ثقافة
عين على أبناء طنجة: الحلقة الثالثة عشر: حمزة دقون.. السينمائي العاشق لطنجة نموذج للشباب الحالم
مما لا شكّ فيه، أنه لا يختلف اثنان، أنَّ مدينة طنجة أو طنجى أو طنجيس، ليست كجُلّ أو باقي المدن الأخرى، فهي مدينة الاستثناء في وطننا العزيز هذا، كيف لا وهي المدينة الَّتِي أنجبت طوال امتداد عقود وسنوات مضت، جيلًا من النخب والأطر المُثقّفة والسياسيَّة والأكاديميَّة، وجيلًا من رجال المقاومة الوطنيَّة، سواء أكانوا أعضاءً بالحركة الوطنيَّة أم بجيش التحرير، وأيضًا أنجبت مئات الخبراء والأساتذة الجامعيين ومن الفنانين، كما أنجبت عددًا من الرياضيّين ومن المُسيّرين وغيرهم من الباحثين والمختصّين في مجالات مختلفة ومتعدّدة.
فقد استطاعت مدينة طنجة المغربيَّة إلهام عديدٍ من الكتّاب والفنَّانين والرسَّامين والمسرحيّين والموسيقيَّين العالميَّين، فاختاروها مكانًا لإقامتهم الدائمة، أو وجهتهم المُفضّلة كلما زاروا المغرب، فحضرت في المتخيل الإبداعيّ والفنيّ المغربيّ والعربيّ والعالميّ، من خلال قصصٍ شفهيَّةٍ، وروايات، ومسرحيات، ولوحات فنيَّة، وأعمال سينمائية خلَّدت اسمها، وأبرزت فضاءاتها وأمكنتها الساحرة، الَّتِي ما زالت إلى اليوم تستهوي عديدًا من الفنَّانين والمخرجين المغاربة والعالميين، الَّذِينَ يختارونها فضاءً لأعمالهم السينمائية.
لكن من الصعب أو النادر أن تجد شخصًا رغم صغر سنه، قرَّر تكريس نفسه لخدمة مدينته ووطنه، فهو يعشق التفاني في العمل، فكلّ من يعرفونه يقرّون بصدقه ووفائه وعطائه، إذ يعتبره كثيرون رمزًا للشباب المعطاء المكافح في مجاله.
كما من الصعب أن تجد شخصًا في مقتبل العمر، يكتسب شخصيَّة ناجحة في مساره الفنيّ والتطوعيّ، بل قادر على المساهمة في إعطاء إشعاع كبير لمدينته كيف لا وهو الَّذِي قرَّر طوعًا أن يُمثّل مدينته في العديد من المحافل الوطنيَّة والإقليميَّة، على أن يُمثّلها مستقبلًا في أكبر المحافل الوطنيَّة، وهو أيضا الإنسان الشاب الَّذِي تربَّى على قيم التضامن والتعاون والتطوع.
حسن تواضعه وتواصله وإصغاؤه أيضًا للأخرين، جعل منه رمزًا يُحتذى به في صفوف كلّ من عايشوه، فرغم انتمائه إلى جيلٍ شبابيٍّ، فإنّه يحسن التواصل مع جُلّ الفئات العمريَّة شيوخًا كانوا أم كبارًا، شبابًا أم أطفالًا، وهَذَا ما يجعله محبوبًا لدى الكلّ.
لا يمرُّ يومٌ واحدٌ إلا وتجده يُعبّر عن عشقه وحبّه لمدينة طنجة، فهو الشخص الَّذِي لا يمكنه أن يتوانى عن خدمة مدينته وساكنتها مهما حدث، وإن كان ذلك على حساب وقته، فالمدينة والوطن من أهمّ أولوياته.
اليوم وفي إطار سياسة جريدة «لاديبيش»، الَّتِي تُحاول رصد كلّ الشخصيات الشماليَّة والطنجاويَّة الناجحة بامتياز وتقدير في مجالها، أو الشخصيات الَّتِي قرَّرت شق مسارٍ صعبٍ لكتابة اسمها بمداد من الافتخار، ارتأت أن تتوقّف عند شاب، اختار الفنَّ والمجالَ السنيمائيَّ لغةً له، فكلما تقدَّم في السن إلا وازداد حكمةً ونضجًا وعطاءً لمدينته ووطنه، وراكم نجاحات ذاتيَّة يشهد له بها الكلّ.
