تواصل معنا

سياحة

طنجة والسياحة الثقافية.. مشروعات طموحة أم شعارات جوفاء؟

تُعدُّ مدينة طنجة واحدة من أبرز الوجهات السياحية في المغرب، بفضل موقعها الجغرافي المتميز وإرثها التاريخي العريق.

ورغم شهرتها كوجهة سياحية، فإنَّ السياحة الثقافية بالمدينة لم تحظَ بالاهتمام الكافي مقارنة بالأنماط الأخرى من السياحة. غير أنَّ ما يثير التساؤل هو ما إذا كانت السياحة الثقافية بطنجة قد بدأت فعلا بالإقلاع؟ وكيف يمكن تطويرها؟

وشهدت عاصمة البوغاز في السنوات الأخيرة عدّة مشروعات تهدف إلى تعزيز هذا الجانب، وأحد أبرز هذه المشروعات إعادة تهيئة ساحة الثيران، أو “بلاصا طورو”، التي تعد معلمة تاريخية بنيت في خمسينيات القرن الماضي خلال الحقبة الإسبانية، إذ كانت تستخدم سابقًا لمصارعة الثيران قبل أن تفقد وظيفتها الأصلية.

وبعد عقود من الإهمال، أطلق مشروع طموح لإعادة تأهيلها وتحويلها إلى فضاء ثقافي متعدّد الوظائف، بميزانية قُدّرت بنحو 70 مليون درهم.

واستهدف المشروع جعل الساحة مركزًا للفنون والترفيه، عبر تخصيص فضاءات للعروض المسرحية، والحفلات الموسيقية، والمعارض الثقافية، والأنشطة الترفيهية، وهذا المشروع يعكس تحولًا مُهمًّا في رؤية المدينة تجاه السياحة الثقافية، ورغم أهمية هذه الخطوة، فإن السياحة الثقافية لا يمكن أن تزدهر فقط بإعادة تأهيل هذه المعلمة أو تلك، بل تحتاج إلى استراتيجية متكاملة تشمل جوانب متعدّدة.

وتزخر طنجة بالعديد من المعالم التي يمكن توظيفُها لتطوير السياحة الثقافية، إذ تحتضن المدينة القديمة، ومتحف المفوضية الأمريكية، والقصبة، ومسجد القصبة، بين زواياها العديد من القصص والأحداث التي تستحق أن تروى، كما أنَّ بعض المباني التاريخية التي تعود إلى فترات مختلفة يمكن إعادة تأهيلها وتحويلها إلى متاحف أو مراكز ثقافية.

ورغم أن السياحة الثقافية في طنجة لا تزال في مراحلها الأولى، فإنَّها تحمل إمكانيات كبيرة للنمو، ونجاحها يعتمد على تكامل الجهود بين السلطات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، فدعم المشروعات الثقافية والاستثمار في البنية التحتية المتعلقة بالسياحة، مثل الفنادق القريبة من المواقع الثقافية، يُعدُّ خطوة ضرورية لتعزيز جاذبية المدينة.

كما يمكن لطنجة أن تستفيد كثيرًا من التكنولوجيا الحديثة لجذب السياح، وذلك عبر طرح تطبيقات إلكترونية تقدم معلوماتٍ تفصيليَّةً حول المعالم التاريخية، وتنظيم جولات افتراضية، مما يجعل التجربة أكثر تشويقا وسهولة، كما أنَّ تعزيز الإرشاد السياحي وتكوين مرشدين متخصصين في التاريخ والثقافة المحلية، من شأنه، أن يسهم في رفع جودة الخدمات السياحية المقدمة.

ويعد الترويج للسياحة الثقافية على المستوى الدولي عنصرًا أساسيًّا لإنجاحها، إذ يمكن تنظيم حملات إعلانية موجهة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعقد شراكات مع وكالات السفر العالمية، لجذب فئة من السياح الباحثين عن تجارب ثقافية متميزة، بالإضافة إلى استضافة فعاليات دولية مثل المهرجانات السينمائية والموسيقية، التي من شأنها أن تسلط الضوء على غنى الإرث الثقافي والحضاري للمدينة.

ويبقى التمويل والتسيير المستدام من أكبر التحدّيات التي تواجه مشروعات السياحة الثقافية، فنجاح هذه المبادرات يتطلَّب مواردَ ماليَّةً كافية، وإدارة محكمة تضمن استدامتها، ويمكن تحقيق ذلك عبر شراكات بين القطاع العام والخاص، ودعم رجال الأعمال للاستثمار في الثقافة، سواء عبر رعاية الفعاليات أو المساهمة في إعادة تأهيل المعالم التاريخية.

ومن شأن وضع الاستراتيجيات المناسبة وتنزيلها بفعالية، أن يدفع بالسياحة الثقافية في طنجة نحو قفزة نوعية، يمكن أن يجعل من المدينة نموذجًا في هذا المجال، مما يعزز مكانتها كواحدة من أهم الوجهات الثقافية في المغرب.

 

تابعنا على الفيسبوك