مجتمع
سائقو الطاكسي بطنجة يحكون خبايا المهنة ومعاناة العاملين

في جائحة «كورونا» معاناتهم ازدادت كباقي القطاعات الأخرى، إلا أنَّنا أردنا تسليط الضوء عليهم، لأنَّهم أصبحوا يلعبون دورًا أساسيًا في حياتنا وحياة المواطنين، تؤثث فضاءنا الطرقيَّ بألوانها المُختلفة، حيث لا تنعم بالراحة منذ خروجها من المصنع، فهي لا تكاد تتوقّف محركاتها إلى أن ترمى أجزاء في ساحة الخردة.
تجد سائقًا يجلس خلف المقود، إذا تأملت وجهه تأكَّدت أن عينيه لم تأخذا نصيبهما الكافي من الراحة، قد يخطر ببالك أن هَذَا الصنف من الناس يتعمدون الإقلال من النوم، حتّى يتأتى لهم جمع أكبر قدرٍ من المال، أو أنَّهم فقط يتجوّلون في الشوارع ليعودوا على متن سيَّاراتهم بحصاد وفير.
موقع «لاديبيش 24» وحتّى تتقرب من حقيقة مهنة سائقي الطاكسيات وظروف عملهم، حاولنا التواصل مع بعضهم ليحكوا لنا قصصهم اليومية، حيث التقينا مع عبد اللطيف، وهو سائق طاكسي لمدة 30 سنة، تجولنا معه في أرجاء مدينة طنجة، حيث لاحظنا أنَّ عبد اللطيف يتجوّل في جميع أرجاء المدينة، ويحاول تجنب المشاكل بالجملة؛ فالزبناء (الركاب) أشكال وألوان، والازدحام في حركة المرور، ورجال الأمن.
- مهنة المشاكل والأرق
شهادة عبد اللطيف قد تتماهي مع شهادات وقصص عددٍ من سائقي السيّارات، فعبد اللطيف يعرف جدًّا أنَّ الجلوسَ على هَذَا الكرسي لا تختفي تحته رزمة من المشاكل والمفاجآت، يكتشفها واحدة تلو الأخرى مع مرور الأيّام.
هَذَا الجلوس قد يرافق السائق إذا تعرّض لمشكل، خصوصًا إذا كان جسديًا، إما بسبب حادث سير، أو اعتداء من قطّاع الطرق، يحكي عبد اللطيف دائمًا: «أشتغل في سيارة عمّي منذ أكثر من عشر سنوات، وكنت أرسل له نصيبه عند نهاية كلِّ شهر في حسابه البنكيّ، وعندما تعرّضت لاعتداء من قبل اللصوص، أرغمت على التوقّف عن العمل لأكثر من ثلاثة أشهر، (وما عقلش علي عمي ولا مراتو)، ونزعوا مني أوراق الطاكسي، وحذّروا السائق الَّذِي كنت أعمل معه بالتناوب من تسليمي سيّارة الأجرة، فهو له نفوذ وعلاقات كبيرة، حيث يمتلك أزيد من 10 سيّارات.
عبد اللطيف بنبرة ساخرة من واقع مرّ، هذه المهنة «زوينة مواليها لخايبين» وهو يقصد أن مهنته الَّتِي يعمل فيها دون واجبات، فلا أجر قارّ ولا أوراق ضمان اجتماعيّ يحميه من المرض والتوقّف عن العمل، يحكي أنّه بالفعل هناك إشكالاتٌ حقيقيّةٌ من الناحية المعيشة ومعاملة الزبناء، يتحدّث بحرقة وأسى ممسكًا المقود باليد اليسرى ومُلوّحًا باليمنى.
سائق سيارة الأجرة (ضايع)، وليست له أيّ حقوق، إن وازن بين المداخيل والمصاريف، فهو من المحظوظين، فالتأمين باهظ (مليون سنتيم)، زدْ عليه الضريبة وقطع الغيار، فبمجرد أن تصلح قطعة غيار حتّى تسقط قطعة أخرى في عطب، صاحب الطاكسي دائمًا مهمومٌ، والمستفيدون من الطاكسي في نظر الطيب هم المُتقاعدون المالكون للرخصة، أمَّا سائق الطاكسي فهو دائمًا في عذاب، خصوصًا إذا كان معيلًا لأسرة ومثقلًا بالأبناء.
حكاية عبد اللطيف مع الطاكسي، حديث ذو شجون، كان يمتلك محلّين في إحدى أسواق المدينة، لكن الظروف جعلته يفقدهما، ووجد نفسه في مهنة تفترض عليه الجلوس على مقعد مليء بالمشاكل خلال النهار وبالأرق ليلًا.
- مشاكل تتطلّب حلًا
سائقو سيَّارات الأجرة بصنفيها لا يستفيدون من بعض الحقوق البسيطة، فعبد اللطيف وآخرون لا يستفيدون من التغطية الصحيّة، وخدمات الضمان الاجتماعي، والنقابات لم تُحقّق له هَذِهِ المطالب، فحسب عبد اللطيف، هناك عددٌ من النقابيَّين يبيعون ويشترون في أرباب سيَّارات الأجرة، ولا يكلفون أنفسهم عناء هيكلة القطاع، ويبحثون عن مصالحهم الخاصة، أمَّا المسؤولون النقابيّون، يقول ذات المتحدث، فليسوا في المستوى؛ لأنَّ المشتغلين في القطاع أغلبهم أميون، فالنقابيون ما نعمرش معاهم، كم سمعنا من الوعود ولم نرَ أيَّ شيءٍ للأسف.