- ينحدر من طنجة العالية.. 33 سنة كافية لنحث اسمه بطنجة العالية
لم يكن يظن «حمزة دقون» المزداد سنة 1991، والمنحدر بمدينة طنجة المغربيَّة، عاصمة شمال المملكة المغربيَّة، وبالضبط بحي «الإدريسيَّة» التابعة لمقاطعة امغوغة، الحي الَّذِي نشأ وترعرع فيه، أنه سيُصبح يومًا ما شخصيَّة عموميَّة، أو على الأقل شخصيَّة بصمت اسمها بمدينة طنجة، بل شخصيَّة تُسهم في تنشيط المجال الفنيّ، فأينما ولّيت وجهك إلا ووجدته حاضرًا في جُلّ المحافل الوطنيَّة، وأينما رصدتَ إذنيك إلا والتقطت اسمه، ومتّى ناديت عليه إلا ووجدته خدومًا حاضرًا معك في جُلّ أنشطتك، حضورًا، أو تأطيرًا فهو المتطوّع والخدوم دومًا.
حمزة دقون من أصول جبليَّة، ينحدر من منطقة حجر النحل ضواحي طنجة من ناحيَّة الوالد، وهو المكان نفسه الَّذِي تنحدر منه والدته الَّتِي هي بنت عمّ زوجها، أطفأ شمعته الثالثة والثلاثين يوم 19 أكتوبر من السنة الماضيَّة، يحاول أن يشقّ طريقه بكلّ ثبات، حتّى يترك بصمته في المجال الَّذِي يشتغل ويعمل فيه عن حبّ واقتناع.
فهو شاب عزب لحدود الساعة، لا يمتلك أسرة يتربع عرشها، لكنّه يمتلك عائلةً ينيرها بعطائه المستمرّ، فهو مَن جعل اسم دقون يرفرف بين أكبر وأشهر العائلات الطنجاويَّة، وحاول أن يزرع قيم الحبّ والعطاء والتطوع والتضامن أن يزرعها كلّ المُقرّبين منه بشكل عفويّ وبسيط للغاية، وهَذَا هو سر قبوله وحبّه من طرف الآخرين.
- دقون النشأة والتربيَّة في وسط محافظ
نشأ وتربى حمزة في وسط أسري طنجاويّ مُحافظ على العادات والتقاليد المدينة، فالوالدة حفظها الله حاولت أن تلعب دور الأب أيضًا، حيث افتقده وهو في سنّ صغيرة، فحمزة هو ذاك الابن المتعلّق كثيرا بوالدته، الأمر الَّذِي أسهم في تكوين شخصيته القويَّة والشجاعة والمغامرة بشكل كبير، بالإضافة إلى انتمائه للمدينة طنجة العالية، ملتقى البحرين، الَّتِي تُعدُّ أيضًا ملتقى الثقافات ومهد الحضارات وتلاقح القيم الإنسانيَّة والدينيَّة، فهو من مواليد مدينة طنجة العالية، بوابة إفريقيا المطلة على أوروبّا، نتيجة لاستقرار أسرته الكريمة بمدينة طنجة تحديدًا بحي الإدريسيَّة.
في هَذَا الحي رأى «حمزة دقون» النور، إذ تربّى وترعرع وكوَّن علاقات مع مجموعة من أبناء الحي الَّذِي كان في حينه، تلك الصداقات ما زال يحتفظ بها لحدود الساعة، رغم أنَّ السبل وظروف الحياة تعدَّدت.
طبعًا المجال المكاني الأول هو الحي ومن خلاله كان انفتاحه على باقي فضاءات مدينة طنجة، وبالنسبة له في فترة الطفولة كان مبهورًا بمصطلح (المدينة) فكان هو الأكثر ترددًا واستعمالًا من اسم المدينة، كانت المدينة وزيارتها والغوص في عوالمها حلمًا وعشقًا، خصوصا عندما يسمع «سيدي بوعراقيَّة والجبل الكبير وحسنونة والسوق دبرا والسوق الداخل والقصبة والحافة ومرشان والبلاية ووكسبراطا والسواني».
كل اسم كان له بمنزلة تحدٍّ من أجل الاستكشاف، من أجل معرفة (أمم) هَذِهِ المدينة السرمديَّة، وكل حي كان يرتبط في استكشافه بغرض أو موضوع، وغالبًا كان التحدي يرفع بعد سماع قصص شباب الحي الَّذِينَ يكبرونه سنًا وعن مغامراتهم وزياراتهم، والصداقات الَّتِي تكونت مع أبناء تلك الأحياء البعيدة، الَّتِي كانت هي حافة العالم الَّتِي ينتهي عندها كل شيء.
