهما من ذاك الحزب.
فعلى مدى أربعين سنة، لم يكن بنعيسى بمعية الحزب الَّذِي ينتمي له أو يدعمه يحظى بمنافسة شرسة، اللهم الانتخابات الَّتِي أجريت بداية التسعينيّات، حيث عرفت منافسة شديدة لحزب الاتّحاد الاشتراكي للقوّات الشعبية، حيث تمكّن حزب الأحرار من الفوز برئاسة المجلس بفارق مقعد واحد عن حزب الوردة، بعدما تحالف رفاق الراحل عبد الرحمان اليوسفي مع حزب الاستقلال، فيما دعم أحد المترشحين الَّذِي وعد الاشتراكيّون بصوته معالي الوزير محمد بنعيسى، غير ذلك ظلت الفترات الانتخابية الأخرى فاقدة لأي منافسة سياسيّة.
بالمقابل، وجب علينا أيضًا أن نطرح سؤالًا جوهريا آخر، لماذا لم يتم إقناع غالبية الساكنة بالتصويت العقابي لرئيس المجلس الجماعي لأصيلة مادام الأخير لا يخدم مصلحة المدينة؟ فالإجابة عن هَذَا السؤال ستحيلنا على حقيقة مُرّة يشهدنا وطننا الغالي، كون أنَّ غالبية المواطنين فاقدون الثقة في الانتخابات والسياسة والسياسيين، ولا يؤمنون قطّ، أنَّ الانتخابات قادرة على التغيير كما أنها محطة للمحاسبة وللعقاب عن طريق التصويت العقابي.
كما أنَّ غالبية الساكنة لم تصل بعد إلى نضجٍ سياسيٍّ يخول لها البحث عن بدائل سياسية حقيقية، وتكتفي بالامتناع عن التصويت من خلال مقاطعتها للانتخابات، بعيدًا عن موقف سياسي يؤطر لهَذِهِ المقاطعة، لدرجة أنه بالرغم من وجود بعض الهيئات السياسية الَّتِي تدعو للمقاطعة، فهي لا تستطيع تعبئة غالبية الساكنة المقاطعة للانتخابات بالرغم من أنَّهم يتقاطعون في موقف التصويت، وهنا يجب طرح سؤالٍ حقيقيٍّ، لماذا لا تستطيع الأحزاب السياسية المعارضة بمدن أصيلة، استمالة الساكنة الَّتِي اختارت لغة المقاطعة وإقناعها بالتصويت العقابي ضد الرئيس الحالي، والدعم الأحزاب المعارضة الَّتِي لم تتح لها فرصة التسيير الجامعي من قبل؟
للإجابة على هَذَا السؤال يجب أن نتساءل أيضًا، هل تتوفر مدينة أصيلة على معارضة سياسية حقيقية، أم أنَّ الأمر يتعلق بالمعارضة الانتخابية والمعارضة عبر شبكات التواصل الاجتماعي فقط؟
إنَّ المعارضة السياسية، أينما وجدت، تنطلق من ضوابط ثابتة، سواء كانت تُوجد بالمؤسّسات المنتخبة، أو بالشارع السياسي، ومن أبرز هَذِهِ الضوابط توفر على برنامج سياسي كامل ومكتمل يجيب عن حاجيات ومتطلبات الساكنة ليكون كبديل عن البرنامج السياسي المُقدّم من طرف الأغلبية، التوفر على مقترحات سياسيّة جريئة بديلة عمَّا هو ممارس، حتّى تستطيع الساكنة الالتفات عليه، والإعداد للانتخابات المقبلة بشكل جاد وفعَّال لتكون المعارضة السياسية قادرةً على إزاحة الخصم السياسي، الَّذِي لم يُرضي الساكنة خلال ولاية التسيير ولم يستطع الإجابة على حاجيات الساكنة.
فمن خلال متابعتنا الشأن السياسي بمدينة أصيلة، عبر محطات انتخابية عدة، خصوصًا خلال العقدين الماضيين، تبيّن بالملموس أنَّ المعارضة لا تعدوا أن تكون معارضةً انتخابيَّةً، بعيدة عن معارضة سياسيةً قوية وجادة وفعَّالة، ولعل هَذَا الموقف مستمدّ من عدة اعتبارات أهمها:
هل استطاعت الأحزاب المنافسة تغطية جل الدوائر الانتخابيَّة؟ وما المعايير الَّتِي يتم من خلالها تقديم المترشحين؟ إنَّ بعض الأحزاب السياسية تجد صعوبة في تغطية الدوائر الانتخابية المتمثلة في 25 دائرة انتخابيّة، الأمر الَّذِي دفع البعض إلى طرح نقاشٍ مُتمثلٍ في تحالف سياسي تضامني، حيث يتم من خلاله اتفاق الأحزاب إلى توزيع الدوائر الانتخابيَّة، الَّتِي يتم الدخول لها، ودعم الأحزاب الأخرى للمترشح في هَذِهِ الدوائر حتّى يتم ضمان منافسة حقيقية للأغلبية، إلا أنَّ الأمر لم يكتب له النجاح، كما أنَّ بعض الأحزاب لم تستطع الدخول لغمار الانتخابات لأسباب عدة بالرغم أن قيادتها الوطنية اختارت الدخول للانتخابات، وهناك من اختار الترشح في البوادي بدل خوض غمار الانتخابات بمدينة أصيلة.
