آخر الأخبار
عمليات غير مسبوقة ضُبطت خلال الأشهر الأخيرة.. وما خفي عن أعين الشرطة أعظم

شبكات من مختلف الجنسيات وكوكايين بالملايير وحشيش بالأطنان.. تجار المخدرات يُحكمون قبضتهم على طنجة مُجددًا
لا يمكن لمن يتابع أخبار مدينة طنجة، أنّ يلاحظ أنّ أخبار ضبط شحنات كبيرة من المخدرات قد عادت بشكلٍ كبيرٍ لتتصدّر عناوين الصحف والمواقع الإخباريّة، إذ لم يعد يمرّ أسبوع تقريبًا دون أن تعلن المديرية العامة للأمن الوطني، ضبط شُحنة كبير من الممنوعات، أغلبها يكون في طريقه نحو مغادرة التراب الوطني نحو أوروبّا، عندما يتعلق الأمر بالحشيش، في حين ترتبط تلك العمليات الأمنية بالشحنات المستوردة، في حين يتعلّق الأمر بالأقراص المهلوسة أو الكوكايين.
ولن نكون مُبالغين إذا ما تحدّثنا عن «طوفان» جديد من عمليات الاتّجار الدولي بالمخدرات، الَّتِي يبدو أنَّ مدينة طنجة تحوّلت إلى مسرح لها خلال الأشهر الأخيرة، الأمر المختلف بشأن تحليله، بين من يرون أنَّ الموضوع متعلقٌ بعملية تطهير واسعة للمصالح الأمنية، وتلعب فيها أيضًا الأجهزة الاستخباراتية دورًا مركزيًّا، وبين من يرى أنَّ الأمر يُمثّل دليلًا على النفوذ المتزايد لشبكات الاتّجار في الممنوعات العابرة للحدود، الَّتِي تجعل طنجة «عاصمة» لعملياتها.
وأيًّا كان الأمر، فإنَّ المعطيات والأرقام الخاصة بما يتمّ حجزه، تُؤكّد مرّة أخرى أنَّ نشاط عصابات المخدرات في مدينة طنجة أكبر بكثير حتّى ما يمكن أن يتخيله عقل إنسان، فالأمر يتعلق بالأطنان من الممنوعات وملايير الدراهم الَّتِي «تُستثمر» في عمليات يكون مصير بعضها الفشل، أمّا بعضها الآخر فيستطيع تجاوز كلّ الحواجز ليصل إلى وجهته النهائية، وليجد داخل المغرب وخارجه سوقًا واسعة من المستهلكين، الَّذِين يدفعون ثمن الجرعات من أموالهم وصحتهم وحياتهم.
* كميات قياسية.. ما خفي منها أعظم
المخيف في الأمر، في القضايا الَّتِي يتمّ الكشف عنها بخصوص الاتّجار في المخدرات، بعد وقوع المتورّطين فيها في يدّ الأمن، هو حجم الكميات المحجوزة، الَّذِي يعني بشكل مباشر، أنَّ أموالًا طائلةً تدخل في إطار عمليات الشبكات الناشطة في مدينة طنجة، ما يُترجم إلى تأثير مباشر على الاقتصاد الوطني، ويثبت مرّة أخرى أنَّ عددًا من المشاريع في مدينة طنجة وجهة الشمال عمومًا، ما هي إلا واجهة لأنشطة مشبوهة في إطار تبييض الأموال وإخفاء مصادرها.
وكدليل على ذلك سنسرد آخر العمليات الكبرى الَّتِي كُشف عن تفاصيلها، وتحديدًا ما جاء في بلاغ للمديرية العامة للأمن الوطني بتاريخ 12 فبراير 2024، الَّذِي تحدّث عن تمكن عناصرها، في عملية مشتركة مع مصالح الجمارك العاملة بميناء طنجة المتوسط، يوم الأحد 11 فبراير 2024، من إجهاض عملية للتهريب الدولي لشحنة تتكون من 3 أطنان و255 كيلوغرامًا من صفائح مُخدّر «الشيرا».
وقال البلاغ، إنّ عمليات المراقبة الحدودية والتفتيش الدقيق قد أسفرت عن ضبط هَذِهِ الشحنة من المخدّرات مخبأة بعناية داخل مقطورة شاحنة للنقل الدولي للبضائع، كانت تنقل شحنة من الأسماك وتستعد للمُغادرة على متنٍ رحلةٍ بحريّةٍ متوجهة نحو أحد الموانئ الأوروبيّة، فضلًا عن توقيف سائق الشاحنة، وهو من جنسية مغربيّة ويبلغ من العمر 32 سنة.