طبعًا كل تلك العوالم المشكلة لفضاء المدينة في أبعاده الزمانيَّة والمكانيَّة، كان لها الأثر الذهني والنفسي والسوسيولوجي في تشكيل شخصيَّة دقون الطفل ثم الشاب، بداية بتخيل المكان/ الفضاء والتموضع فيه لاحقًا حسًّا وواقعًا.
كلّ هَذَا ساهم في تقويَّة شخصيَّة حمزة دقون في السنوات الأخيرة، بسبب انخراطه أيضًا في العمل الفنّي والجمعويّ والتطوعيّ، واهتمامه بالقضايا الوطنيَّة، فبلال أكوح اليوم يُبدي اهتمامًا كبيرًا بكل ما يقع بالمدينة وبشأنها المحلّيَّ، كما أنه متابع جيّد لكلّ التفاصيل الدقيقة، الَّتِي تعيشها أو تعرفها المدينة بشكل يوميّ بل لحظيّ، الأمر الَّذِي يُساعده في تحقيق نجاح مُستمرٍّ.
- دقون.. هوايات متعددة ومختلفة
لحمزة دقون الشاب الحالم هُوايات متعدّدة ومختلفة، هوايات ربَّما استمدها من عمق المحيط الَّذِي عاش فيه، فهو المحبّ العاشق للقراءة في مجاله الفنيّ ومنفتح أيضًا على معرفة تجارب جمعويَّة وتطوعيَّة مختلفة.
يمتلك أيضا «حمزة دقون» هواية الانفتاح على مجالات متنوعة لعلّ أبرزها المجال الغنائيّ وأيضًا الرسم، فحتّى أبرز هواياته ارتبطت بالمجال الفني، بالمقابل فدقون من عشاق السباحة، وذلك راجع ربما لانحداره من مدينة ساحلية، فهي ملتقى البحرين الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي.
الرجل يعشق السفر والمغامرات خصوصًا المناطق الَّتِي تجمع بين الجبل ليكتشف أسراره وما بين البحر ليكتشف أغواره، كما يعشق مجال التنشيط والتقديم الَّذِي يعتبره جزءًا مهمًّا من كيانه ومحطة أساسية ورئيسيَّة في مشواره الفني.
- حمزة.. مسار علمي وأكاديمي متميز
لحمزة دقون مسار دراسي سلس وناجح بامتياز، لكنّه صعب أيضًا، إذ اتّسمت بلحظاتٍ من الحزن، خصوصًا بعد فقدان والده مبكرًا، حيث فقد والده وهو يدرس في المستوى الثالث الابتدائي، فإنّ ذلك كان حافزًا لتطوّره ومواكبة مشواره الدراسي، الَّذِي اتّسم أيضًا بالعديد من التحدّيات والمغامرات في الكثير من الأحيان.
ففي سنة 1998، التحق حمزة دقون، بابتدائية «موسى بن نصير»، وهناك درس مرحلة الابتدائي، ليحصل على شهادة المستوى السادس الابتدائي أو الإشهادي، ففي سنة 2004، التحق بالثانويَّة الإعداديَّة خليج طنجة، الَّتِي تقع بأعرق الأحياء بمدينة طنجة حي «علي باي» العريق، وهناك بدأت تطفو على السطح اهتماماته الفنيَّة، خصوصًا السنيمائية، أنهى مساره الإعدادي سنة 2007، ليلتحق في الموسم الدراسي 2007/2008 بثانويَّة «أبو بكر الرازي» الَّتِي تقع بمنطقة كاسطيا تحت النفوذ الترابيّ لمقاطعة السواني.
خلال مرحلته بالسلك الثانوي، بدأت تتشكّل اللبنات الأولى من شخصيَّة حمزة دقون، إذ أبدى اهتمامه بالانخراط في الأنديَّة المدرسيَّة والسينمائيَّة، وبدى اهتمامه ينمو أكثر فأكثر، خصوصًا بالجانب السينمائي، فكان يعشق مشاهدة الأفلام السنيمائية، لكن ذلك لم يُؤثّر نهائيًّا في مساره الدراسي أيضًا، فحمزة كان يعرف ما يريد، وكان يعي أن فرض ذاته ونجاحه في مساره الحياتي لا يكتمل إلا عبر المسار الأكاديميّ والعلميّ، عبر ما صرَّح به في العديد من تصريحاته الإعلاميَّة، وتبقى أهمها في إحدى البرامج على إذاعة ميدي راديو مع الصحفي والإعلامي المشهور «منتصر».