وتستفحل المشاكل بين السائقين، مثل عدم احترام الدور (النوبة)، يقول صديقنا عبد اللطيف: «هي مشاكل ملازمة للسائقين من الصباح إلى آخر المساء، فبعض السائقين «لا يحترمون دورهم، فـ(الحشومي) يبتعد عن الوقوف في المحطات، أمَّا ولد الناس فهَذِهِ المهنة لا تصلح له». والسائق إذا ذهب إلى محطة لم يتعوّد على الوقوف فيها، فإنَّ نظرات السائقين القدامى تلاحقه، ويختلقون له مشاكل تزيد همّه.
- مشكل من نوع آخر
سمير، سائق أسمر البشرة، قوي البنية، بشوش الوجه، في عقده الخامس، غطى رأسه ووجهه بكوفية فلسطينيَّة، لما سأله أحد الراكبين عن سبب ارتداء الكوفية في يوم مشمس، أجاب في دعابة أنه مريض بالانتفاضة.
صاحبنا هَذَا له مغامرة خاصة مع المرضى العقليّين. في أحد الأيّام ركبت امرأة وابنها في المقعد الأمامي. الأم اتّخذت لها جهة الباب، فيما تركت ولدها بالقرب من السائق، وكانت الأم تظنّ أنَّها أحسنت صنعًا بركوبها في جهة الباب خوفًا من فتح ابنها المختل عقليًا الباب في أثناء الرحلة، لكن لم يكن في حسبانها أنَّ ابنها سيمسك بمقود السائق! وبلطف من الله، وحسن تصرّف من المريض بالانتفاضة نجا الجميع من حادث مُحقّق.
- تملص وتدليس في ثمن الرحلة
الزبناء عند السائق عبد الرزاق (في الخمسين من عمره) مختلفو الطباع، وإذا لم يرد أحد أن يُؤدّي له الواجب المسجل في العداد، ينصرف دون أن يضيع وقته، فهو غير مُستعدّ للشجار من أجل خمسة أو عشرة دراهم ليخسر بسببها مبلغًا كبيرًا، أو يضيع معها فرصًا أخرى للرزق.
أمَّا ما يُعكّر صفو سمير، فهو زبون يغلق باب السيارة بعنفٍ، ومنهم من تصل به الجرأة إلى أن يبصق في وجه السائق عندما ينطلق من السيّارة، ومنهم من يأتي في الصباح الباكر، ويمدّ ورقة نقدية من فئة مائتي درهم، وإذا ما دخل معه في جدال نزل دون أداء ثمن الرحلة، ويحكي الطيب بمزيج من الضحك والحسرة، كيف هرب له رجلان مفتولا العضلات في سهب القايد بسلا دون أداء الواجب.
بالنسبة لمحمد، طالب في الثلاثين من العمر، فهو لا يتّفق مع ما يتعرّض له سائقو سيّارات الأجرة الصغيرة من تملّص الزبناء، «فبعض السائقين، يقول محمد، يمارسون أسلوب التضليل ومحاولة تطويل المسافة لجمع أكبر قدر من الدراهم». ويضيف: «إذا عرف صاحب الطاكسي أنّك (ولد البلاد)، فإنّه يحذر من أن يتّبع معك أسلوب المراوغة في شوارع تجهل أسرارها، وعلى العموم، فإنَّ لكلّ ميدان انتهازييه الَّذِينَ يدنسون سمعة الشرفاء فيه».
ويردف محمد مُتحدثًا عن تجربته مع أحد السائقين، «في وقت قريب، كنت في إحدى الإدارات العمومية، وأردت أن استقل سيّارة أجرة للعودة إلى منزلي، واعتقد صاحب الطاكسي، أنَّني (براني)، وبدأ في اللف والدوران ليمرَّ من الشوارع المُمتلئة بالإشارات الضوئيّة، والمزدحمة، وعندما نبّهته امتقع وجهه، ووقع في حرجٍ شديدٍ، وأقسمت له أن يمسك المبلغ المسجل في العداد، وأقسم هو بدوره ألا يأخذ ما هو مُسجّل، في محاولة لجبر الخطأ الَّذِي وقع فيه».
- السائق و«ريسطا»
ريسطا اسم يتداوله أصحاب سيّارة الأجرة، حيث يتوجّب على العاملين أن يُوفّروا «ريسطا» لأصحاب الأجرة، وتختلف قيمتها حسب صاحب الأجرة، حيث يُؤكّد لنا سمير، أنّه في الصباح يتوجب علينا توفير لصاحب الأجرة 180 درهمًا وفي المساء 250 درهمًا، وهو أمر صعب للغاية خصوصًا في فترة «كورونا» وقت الاشتغال ضيق وصغير جدًّا.
عبد اللطيف، يُؤكّد لنا أنَّ أصحاب السيَّارات لا يُقدّرون الوضع الَّذِي نعيشه، فكيف لي وأن الَّذِي أتوقف مع الساعة الثامنة والنصف، أن أُوفّر 100 درهم مازوط، و20 درهمًا لغسل السيّارة والباركيغ و230 درهمًا رسيتا وماذا سيتبقى لي إذن؟
- أصحاب السيارات ولكريما
فتَّاح صاحب طاكسي صغير، يحكي لنا قصته مع «لكريما»، إذ يقول لكي تكتري لكريما أو تشتريها، يجب أن تكون غنيًا، فلكريما لمدة 12 سنة وصلت لـ50 مليونًا، مع أداء شهري لا يقل عن 2000 درهمٍ، وهو ما يدفع صاحب الأجرة ألَّا يتعامل مع السائقين بشكل جيّد، خصوصًا إذا ما قمت بإخراج الطاكسي بـ«الكريدي». ويضيف فتَّاح أما إذا أردت أن تشتري «لكريما لمدة 100 سنة فيتوجب أن تتوفر على 120 مليونًا».