وأوردت المديرية العامّة، أنّه احتُفظ بالمشتبه به تحت تدبير الحراسة النظرية، رهن إشارة البحث القضائي الَّذِي تجريه فرقة الشرطة القضائية بميناء طنجة المتوسط، تحت إشراف النيابة العامة المختّصة، لتحديد جميع الامتدادات المحلّيَّة والدوليَّة لهَذَا النشاط الإجرامي، وكذا توقيف جميع المتورطين في ارتكابه، مبرزةً أنَّ هَذِهِ العملية الأمنية تندرج في سياق المجهودات المكثفة الَّتِي تبذلها مصالح المديرية العامة للأمن الوطني لمكافحة شبكات التهريب الدولي للمخدرات.
* نشاط الممنوعات على خط طنجة – الأندلس
وتكشف هَذِهِ العملية عن الحجم الكبير، بل المتزايد، لنشاط تجّار المخدرات العابرين للحدود، عبر الخط البحري طنجة-الأندلس، وتحديدًا انطلاقًا من ميناء طنجة المتوسطي صوب ميناء الجزيرة الخضراء الإسباني، فالكمية الكبيرة الَّتِي تعني استثمار ملايين الأوروهات فيها، تُؤكّد أنَّ الأمر يتعلق ضربة كبرى، يُفترض أن من يقفون وراءها أكبر بكثير من مجرد شخص واحدٍ كان يقود شاحنة للنقل الدولي للبضائع.
والثابت أنَّ كميةً كهذه، جرى تمويههًا في شحنة كبيرة من المنتجات السمكية المُجمّدة، تتطلّب فريقَ عملٍ كبيرًا، وتنسيقًا دوليًّا قد يتجاوز المغرب وإسبانيا إلى دول أخرى في أوروبّا تكون عادة هي الجهة النهائية لهَذِهِ المخدرات، الَّتِي يبرز الفاعلون في مجال تهريبها -بشكلٍ كبيرٍ- في فرنسا وهولندا وبدرجة أقل بلجيكا وإيطاليا، بل إنَّ نشاطهم أضحى يمتد إلى بلدان أوروبّا الشرقية، ما يعني أنَّ أمام الأمن والقضاء مُهمّة أكبرَ للكشف عن الخيوط الكاملة لهَذِهِ العملية.
والواضح أنّه خلال الأشهر الماضية، تحديدًا خلال الأشهر الأخير من سنة 2023 وبداية 2024، بدأت عمليات تهريب المخدرات تتكرّر عبر ميناء طنجة المتوسطي، البوابة البحرية الأكبر في المغرب وإفريقيا، والرابعة عالميًا من حيث الكفاءة، و الَّذِي يُعدُّ الرافعة الأساسية للاقتصاد الوطني، والمركز اللوجيستي الأهمّ للمملكة.
* كوكايين بالملايير في طنجة
الملاحظ هو الاختلاف في أنواع المخدرات، الَّتِي تُضبط، وكذا تتنامى كميّاتها، ما يعني أنَّ هَذَا المسار أصبح من المسارات المفضلة لعصابات الاتّجار الدولي في الممنوعات، ولولا ذلك لما كانوا قد غامروا بكل تلك الكميات وما خلفها من أموال. ففي 2 يناير 2024 مثلًا، أُعلن عن تمكن عناصر المصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة طنجة بتنسيق مع مصالح الأمن الوطني بميناء طنجة المتوسط، من إجهاض عملية للتهريب الدولي للمخدرات القوية عبر ميناء طنجة المتوسط، وحجز ما مجموعه طن واحد و488 كيلوغرامًا و80 غرامًا من مُخدّر الكوكايين.
وقال بلاغ للمديرية العامة للأمن الوطني، إنّه قد تمّ تنفيذ هَذِهِ العملية النوعية بتنسيق مع المصالح الأمنية الإسبانيّة، في إطار علاقات التعاون العملياتي المشترك لمكافحة عمليات التهريب الدولي لمُخدّر الكوكايين، وتحييد مخاطر وتهديدات شبكات الجريمة المُنظّمة العابرة للحدود الوطنيّة.
وأضاف المصدر ذاته، أنه قد ضُبطت هَذِهِ الشحنة من مخدر الكوكايين، المكونة من 1277 صفيحة، ضمن حاوية كانت على متن باخرة للنقل البحري تحمل علم دولة أوروبيّة، انطلقت من أحد الموانئ بدولة من دول أمريكا الجنوبية مُتوجّهة صوب وجهتها النهائية بأحد الموانئ التركية.
وأشار بلاغ مديرية الأمن إلى أنّه، في المقابل، تجري مصالح الشرطة القضائية بحثًا تحت إشراف النيابة العامة المختصّة، للكشف عن جميع الأشخاص المرتبطين بالشبكة الإجراميّة المتورّطة في محاولة تهريب هَذِهِ الشحنة من مخدر الكوكايين، وكذا تحديد تقاطعاتها وارتباطاتها الإقليميّة والدوليّة.