حمزة دقون لم يكن يضيع الوقت، رغم صغر سنه وانتمائه لفضاء جغرافي ربَّما لم يكن يغري بالشكل الكافي لمواكبة المسار الدراسي، فإنّه كان يعرف جيّدًا ماذا يفعل وماذا يريد، ففي سنة 2008 بعد حصوله على شهادة الباكالوريا، قرَّر أن يلتحق بعدها بجامعة عبد المالك السعدي وتحديدًا كلّية العلوم القانونيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة بطنجة والتابعة لجامعة عبد المالك السعدي.
الالتحاق بالجامعة كان بمنزلة الغوص في محيط مجهول بالنسبة لحمزة دقون، محكوم بقواعد وضوابط خاصة، ولا مجال فيه للحظات الضعف، التحق بالجامعة رفقة عددٍ من الأصدقاء الَّذِينَ جمعته بهم الدراسة بالثانويَّة.
فكانت الجامعة عالمًا لاستكشاف القامات الفكريَّة من داخل المغرب وخارجه، كانت لحظة اكتشاف ومعانقة كل التلاوين الطلابيَّة من البيان الشيوعي إلى أعمال محمد باقر الصدر في الاقتصاد إلى جون سميث، كانت لحظة لقاء مع الجابري ونقده للعقل العربي، وفرصة لقراءة طه عبد الرحمان ومعانقة عبد الله العروي.
كانت الدراسة الجامعيَّة مسارات تكوين مفتوح، بالنسبة لحمزة دقون، فبالإضافة لحضور المحاضرات في مواد التخصص في القانون فإنّ ذلك لم يقف عائقًا أمامه لمواصلة مشواره الفني.
أنهي مساره الدراسي بكلية الحقوق خلال الموسم الدراسي 2013/2014، ليواصل مواكبته الدراسيَّة، وهَذِهِ المرة بمدينة مرتيل، حيث حصل على شهادة الماستر أو الدراسات العليا شعبة الفيلم الوثائقي – كلية عبد المالك السعدي بمرتيل سنة 2016.
رغم التكوين الأكاديمي، الَّذِي رافق فيه عدد من الفنانين المشهورين على مستوى الوطني، خصوصا في مرحلة الماستير، فإن هَذَا لم يمنع حمزة دقون من تطوير نفسه حيث حصل على دبلوم التكوين العالي في مجال الفيلم الوثائقي – الجزيرة، كما حضر للعديد من التكوينات ذات علاقة بمجال تخصصه واهتمامه.
- حمزة دقون.. مسار مهني وفني حالم وطموح
لحمزة دقون مسار مهنيّ وحياتيّ مختلف ومتميزّ، فالرجل التحق مباشرة منذ مدّة بعمله الَّذِي لا يبتعد كثيرًا عن مجال تكوينه ومجال اهتماماته.
فالتحاقه بوظيفته وبالضبط بالمديريَّة الجهويَّة للثقافة بطنجة، شكلت لحظة فارقة في حياته، ووَفْق ما صرح به حمزة دقون «إعلاميًّا»، فإن هَذِهِ الوظيفة يعتبرها نقلةً نوعيَّةً، تعلم من خلالها الكثير. يقول حمزة دقون: «العمل بالمديريَّة الجهويَّة للثقافة شكلت نقلة نوعيَّة في حياتي، وطورت من قدراتي الإداريَّة وهي تجربة أعتز بها».
حمزة الشاب الوسيم ذو الثلاث والثلاثون سنة، يطمح إلى تطوير ذاته مهنيا، وتسلق أعلى المراتب مستقبلًا، خصوصًا أن مجال عمله مرتبط بمجالات اهتماماته حياتيًّا.
أمّا على مستوى المسار الفني، فرغم أنَّ الرجل اختار الاهتمام في المرحلة الراهنة بالأفلام القصيرة، فإنّه بدأ يشق طريقه بامتياز، فطريق ألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، لكنّها خطوة واثقة، هكذا يبدو الفنان حمزة دقون.