من جهة ثانية، هل استطاعت أحزاب المعارضة أن تُقدّم أوجه سياسية جديدة، تجمع بين التكوين الأكاديمي من جهة والخبرة المهنية والسياسية من جهة أخرى، ومنح الثقة للنساء في إطار تفعيل شعار المناصفة الَّذِي أصبح يتبنّاه غالبية الأحزاب السياسية المغربية؟ طبعًا لا يمكن الجزم بأنّه لا يتم تقديم أطر بديلة من طرف بعض الأحزاب، بل يوجد أوجه جديدة تتوفر فيها الكفاءة والنزاهة وقادرة على التغيير، إلا أنَّها تظل قليلة غير قادرة على فرض الذات ولعلّ التجارب الماضية أبرزت ذلك، حيث تبقى غالبية الأحزاب بالمدينة غير قادرة على إنتاج نخب محليَّة قوية بجل الدوائر الانتخابيَّة، الأمر الَّذِي يساهم في نفور غالبية الساكنة على التصويت، كما أن غالبية الأحزاب المنافسة لم تقد بدائل حقيقية سواء من خلال ترشيح العنصر النسوي بشكل قوي، أو ترشيح شباب ذي كفاءة، والأساسي عدم تقديم برنامج سياسي مختلف وبديل قادر على يكون محط التفاف لجل الساكنة.
إنَّ أصيلة اليوم وأمام كل هَذِهِ المعطيات لا تتوفر على معارضة سياسية قوية قادرة على المنافسة السياسيَّة، وإقناع الناس على التصويت العقابين، وعندما أؤكد أنَّ أصيلة لا تتوفر على معارضة السياسية، فإنَّني لا ألغي أو أنفي وجود مناضلين شرفاء ونزهاء يناضلون بالمدينة من أجل أصيلة تتسع للجميع، وتوفر حياةً كريمةً لساكنتها، لسبب بسيط، أنَّ المدينة الهادئة ضمَّنت على مرور العقود بروز مناضلين معارضين للسياسة التدبيرية، حيث التحموا مع هموم الجماهير، إلا أنَّ هَذِهِ المعارضة لم ترقَ لتصبح معارضة سياسيّة مُنتظمة داخل حزب سياسي قادر على طرح البديل والحسم في عملية التسيير للمجلس الجماعي.
فوجود بعض جمعيات مناضلة أو فروع نقابية ممانعة أو بعض الأوجه السياسية المعارضة، لا يضمن التغيير من الداخل، لأنها تبقى تعبيرات تُناضل من أجل تحسين شروط العيش الكريم، لكن يجب أن يتواجد حزب أو أحزاب سياسية أخرى تكون قادرة على التغيير وإقناع الناس بالتصويت لصالحها، وهَذِهِ العملية لا تتم إلا من خلال العمل القاعدي والميداني مع المواطنين على طول فترة التسيير، ويجب أن تكون مقترنة بالارتباط بالأساس بمشاكل الناس.
إن استمرار الوضع على ما هو عليه، و تشبّث بعض النخب المثقفة بالمدينة بالموقف السلبي، سيدخل المدينة بعد رحيل الرئيس الحالي لسبب من الأسباب، إلى الموت السريري، بسبب عدم جاهزية الأحزاب السياسيَّة بالمدينة للتسيير وتحمّل المسؤولية، فالتجربة علمتنا دائمًا، أنَّ الدخول للانتخابات وتحمل المسؤولية تكون مرتبطة بإكراهات تجعل الحزب المسير غير قادر على الالتزام بالبرنامج السياسي المقدم للساكنة، وبالتالي يتم الاختباء وراء فشل الحزب السابق، حتى يتمّ تغطية إخفاقاته السياسية، وهو الأمر الَّذِي اتّضح جليًا في عدة محطات سياسيّة وفي عدة مدن، وأيضًا على المستوى الحكومي.
المختار لعروسي.. صحفي مهتم بالشأن المحلي
