آخر الأخبار
دعوات الاحتجاج ضد ميناء طنجة المتوسطي.. دفاعٌ عن القضية الفلسطينية أم تحركات لخدمة أجندة أجنبية؟

حركتها شبكة “الجزيرة” القطرية قبل أن تنقل “نفي” ميرسك بعد زيارة المفتش العام للقوات المسلحة الملكية للدوحة
أعطى الحشد غير المسبوق للاحتجاج أمام ميناء طنجة المتوسط، خلال نهاية الأسبوع الماضي، الذي تقف وراءه جهات سياسيَّة معروفة بكونها على خصومة مع نظام الحكم في المغرب، دليلًا على أن المنشأة المينائيَّة الاستراتيجيَّة الأهم في المملكة وفي كامل القارة الإفريقيَّة، أصبحت مستهدفة بحرب اقتصاديَّة غير مسبوقة، ترتبط ظاهريًّا بالقضيَّة الفلسطينيَّة، لكنَّ محركها الرئيسي هو الرغبة في إنهاء السطوة المتزايد لهذه المنشأة في حوض البحر الأبيض المتوسط.
عمليَّة التوجيه غير المسبوقة نحو اقتحام الميناء، التي كانت شبكة “الجزيرة” القطريَّة رأس الحرب في دعمها إعلاميًّا، التي ينتمي أغلب المنخرطين فيها إلى جماعة “العدل والإحسان” الإسلاميَّة المحظورة، وإلى تيارات يساريَّة راديكاليَّة ربطتها بالجماعة تحالفات مرحليَّة تهدف إلى التغطيَّة على دورها المحدود في الساحة السياسيَّة والبنيَّة المجتمعيَّة المغربيَّة، أبانت عن الأمر لا يتعلّق بـ”شبهات” نقل معدات عسكريَّة أو قطع غيار طائرات حربيَّة أمريكيَّة إلى إسرائيل، بل إلى ما أبعد من ذلك.
احتجاجات عنيفة بأهداف مرتبكة
ولم يكن يوم الأحد يومًا عاديًّا في طنجة، فقط عاشت السلطات المحليَّة حالة استنفار في محيط ميناء طنجة المتوسطي، ما جعلها تنجح في إيقاف المسيرة التي كانت تهدف إلى اقتحامه، وشارك فيها المئات من المحتجين وفق أكثر التقديرات المتفائلة بنجاح الخطوة، وهو ما أكَّدته الصور الآتيَّة من عين المكان، لكن الأخطر هو ما عاشه ميناء طنجة المدينة بشكل غريب، فهو لا علاقة له بعمليات الاستيراد التصدير ولا بإعادة الشحن، كونه ميناءً ترفيهيًّا يستقبل أساسًا السياح الأجانب الآتين إلى المغرب أو المغادرين عبر خط طنجة – طريفة.
لقد كانت محاولة الاقتحام العنيفة، المسبوقة بدعوات تحريضيَّة ممنهجة، والعنف الذي رافق ذلك لدرجة إصابة بعض عناصر الأمن بنزيف خلال صدّ المتجمهرين، النقطة التي جعلت العديد من المتعاطفين مع المحتجين يعيدون التفكير في مسار العمليَّة ككل، وما زاد من غرابة الأمر هو أن السفينة المعنيَّة أساسًا توجهت إلى ميناء الدار البيضاء، واتَّضح أنها لم تكن تحمل أي معدات عسكريَّة موجهة إلى إسرائيل.
ومارست قناة “الجزيرة” القطريَّة دورًا كبيرًا في توجيه الرأي العام نحو “فرضيَّة” استخدام الموانئ المغربيَّة لتوجيه الأسلحة والمعدات العسكريَّة نحو إسرائيل، بناءً على ما وصفتها “اتِّهامات” أو “شبهات” بذلك، قبل أن تعود وتنقل نفي شركة “ميرسك” المعنيَّة بعمليَّة النقل المفترضة، أنها شحنت أي معدات عسكريَّة إلى إسرائيل عبر الموانئ المغربيَّة، لكن بعدما كان الفأس قد وقع في الرأس.