فحمزة يريد أن يبني مساره الفني بشكل تصاعديّ، بطريقة تُراعي قدراته وإمكانيته، فمجاله لا يقبل حرق المراحل، لهَذَا يحاول تطوير أعماله الفنيَّة، ويحاول كلّ مرة أن ينفتح على أشخاص أكثر احترافيَّة، ما جعله يُوجد بعددٍ مُهمٍّ من المحطات الفنيَّة، ومن المسابقات الَّتِي تجعل من أعماله تنضج أكثر خصوصًا لما يوفر له ذلك من احتكاك وتبادل للتجارب.
لحمزة دقون بعض الأعمال، الَّتِي أخرجها وهو ما زال يُواصل ويواكب مساره الدراسي، وهي الأعمال الَّتِي ساهمت في نضجه أكاديميًّا، حيث أخرج فيلم «دموع الورد» سنة (2012)، وفيلم «ارحيمو» سنة (2014)، مثل فيلم «الحلوى الحمرا»، الَّتِي شارك فيها في عدد من المسابقات الوطنيَّة وحصل من خلالها على عدد من الجوائز، وكانت بداية لتشكل وعيه السينمائي وخطوة لاحتراف هَذَا العمل واقتحامه بعد تكوين أكاديمي حسب ما كان يصرح به حمزة دائما.
أيضًا لحمزة دقون الطنجاوي، الَّذِي يفتخر بانتمائه لطنجة لحدّ العشق، بل يعشق تمثيل هَذِهِ المدينة الدولية فيلم آخر تحت اسم «ماتنسانيش يا طنجة»، الَّذِي أخرجه سنة 2017، مباشرة بعد حصوله على شهادة الماستير.
لم تقف أعمال المخرج السينمائي والشاب حمزة دقون هنا، فقد عمل على إخراج فيلم قصير آخر اختار له اسم «الحلوى الحمرا»، سنة 2018، وهو الفيلم، الَّذِي شارك به في العديد من المسابقات الوطنيَّة وحصل من خلالها على عددٍ من الجوائز. قبل أن يشهد العالم تحولًا وتأثرًا كبيرًا بسبب جائحة كورونا سنة 2020، عمل حمزة دقون على إخراج فيلم قصير واقعي سنة 2019، اختار له اسم «الرقصة الأخيرة»، وهو العمل الَّذِي اتّسم أيضًا بجرأة كبيرة في اختيار الموضوع، الَّذِي يُعدُّ طابو بمجتمعنا، فقد ناقش موضوعًا له العلاقة بالأمراض المنقولة جنسيًّا، وامتد الفيلم القصير لمدة خمس دقائق و20 ثانيَّة، خلق من خلاله جدالا داخل متتبعي الأعمال الفنيَّة وحصل به على عددٍ من الجوائز سواء في الإخراج أو في القصة والتأليف.
هَذِهِ الأفلام يحاول أن يشارك فيها في العديد من المسابقات الجهويَّة والوطنيَّة والعربيَّة وبعض المرات، حتّى المسابقات الدولية أن أتيحت له الفرصة ذلك، وقد فاز بالعديد من الجوائز التشجيعيَّة.
بالمقابل شكَّل فيلم «الحساب»، قفزة نوعيَّة في مساره دقون الفني، وهو الفيلم الَّذِي أخرجه مع المخرج الشاب «حمزة المعزي» ومن بطولة الفنانة عتيقة العاقل ويونس المخضرم وبمشاركة الفنان عبد الحق راتيل ومحمد توفيق ومن سيناريو وحوار «علي بويه»، إذ صورت أغلب مشاهده بمدينة أكادير، وكانت تجربة غنيَّة غادر من خلالها أسوار مدينته الَّتِي يعرف أدق تفاصيلها، لينشد تجربة جديدة سواء في الإخراج المشترك، أو في العمل بمدينة غير مدينته ولها عادات مغايرة لما تربى عليه، لكنها تجربة أغنت خزينة أعماله.
الفيلم استطاع أن يفرض اسمَه في العديد المسابقات الوطنيَّة، وحتّى الدوليَّة، لكن تبقى الجائزة الأخيرة الَّتِي تحصل عليها الفيلم في شهر رمضان الأخير، حينا شارك في مسابقة تلفزيَّة تذاع على القناة الأمازيغيَّة، أهم جائزة، فالفيلم حصل على الجائزة الكبرى، ونافس أزيد من ثلاثين فيلمًا آخر.
