في الواجهة
طنجة المتوسطية.. إشعاع عالمي وقوة اقتصادية في عهد الملك محمد السادس

منذ تولي صاحب الجلالة الملك محمد السادس، السلطة في عام 1999، أحدث ثورةً هائلةً في المجالات الاقتصاديّة والبنية التحتيّة، وكان وراء إطلاق عددٍ من المشاريع الضخمة، مُسلحًا بإرادة قوية وحماس لتنمية مناطق شمال المملكة، ولم يقتصر دوره على مجرد إطلاق المشاريع الكبيرة، بل دعَّمها في المراقبة والتنفيذ.
وبدا جليًا أنّ طنجة في عهد الملك محمّد السادس، وصلت إلى إشعاع دوليّ جعلها مركزًا متوسطيًّا وصرحًا ثقافيًّا متميزًا في المنقطة، إلى جانب تجسيدها مفهوم التطوّر الاقتصاديّ والصناعيّ والثقافيّ والإيكولوجيّ، ووجهة للمبادلات بين أوروبّا وإفريقيا لا محيد عنها، عبر مجموعة من المشاريع، شكَّلت دعامة أساسيّة لتحقيق تطوّر بجهة طنجة تطوان الحسيمة.
وفي سياق المشاريع الكبرى، الَّتِي أشرف على إطلاقها الملك محمد السادس، مثلًا برنامج طنجة الكبرى الَّذِي مثل نموذجًا حضريًّا، غير مسبوق في المغرب، وبالضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، ارتقى بطنجة المتوسطية إلى مصاف الحواضر العالمية، بحجم استثمار ناهز 8 مليارات درهمٍ، وجعل من المدينة الواقعة في شمال المملكة بوابةً طبيعيّةً واستراتيجيّةً تجتذب نحوها استثمارات مهمّة بفضل مؤهلاتها الصناعيّة المتعدّدة.
وعلى المستوى الثقافي، فإنّ ملك المغرب كان حريصًا على إعادة تأهيل رصيد طنجة لربط ماضيها العريق بحاضرها ومستقبلها، كما أُهّلت مغارة هرقل، وفيلا هريس، وحديقة الرميلات وإعادة تأهيل المدينة العتيقة بالحفاظ على جُلّ خصائصها الثقافيّة، الَّتِي تحكي عن حقبة مثَّلت فيها طنجة محجًا لعددٍ من الجنسيات العالميّة والثقافات المُختلفة.
وحرص جلالته على تطوير المجال الرياضيّ، بتمكين طنجة من مدينة للرياضات، وإعطاء تعليماته لتوفير البُنى التحتية اللازمة لذلك من معدّات وتجهيزات عددٍ من المنشآت الرياضية، كملاعب كرة القدم، وكرة السلة، والكرة الطائرة، ما جعل طنجة مثالًا للتنمية المجالية المتكاملة في المنطقة، مُتفوّقة على المدن الساحلية بشمال إفريقيا في جودة البُنى الرياضية وحجم طاقتها الاستيعابيّة.
وإيمانًا من الملك بضرورة الحفاظ على التطوّر المتصاعد للمدينة، وفق رؤية جيواستراتيجيّة، أعطى تعليماته السامية لإنجاز دراسة مُعمّقة بهدف تمكين طنجة من مراجعة نمط تسييرها، والانتقال إلى جيلٍ جديدٍ من المدن أكثر إدماجًا وتوازنًا، تضمن تنميةً شاملةً ومندمجةً.
بعد 5 سنوات فقط من تولّي الملك محمد السادس العرش، كان له هدفٌ محددٌ في تحويل طنجة إلى أكبر قطبٍ اقتصاديٍّ في إفريقيا والمنطقة المتوسطية، وألقى خطابا في فبراير 2003، مع البدء في تطوير مشروع ميناء طنجة المتوسط، أكَّد خلاله، أنّ المشروع سيُعمّق جذور انتماء المغرب للفضاء الأورومتوسطي ولمحيطه المغاربي والعربيّ، ويُعزّز هويته المتميّزة كقطبٍ للتبادل بين أوروبّا وإفريقيا وبين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، ويدعم دوره المحوري كفاعلٍ وشريكٍ في المبادلات الدوليَّة، موطدًا اندماجه في الاقتصاد العالمي.
وبعد الانتهاء من تطوير الميناء سنة 2019، أصبح المشروع قاعدةً اقتصاديّةً متينةً، ذات مستوى دولي ومناطق اقتصادية حرة، جعلت من المملكة نموذجًا للتنمية في إفريقيا ومثالًا للعمل الجادّ والدؤوب المنبثق من رؤية استراتيجيّة إصلاحيّة، تقودها المؤسّسة الملكية، بوضعها حجر الأساس لأكبر ميناء لوجستي صناعيّ وتجاريّ سياحيّ في المنطقة، مُمثلًا بذلك قاطرة ربط بين قارتين الإفريقيّة والأوروبيّة. ومثَّل طنجة المتوسط قطبًا لوجيسيتًا وقطبًا صناعيًّا لآلاف الشركات العالمية الناشطة في مجالات مختلفة، كصناعات السيَّارات والطائرات والنسيج واللوجستيك ويمتاز بمواصفات عالمية، بقدرة استيعابية 9 ملايين حاوية، 7 ملايين راكب، 700000 شاحنة ومليون سيّارة، كما يتميز بتوفّره على منصة عالية الكفاءة كنقل البضائع، والخِدْمات والتصدير والاستيراد والخدمات البحريّة والمينائيّة.
ويضم محور خِدْمات طنجة المتوسط، مهارات تعنى بتنمية البنى التحتية الكبرى، كمراكز الهندسة في مجال التصميم وقياس أبعاد مشاريع البُنى التحتية والمناطق الصناعية في المغرب وفي الخارج، وخدمات أخرى يُقدّمها مركز التكنولوجية، الَّتِي تستجيب للمعايير الدولية فيما يتعلق بوسائل الاتّصال، كما يتمتع طنجة المتوسط بأفضل الأخصائيين وأحسن المعدات ويُقدّم حلولًا مُبتكرةً.
وأصبح الميناء الرائد من حيث الحركة البحرية، بنحو 5.77 مليون حاوية في عام 2020، بزيادة قدرها 20% مُقارنةً بالعام الماضي، ما يُعزّز هيمنته على التجارة البحرية، متمكنًا من تحقيق نتائج مبهرة على الرغم من الوضع العالميّ، الَّذِي اتّسمت به جائحة (كوفيد –19) نفس النجاح من حيث الحمولة الَّتِي تطوّرت بشكل إيجابي، بنسبة 23%، مُقارنةً بعام 2019 لتصل إلى 81 مليون طن.
وبفضل مواكبة الملك محمد السادس، لهَذَا المشروع الأضخم في تاريخ المملكة، أضحى المغرب اليوم رائدًا إفريقيًّا في مجال الربط البحري العالمي، وشرع في تحديث وتوسيع وبناء موانٍ جديدة من طنجة إلى الداخلة على الساحل الأطلسيّ للصحراء المغربية، لتصبح المملكة في المستقبل ملتقًى استراتيجيًّا للتجارة البحريّة بين إفريقيا وأوروبّا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