ويبلغ سعر الغرام الواحد من الكوكايين في المغرب، وَفْق موقع statista المُتخصّص في المعطيات الرقمية، 95 أورو، أي 1022 درهمًا، وإذا ما استندنا على هَذَا الرقم كمرجعٍ للوصول إلى سعر تقريبيّ للكمية المحجوزة، سنجد أنّنا أمام بضاعة يصل سعرها إلى 1،5 مليار درهم (150 مليار سنتيم)، وهو رقمٌ كبيرٌ جدًّا يعادل على سبيل المثال الرقم المُخصّص للدراسات القبلية للقطار فائق السرعة الرابط بين الدار البيضاء وأكادير، ويساوي أيضًا الغلاف المالي المُخصّصة للبرنامج استعجاليّ لمواجهة النقص الحاصل في مياه الشرب والسقي وتأمين تزويد الجهة الشرقية بالمياه سنة 2022.
*شبكات الذهب الأبيض تلتقي فــي طـنـجـة
وهَذِهِ العملية بحجمها الكبير، المثير فيها أنّها جاءت بعد 3 أسابيع فقط من إفشال عملية أخرى لتهريب الكوكايين عبر الميناء المتوسط، حيث تمكّنت عناصر المكتب الوطني لمكافحة المخدرات بالفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بتاريخ 11 دجنبر 2023 من إجهاض عملية نوعية للتهريب الدولي للمخدرات القوية عبر البوابة المينائية المذكورة، وحجز ما مجموعه 215 كيلوغرامًا و822 غرامًا من مخدر الكوكايين، وهي العملية الَّتِي تُبرز ترابط شبكات التهريب من مختلف الدول، والتقاءها في طنجة.
وللتحقّق من ذلك تكفي العودة إلى بلاغ للمديرية العامة للأمن الوطني الَّذِي ذكر أن تنفيذ هَذِهِ العملية الأمنية، تمّ بتنسيق مع الوكالة الفيدراليّة الأمريكيّة لمكافحة المخدرات DEA، وذلك في إطار علاقات التعاون العملياتي المشترك مع السلطات الأمريكيّة لمكافحة عمليات التهريب الدولي لمخدر الكوكايين، وتحييد مخاطر وتهديدات شبكات الجريمة المُنظّمة العابرة للحدود الوطنية، وأضاف المصدر ذاته أنّه قد ضُبط هَذِهِ الشحنات من مُخدّر الكوكايين ضمن حاوية كانت على متن باخرة للنقل البحري، تحمل علم دولة أوروبيّة، وانطلقت من أحد الموانئ بدولة البرازيل متوجهة صوب ميناء روتردام الهولندي.
وحسب البلاغ، فقد أسفرت عملية التفتيش المنجزة على متن هَذِهِ الحاوية أيضًا عن حجز خمس شرائح إلكترونية لتحديد المواقع باستعمال نظام التموضع العالمي GPS، كانت موصولة بأكياس الكوكايين المهربة، بالإضافة إلى معاينة عدم مطابقة أختام هَذِهِ الحاوية للوثائق والسندات الخاصة بالبضائع الَّتِي تحملها.
وقد عُهد بمهمّة البحث والتحرّي في هَذِهِ القضية إلى المكتب الوطني لمكافحة المخدرات التابع للفرقة الوطنية للشرطة القضائية، تحت إشراف النيابة العامّة المختصة، للكشف عن جميع الأشخاص المرتبطين بالشبكة الإجرامية المتورطة في محاولة تهريب هَذِهِ الشحنات من مخدر الكوكايين، وكذا تحديد تقاطعاتها وارتباطاتها الإقليميّة والدوليّة، بالتنسيق مع مكتب الشرطة الجنائية الدولية «الإنتربول» بالرباط، كما تمّ الاعتماد على فرق الكلاب المدربة للشرطة لمواصلة تفتيش باقي محتويات تلك الحاوية، مع إخضاعها لكشف دقيق بمعدات الرّصد، وذلك للتحقق النهائي من فرضية وجود موادّ محظورة أخرى داخل هياكلها.
* أقراص الهلوسة تمر من هنا
وأصبحت مدينة طنجة تُمثّل أيضًا إحدى المراكز الرئيسة لتهريب الأقراص المهلوسة، الَّتِي كانت عادة تأتي من شرق المملكة عبر الحدود مع الجزائر، أو من الناظور والفنيدق عبر الحدود مع مليلية وسبتة توالي، ففي أكتوبر الماضي أعلنت المديرية العامة للأمن الوطني أن عناصرها، وبتعاون مع مصالح الجمارك بميناء طنجة المتوسط، أحبطت عملية للتهريب الدولي للمخدرات والمؤثرات العقلية، وحجزت ما مجموعه 40 ألفًا و806 أقراصٍ طبّيةٍ مُخدّرة كانت موجهة نحو المغرب انطلاقًا من الخارج.