كل هَذِهِ الأشرطة حاول أن يُشارك بها في مهرجانات وتظاهرات سينمائية وطنيًّا وعربيًّا، وأن تحظى بثقة المُنظّمين ولجان التحكيم وتتويجها بجوائز مهمّة، لكي تشجعه لخوض تجارب أعمق ويركب قارب المغامرة في تجارب مستقبلية مختلفة، وهو ما يُعدُّ له حاليًا حمزة دقون، حيث له أعمال فنيَّة قيد الكتابة.
لم يتوقّف الاهتمام الفني لحمزة دقون عند المجال السينمائيّ وحسب، بل أيضًا يهتمُّ دقون بمجال الأزياء فهو عاشق لهَذَا المجال، ويحرص على المشاركة في العديد من العروض ويهتم به، وقد شارك كعارضٍ لمجموعة من العروض وجلسات التصوير لمصممين ذوي تجربة ومهنيَّة كبيرة.
كما شارك دقون عضوًا لجنة التحكيم لعددٍ من المسابقات الَّتِي تهتمُّ بمجال الأزياء عند الأطفال، وهو مجال آخر يهتمّ به الفنان دقون، الَّذِي يُحاول أن يبقى مرتبطًا دائمًا بالإبداع والفن.
- دقون والعمل الجمعوي والتطوعي
لم تكن لشخصيَّة حمزة دقون أن تتقوّى بهَذِهِ الكيفيَّة، دون انخراطه في العمل الجمعويّ والتطوعيّ، الَّذِي يبقى مرتبطًا دائمًا بجدلية قائمة مع اهتماماته الفنيَّة.
فقد انخرط في عددٍ من التجارب الجمعويَّة، أبرزها تقلّده منصب المدير الفني لمهرجان كاب سبارطيل السينمائي الدولي بطنجة، كما سبق أن انخرط بجمعيَّة المنار للتربيَّة والثقافة فرع طنجة، وأيضًا جمعيَّة الشعلة للتربيَّة والثقافة التي تقلّد فيها منصب الكاتب العام.
كما تقلّد منصب أمين المال بجمعيَّة الراصد الوطني للنشر والقراءة، وترأس لجنة تحكيم عدد من المسابقات والمهرجات السينمائية المحلَّيَّة، خصوصًا مدينة طنجة.
كما يُعدُّ دقون الشخص المتطوع دومًا في مجاله الفنّي، حيث أطَّر وكوّن عددًا من الورشات الفنيَّة، وسهر على إعداد عددٍ من السيناريوهات أو إخراج بعض الأفلام داخل الفضاء التربوي بعدد من المؤسّسات التعليميَّة، أو بعدد من الجمعيات.
وبالنسبة للمجال السياسي في الحقيقة بعيد عنها كل البعد، لكن هَذَا لا يمنعه من متابعة الشأن السياسيّ المحليّ والوطنيّ من قبل أصدقاء لهم مكانة وكلمة فيه.
- حمزة والإشعاع الإعلامي كمخرج سينمائي
لا ينكر حمزة دقون المخرج السينمائي الحاصل على بطاقة الفنان، أنّ للإعلام والصحافة مكانةً مُهمّةً في حياة كلّ فنان عن طريق الترويج والتسويق للأعمال الفنيَّة والسينمائيَّة.
ويُعدُّ حمزة دقون نفسه محظوظًا، إذ حظي بثقة الإعلاميّين والصحفيّين الشباب، الَّذِينَ يواكبون مساره الفني ويُسهم ذلك في توسع دائرته وتصل أعماله للجمهور.
فلحمزة دقون مشاركاتٌ إعلاميَّةٌ كثيرةٌ، سواء بالقنوات العموميَّة «ميدي 1 تيفي، دوزيم، الأولى، تيلي ماروك» وغيرها، أو بالإذاعات وأيما بالمنابر الإلكترونيَّة أو الجرائد الورقيَّة، وهي فرصة لم تتح للجميع، فإنّ دقون استطاع أن يكسر طابو اختراق الفنان للأعلام المغربي بكلّ تجلياته.
- حمزة دقون الفنان المغربي الَّذِي لا يحب مزاولة العمل السياسي
يبقى حمزة دقون كأغلب الشباب المغربي، الَّذِي يعزف عن ممارسة العمل السياسي بشكل منظم داخل أي حزب سياسي بالمغرب، هَذَا النفور يجعله يلتحق بركب الآلاف من الشباب المغربي، الَّذِي لا يحب خوض هَذِهِ التجربة لعدّة عوامل موضوعيَّة.