وبالعودة إلى بيان شركة “ميرسك”، الذي نشرته أيضًا العديد من وسائل الإعلام المغربيَّة والدوليَّة، نفت الشركة كل ادعاءات نقل الأسلحة أو الذخيرة إلى مناطق النزاع النشطة، بعد الاتِّهامات الأخيرة الموجهة إليها بنقل السلاح إلى إسرائيل، بما فيها قطع غيار طائرات حربيَّة، عبر بواخرها التي ترسو بموانٍ مغربيَّة، وفق ما نقلته وسائل إعلام دوليَّة، نجد أنَّها نفت جميع الادِّعاءات التي وردت في وسائل الإعلام، والمبنيَّة على افتراضات طرحتها بعض المجموعات الناشطة، واصفةً إيّاها بأنَّها “ادّعاءات غير دقيقة”.
وشددت الشركة الموجود مقرها في عاصمة الدنمارك كوبنهاغن، على أنَّها لا تنقل قطع غيار لطائرات F-35 لصالح وزارة الدفاع الإسرائيليَّة، مشددة على أنَّ الادِّعاء بأن السفينتين Maersk Detroit وNexoe Maersk تنقلان هذه القطع إلى قوات الدفاع الإسرائيليَّة لأغراض الصيانة أو الإصلاح هو ادّعاء غير صحيح، وتابعت أن شحناتها تخضع لتدقيق صارم لتحديد مدى توافقها مع القوانين والمعايير الدوليَّة، وترسم حدودًا واضحةً لما يتم قبوله أو رفضه من بضائع، دون استثناء أو تمييز، بما يضمن الشفافيَّة والمسؤوليَّة في جميع مراحل العمل.
وأوضحت الشركة، أنَّ سياستها ترتكز في أعمالها التجاريَّة على المعايير الدوليَّة للسلوك المسؤول في مجال الأعمال، بما في ذلك الميثاق العالمي للأمم المتحدة والمبادئ التوجيهيَّة لمنظمة التعاون والتنميَّة الاقتصاديَّة OECD، مع التزام راسخ بقيمها المؤسسيَّة في مختلف أنشطتها حول العالم، مبرزةً أنَّها تعتمد سياسة صارمة تقضي بعدم شحن الأسلحة أو الذخيرة إلى مناطق النزاع النشطة، حرصا منها على احترام القوانين الدوليَّة وتفادي أي مساهمة غير مباشرة في تأجيج النزاعات، مؤكدة أنها تُخضع عملياتها في المناطق الحساسة مثل الشرق الأوسط، لمراجعات دقيقة وإجراءات امتثال مشددة، يتم تحديثها باستمرار وفق تطورات الأوضاع.
وأشارت الشركة إلى أنَّها تتعرّض لـ”محاولات مغرضة” تهدف إلى “النيل من سمعتها من خلال تداول معلومات غير دقيقة أو خارج سياقها”، مشيرة إلى كونها واجهت -في الآونة الأخيرة- بعض التحركات الاحتجاجيَّة التي لم تلتزم بالقنوات المعتادة، إضافة إلى محاولات التعدي على منشآتها وموظفيها، وتابعت أنَّها على الرغم من ذلك، تؤكد تمسكها الراسخ بمبادئها وبأعلى معايير السلوك المهني والمسؤوليَّة الدوليَّة.
تشــويـــش علــــى مــــيناء يتــصدر المــشـــهد المتـــوســــطي
ولا يمكن فصل هذا “الاستهداف” المتكرر لميناء طنجة المتوسط بشائعات الارتباط بالحرب الإسرائيليَّة على غزة، حتّى مع عدم وجود أي دليل مادي على ذلك، بالمنافسة الإقليميَّة التي يعرفها قطاع الموانئ، في ظل تصدر المغرب للمشهد أمام جيرانه القريبين، مثل إسبانيا التي لم تكن تتوقع هذا التفوق المغربي أو الجزائر البعيدة تمامًا عن المنافسة، ولكن أيضًا أمام جيرانه البعيدين، وفي مقدمتهم قطر الباحثة عن موطئ قدم يطل على حوض البحر الأبيض المتوسط.
والطموح المغربي في التحوّل إلى أهم منصة لوجيستيَّة إفريقيًّا وعربيًّا ومتوسطيًّا، ليست خافيَّة، فالرباط لم تكتفِ فقط بميناء طنجة المتوسط، بل استثمرت أيضا في ميناء الناظور – غرب المتوسط، وتحجيم هذه السطوة المغربيَّة قد تفسر لماذا تسعى قطر والجزائر إلى إنشاء خط بحري “عربي” ينطلق من الجزائر مرورًا بتونس وليبيا ومصر، ثم السعوديَّة وعمان وقطر، دون أن يضع في حسبانه ميناء طنجة المتوسط، رغم كونه الأهم على الإطلاق في المنطقة المتوسطيَّة، وقد أعلن وزير النقل الجزائري، السعيد سعيود، مؤخرا، أنَّ هذا المشروع قيد الدراسة.