وحسب ما جاء في بلاغ للمديرية، فإنّ عمليات المراقبة الحدودية والتفتيش الدقيق باستعمال الكلاب المدربة للشرطة، أسفرت عن ضبط هَذِهِ الشحنة من المؤثرات العقلية مخبأة بعناية داخل سخان كهربائيّ على متن سيّارة نفعية مرقمة بالخارج، مباشرةً بعد وصولها على متن رحلة بحرية قادمة من أحد الموانئ الإسبانيّة، كما مكنت أيضًا من توقيف سائق السيارة، وهو من جنسية مغربيّة يبلغ من العمر 40 سنة.
وأورد البلاغ ذاته، أنّه احتُفظ بالمشتبه فيه تحت تدبير الحراسة النظرية رهن إشارة بحث النيابة العامة المختصة، لتحديد جميع الامتدادات المحلّيَّة والدوليّة لهَذَا النشاط الإجرامي العابر للحدود الوطنية، وكذا توقيف كلّ المتورطين الضالعين في ارتكابه.
* الأرقام الرسميّة تؤكد سطوة تــجـار المـخـدرات
وتظهر الأرقام الرسميّة الحجم الكبير لتجارة المخدّرات في طنجة، فحسب الأرقام الَّتِي أعلن عنها والي أمن طنجة عبد الكبير فرح، في 16 ماي 2023، الَّتِي تهمّ الفترة ما بين 2022 و2023، فإن عمل المرافق الأمنية أسفر عن حجز أكثر من 59،826 طن من مخدر الشيرا، و134 كيلوغرامًا من الكوكايين، و504 غرامات من الهروين، و1،674 طن من الكيف، وأكثر من 2،169 مليون قرص مهلوس، وهي أرقام أقل بكثير مما تُسفر عنه عملية أمنية واحدة من بين العمليات الَّتِي تمت بعد منتصف العام الماضي وبداية السنة الجارية.
لكن هَذِهِ الأرقام ستفيدنا في فهم مركزية مدينة طنجة في عمليات الاتّجار في المخدرات، عند مقارنتها بالأرقام الصادرة عن المديرية العامة للأمن الوطني، في 26 دجنبر 2023، الَّتِي تهمُّ سائر التراب الوطني طوال العام الماضي، حيث بلغت المحجوزات المضبوطة من مخدر الحشيش 81 طنًّا و175 كيلوغرامًا، مسجلة تراجعا قدره 17 بالمئة، وطن واحد و922 كيلوغرامًا و641 غراما من مُخدّر الكوكايين، وستة كيلوغرامات و880 غرامًا من الهيروين، في حين بلغت شحنات المؤثرات العقلية المحجوزة أي الإكستازي والأقراص الطبية المخدرة مليونًا و223 ألفًا و774 قرصًا مهلوسًا.
ووَفْق أرقام الشرطة المغربية دائمًا عرفت السنة الماضية تنفيذ مُخطّط عمل مُوجّه لمكافحة تصنيع وترويج المُخدّر الكيميائيّ المعروف بـ«البوفا»، وهو المخطط الَّذِي شاركت في تنفيذه عناصر القوة الخاصة التابعة للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، وفرقة الأبحاث والتدخلات التابعة للفرقة الوطنية للشرطة القضائيّة، وجميع المصالح اللاممركزة للأمن الوطني، مما مكن من تجفيف منابع ترويج هَذِهِ المخدرات التركيبية وتوقيف 575 شخصًا ضالعًا في ترويجها، فضلًا عن حجز خمسة كيلوغرامات و175 غرامًا من هَذِهِ المادّة المخدرة.
وإذا ما بقينا مع هَذَا النوع من الموادّ المُخدّرة، وحسب الأرقام الأمنية دائمًا، نجد أن عملية جرت في مدينة طنجة في شهر نونبر الماضي، أسفرت عن ضبط مواطن ينحدر من إحدى دول إفريقيا جنوب الصحراء، من طرف عناصر المنطقة الأمنية ببني مكادة، وكان بحوزته 850 غرامًا منها، وقبل ذلك، وتحديدًا في شهر شتنبر من نفس العام، جرى توقيف 3 أشخاص تتراوح أعمارهم ما بين 25 و30 سنة وبحوزتهم 21 غرامًا منها يقومون بترويجها إلى جانب الكوكايين والأقراص المخدرة، ما يعني أن حوالي سُدس الكميات المحجوزة على المستوى الوطنيّ كيلة العام الماضي، جرى ضبطها في عمليتين فقط بمدينة طنجة.