بالمقابل هَذَا لا يعني أنَّ دقون لا يهتم بالشأن السياسي المحلي والوطني، فهو متتبّع لأدق التفاصيل، الَّتِي تشهدها المدينة، لكن التمييع للعمل السياسي يجعله دائمًا يتفادى الاهتمام التنظيمي أي تجربة سياسيَّة كيف ما كانت. فدقون واضح في هَذِهِ الناحية، ولا يعتقد أصدقاؤه أن يفكر يومًا ما في الولوج العمل السياسي، فكلّ ما يُفكّر فيه اليوم هو نجاحه المهنيّ والفنيّ.
فخلال انتخابات 8 شتنبر 2021، لم تُغره جُلّ العروض السياسيَّة أو الخطابات السياسيَّة الَّتِي اجتاحت بلادنا على المستوى الوطني أو طنجة على المستوى المحلّيَّ، فالمشاركة المواطنة في عملية التصويت كناخبٍ والتعبير عن الرأي كيف ما كان لا يعني ممارسة العمل السياسي.
- دقون وارتباطه بالقضيَّة الفلسطينيَّة
حمزة دقون مثله مثل غالبيَّة المغاربة، يُعدُّ القضيَّة الفلسطينيَّة قضيَّة وطنيَّة يجب تبنيها والقطع مع كل أشكل التطبيع مع الكيان الصهيوني، ففلسطين بالنسبة له تُمثّل أداةً أساسيةً في تحليل مجريات الأحداث على المستوى الدوليّ، خاصّة الإقليميّ، وبوصلة لمعرفة اتّجاهات الصراع بالمنطقة.
قضيَّة فلسطين مثَّلت لدقون -منذ بداية تشكل وعيه الحقوقي والإنساني- قضيَّةً مبدئيّةً، فهي قضيَّة تحرّر وقضيَّة صراع بين مركز العالم وهامشه في إطار لعبة المصالح الكبرى على اعتبار الدور الوظيفي لدولة الاحتلال
- الموت يفجع بلال أكوح مرتين
خلال مسار حياته مرر «حمزة دقون» بأوقات صعبة للغاية، محطات أفجعته في حياته أبرزها مفارقة والده وهو في سن العاشرة، عندما كان يدرس بالمستوى الثالث الابتدائي بمؤسسة موسى بن النصير بطنجة. كما أن أصعب وأسوأ وأحزن لحظات مرّت عندما فقد خالته الَّتِي كان يعتبرها بمنزلة أمّه، إذ تعلَّم منها الكثير، خصوصًا لثقة في النفس، الذوق، وأشياء أسهمت في تكوين شخصيته.
فالموت أفجع حمزة دقون مرّتين، كما يفجع جُلّ البشر، فالفقدان النهائي دائمًا ما تكون محطة صعبة في حياة كل إنسان.
- حمزة دقون.. محطات امل
في مقابل لحظات الحزن والضعف والأسى، الَّتِي مرَّ بها المخرجُ السينمائيُّ الشاب حمزة دقون، هناك فترات وأحداث كان لها أثرُ التخفيف، خصوصًا بعد نجاحه في مساره العلميّ والأكاديميّ، أو من خلال نجاحه الفنيّ.
فكلّ تتويج فنّيّ وكل لحظة دعم يتلقاها حمزة من طرف والدته وأسرته وأصدقائه، تشكّل له لحظة أمل نحو مستقبل ونحو غدّ ووطن أفضل، وطنّ يتّسع للجميع، ويحتوي كلّ الاختلافات.
[إذا كانت للأناقة عنوان، فلخدمة الوطن عنوان، وعنوانه «حمزة دقون». وإذا كانت للعلاقات الإنسانيَّة ولمفهوم المجايلة عنوان فعنوانه أيضا «حمزة دقون»، وإذا كانت طنجة قد تميّزت بإنجاب أسماء ورموز وقامات وهامات تفوّقت في تخصصها، فطنجة فخورة بالمخرج السينمائي الشاب «حمزة دقون»، الَّذِي انتصر للمدرسة العموميَّة، الَّذِي تميّز وأبدع وتألق وتفوّق في حبه لوطنه، ولمدينته ولفنه ولمهنته].