وفي منتصف سنة 2024، تم الإعلان عن احتلال ميناء طنجة المتوسط المركز الرابع، وَفْقًا للمؤشر العالمي لأداء موانئ الحاويات لسنة 2023، بعدما كان يحتل الرتبة السادس عالميًّا في السابق، وهو ما جعله أفضل ميناء على هذا المستوى في كامل إفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط، وبذلك لم يتفوّق فقط على منافسيه المباشرين في إسبانيا، خصوصًا ميناء الجزيرة الخضراء، بل على جميع موانئ أوروبا دون استثناء.
وحسب هذا المؤشر، الذي أعده “البنك الدولي” ووحدة معلومات الأسواق التابعة لمؤسسة “ستاندرد أند بورز غلوبال ماركت إنتيليجنس”، فإن البنيَّة التحتيَّة المينائيَّة لمدينة طنجة تتفوق، للسنة الثانيَّة، على جميع الموانئ في إفريقيا وأوروبا، وقال بيان البنك الدولي، إنَّ ميناء يانغشان في الصين تصدر هذا التصنيف، يليه ميناء صلالة في سلطنة عمان وقرطاجنة في كولومبيا، فيما حل ميناء تانجونغ بيليباس ماليزيا في المركز الخامس ضمن الموانئ الأفضل أداء.
ويُعدُّ مؤشر أداء موانئ الحاويات أداة للقياس والمقارنة بمنزلة نقطة مرجعيَّة للفاعلين الأساسيين في الاقتصاد العالمي، بما في ذلك الحكومات الوطنيَّة وسلطات الموانئ ووكالات التنميَّة ومؤسسات القطاع الخاص العاملة في مجال التجارة والخِدْمات اللوجستيَّة وسلاسل الإمداد، وَفْق ما أفادت به وكالة المغربي العربي للأنباء قبل أشهر.
ويضع المؤشر العالمي لأداء موانئ الحاويات تصنيفات لما يبلغ 405 موانٍ عالميَّة حسب الكفاءة، مع التركيز على مدة بقاء سفن الحاويات في الميناء. ويتمثل الهدف الرئيسي لهذا المؤشر في تحديد مجالات التحسن والتطوير لتحقيق المنافع المرجوّة للعديد من الفاعلين في النظام التجاري العالمي وسلاسل الإمداد، من الموانئ إلى خطوط الشحن والحكومات الوطنيَّة والمستهلكين.
وتستأثر موانئ شرق وجنوب شرق آسيا بحيز مهمّ ضمن هذا التصنيف، إذ تحتل 13 من بين المراكز الـ20 الأولى على الصعيد العالمي، وهو أمر يكشف مدى استثنائيَّة الإنجاز الذي حقّقه الميناء، وقد استند الإصدار الرابع من المؤشر العالمي لأداء موانئ الحاويات إلى أكبر مجموعة بيانات على الإطلاق، إذ تشمل أكثر من 182 ألف عمليَّة وصول وتحميل وتفريغ للسفن في الموانئ، و238 مليونًا و200 ألف عمليَّة نقل، وحوالي 381 مليون وحدة شحن تعادل عشرين قدمًا على مدار عام 2023.
وأبرز البنك الدولي أنَّه يتم نقل أكثر من 80% من تجارة البضائع عن طريق البحر، وبالتالي فإن مرونة الموانئ وقدرتها على الصمود في مواجهة الصدمات وكفاءتها وأداءها العام يكتسي أهميَّة كبرى بالنسبة للأسواق العالميَّة والتنميَّة الاقتصاديَّة، وقد أظهر التقرير الجديد أن الاضطرابات الإقليميَّة أثرت على أداء الموانئ في كل مكان في العالم.
النمو المطرد الذي يُحقّقه ميناء طنجة المتوسط، يمكن ملاحظته أيضًا بالرجوع إلى رقم معاملاته، ففي نونبر 2024 أعلنت السلطة المينائيَّة بهذا المركب، أنَّها حققت رقم معاملات بلغ أزيد من 3 مليارات درهم عند متم شتنبر 2024، أي خلال الفصول الثلاثة الأولى من العام، بارتفاع نسبته 11%، مُقارنة بالفترة ذاتها من السنة الماضيَّة، وكان هذا الرقم في حدود 2,71 مليار درهم خلال الفترة ذاتها من سنة 2023.
