تواصل معنا

مقالات الرأي

طنجة.. لماذا ستفشل المجالس المنتخبة في تنزيل الإصلاحات المنشودة؟

تسود حالةٌ من الترقّب، بخصوص مستقبل مدينة طنجة، بعد انتخابات الثامن من شتنبر، الَّتِي أفرزت تشكيلةً سياسيّةً، تضمُّ وجوهًا وقع الإجماع على بعضها، بينما رُفِضت الأخرى، الشيء الَّذِي يجعلنا نتساءل بشأن القيمة المضافة، الَّتِي يمكن القيام به فيما يتعلّق بإنتاج القرارات وصياغتها -الَّتِي غالبًا ما ستكون أقل بكثير مما هو منتظر؟ لكن هَذَا لا يعني أنَّنا لا حول لنا ولا قوّة، ولا ينبغي أن تكون لدينا رؤيةٌ للسياسة العامّة، الَّتِي نريد.

يمكن الجزمُ أنَّ الأحزابَ الفائزةَ في الانتخابات بمدينة طنجة، تملك مشاريعَ يُمكن تسخيرُها لخدمة الصالح العام، إذا ما نُزّلت هَذِهِ البرامج بشكلٍ واقعيٍّ، لكن صعوبةَ المهمّة تنجلي في غياب الانسجام داخل الأغلبية المُشكّلة للمجالس المنتخبة -الَّتِي وقع الاختيار عليها- وجب التأكيد هنا أنَّ فهم الطبيعة المُعقّدة لمجال السياسة بالمدينة والتعامل معها في حدود المُمكن، يحيل إلى وجود إشكالاتٍ بنيويّةٍ مُرتبطةٍ أساسًا بأيديولوجية السياسيّين، الَّذِينَ يمسكون زمام الأمور، وأيضًا البنية النفسية لهم، ولفهم صعوبة المهمّة نُذكّر بأبرز المعيقات، الَّتِي ستواجه هَؤُلَاءِ القادة الجُدد، بدايةً من التفاوتات الاجتماعيّة والاقتصاديّة للمواطنين -بعد أزمة كورونا- مُرورًا بالنموّ الديمغرافي، الَّذِي تشهده المدينة، وصولًا إلى انعدام برامج مُخصّصة للفئات المُهمّشة.

لن يكون سهلًا على السياسيّين بالمدينة الانخراطُ في تنزيل مضامين النموذج التنمويّ الجديد؛ بسبب غياب التواصل مع الفئات الاجتماعيّة الأكثر هشاشةً، غياب التواصل يأتي نتيجة صعوبة فهم السياسيّين لضرورة نهج أسلوبٍ تشاركيٍّ في صياغة القرارات مستقبلًا، ولعلّ السلوكَ السياسيَّ اليوم -الَّذِي أصبح مرتبطًا بالأشخاص عوض الارتباط بالممارسة السياسيّة في مفهومها الشمولي- سيُعيد إنتاج نفس علاقات الإنتاج، وبالتالي المصير سيكون هو الفشل، ولكيلا أكونَ عَدَمِيًا هنا؛ فإنّ الفشل يُحكم عليه بمقارنة الإصلاحات والتراجعات، فالإصلاحات الَّتِي تعرفها المدينة على مستوى بنياتها التحتيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، تُشير إلى وجود فعل سياسي؛ غير أنَّ عدم انعكاسها على الوضعية الاجتماعيّة للمواطنين، يُؤكّد وجود خللٍ، لم ينتبه له مُدبّرو الشأن العام، وهنا -على سبيل المثال لا الحصر- يمكن التذكير بعددٍ من الملّفات العالقة، أبرزها ملف الباعة المتجولين، الَّذِينَ لم يجدوا من يمسك بيدهم ويعمل جنبًا إلى جنب لإيجاد حلول واقعية، تُخرجهم من ويلات الفقر والحاجة، يمكن أيضًا الحديث عن أصحاب المهن الموسميّة، هَذِهِ الفئة الَّتِي تعيش عدم الاستقرار الوظيفي، ونجدها غالبًا ما تحمل عبء أسر وعائلات، ترى في تنكّر السياسيّين لمطالبهم، حجةً في نقد السياسة وعدم الثقة فيها، يمكن أيضًا أن يساهم انكباب رؤساء المجالس الجماعيّة والجهويّة على ملفات العقار -ووضعها على رأس الأوليّات- في استنزاف الزمن السياسيّ، ويضيّع فرص التركيز على سياسة التشغيل والدعم، أي أنَّ الفئات -الَّتِي ذكرت أعلاه- لن تحظى ببرامج تضمن لها الانخراط في النسيج الاقتصاديّ، ولن تستفيد من التنمية المراد تحقيقها. لن يكون سهلًا على مجالس -تعرف تمزقًا داخليًا وتشرذمًا- أن تُساهم في بناء مدينة طنجة، الَّتِي نريد دون تفاوتات طبقية، مدينة يجد فيها الفقراءُ مكانًا لبدء مشاريعهم الخاصة؛ بسبب رفض أغلبية الطلبات المُقدّمة للمجالس السابقة، بحجّة عدم استيفائها الشروط المطلوبة، وهي حجّة مقنعة للغاية، يستخدمها الساهرون على تدبير المدينة، فالبداية المتعثّرة -الَّتِي شهدتها مرحلة التحالفات والتصويت على القوانين الداخلية، وما شابها من انتقادات- تبرزُ صعوبة المهمة الَّتِي تنتظر السياسيّين، كما أنّ غياب استراتيجية مستعجلة -للنهوض بالفئات الهشّة على المستوى الوطني- لن يجعل من طنجة استثناءً، فالغالبية العظمى تنتظر ما ستفرزه الأيّام المقبلة من قرارات، حتّى أنَّ أكبر المتفائلين يجدون أن تنزيل الوعود الانتخابية شبه مستحيلٍ؛ في ظل هيمنة الفكر الأحادي غير المؤسّس على استراتيجيّات تنهل من مضامين الخطب الملكيّة الداعية إلى خدمة المواطنين، بل ترتكز بالأساس على تنازلات وتوافقات تخدم الكراسي قبل خدمة الصالح العام، أتمنّى أن تكون التوقعات خاطئةً، ويستجمع المنتخبون الهمم، ويُغلّبون المصلحة العامّة على نظيرتها الشخصية، وهو شيءٌ صعب المنال نتيجة الظروف والكيفية الَّتِي بنيت بها التحالفات السياسيّة، الَّتِي ضمَّت المتناقضات.

تابعنا على الفيسبوك