وذكر بلاغ السلطة المينائيَّة لطنجة المتوسط، بأنَّ رقم المعاملات بلغ، خلال الفصل الواحد من السنة الماضيَّة، 968 مليون درهم، مسجلًا ارتفاعًا بنسبة 6%، مُقارنةً بنهاية شتنبر 2024. ومن جهة أخرى، أورد نفس البلاغ أنَّه تمت معالـــجة 103 ملــــــيون طنّ مـــــن البضـــــائع حـــتى نهــــاية شتنبر 2024 بارتفـــاع بلغ 12,5%، منها 35 مليــون طنّـ خـــــلال الفصل الثالث من سنة 2024.
وبخـــــصــــــــوص الاستثــمارات المنجزة، فقــــد بلغـــــت 5,5 مليـــار درهم وتشمل البنى التحتيَّة والقنوات والشبكات المختلفة والبنى التحتيَّة لتكنولوجيا المعلومات، أما فيما يتعلق بالديون التمويليَّة في 2024، فقد وصلت إلى 9,5 مليار درهم، منها 4,6 مليار درهم على شكل سندات اقتراض، مسجلة انخفاضًا بنسبة 0,4%، مُقارنةً بنهاية سنة 2023.
أي دور للجزيرة والدوحة؟
وما يثير الشكوك بشأن النيّات الحقيقيَّة لترويج قضيَّة الأسلحة الإسرائيليَّة التي يُزعم وصلت إلى ميناء طنجة المتوسطي، هو أنَّ نبرة شبكة “الجزيرة” تغيّرت بعد الكشف عن قيام الفريق أول محمد بريظ، المفتش العام للقوات المسلحة الملكيَّة، قائد المنطقة الجنوبيَّة، بزيارة عمل إلى دولة قطر الشقيقة في الفترة الممتدة ما بين 19 و22 أبريل 2025، وذلك بتعليمات الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكيَّة.
وحسب ما أعلنته القوات المسلحة الملكيَّة، فإنَّه بهذه المناسبة، عقد الفريق أول محمد بريظ، المفتش العام للقوات المسلحة الملكيَّة المغربيَّة، يوم الأحد 20 أبريل 2025، اجتماعا مع نظيره الفريق الركن طيار جاسم بن محمد بن أحمد بن محمد المناعي رئيس أركان القوات المسلحة القطريَّة، تلته مقابلة مع الشيخ سعود بن عبد الرحمن بن حسن بن علي آل ثاني، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدولة لشؤون الدفاع، حيث تم التباحث بشأن سبل تعزيز أوجه التعاون العسكري الثنائي في إطار توجيهات لقائدي البلدين.
وخلال هذه المباحثات، أعرب المسؤولان، وفق البلاغ المغربي، عن ارتياحهما لما تتمتع به العلاقات العسكريَّة بين المملكة المغربيَّة ودولة قطر الشقيقة من متانة وتفاهم، معربين عن تقديرهما للنتائج الملموسة التي يحققها هذا التعاون المثمر، الذي يُعدُّ نموذجًا للشراكة الاستراتيجيَّة بين البلدين.
كما أجرى الفريق أول محمد بريظ، المفتش العام للقوات المسلحة الملكيَّة، قائد المنطقة الجنوبيَّة، حسب نفس البلاغ، زيارة لعدد من القيادات والوحدات العسكريَّة التابعة للقوات المسلحة القطريَّة من بينها قيادة العمليات المشتركة وقيادتا سلاح الإشارة الأميري وقوات الدفاع الجوي، وأوضح البلاغ أن زيارة المفتش العام للقوات المسلحة الملكيَّة، إلى دولة قطر الشقيقة تُعدُّ “امتدادًا للجهود الراميَّة إلى تعزيز أواصر التعاون العسكري الثنائي وبحث سبل تطوير آفاق هذه الشراكة، وتوسيع نطاقها ليشمل مجالات متعددة تخدم المصالح المشتركة للقوات المسلحة للبلدين كليهما”.
بعدها نجد أنَّ “الجزيرة” القطريَّة لم تعد تتحدث عن موانئ طنجة أو المغرب عموما، حيث نشرت مقالا بعنوان “ميرسك تعترف بنقل قطع “إف 35” إلى إسرائيل عبر سفنها”، بتاريخ 22 أبريل 2025، موردة أن “شركة ميرسك العالميَّة المتخصصة في الشحن البحــــــري للجزيـــــرة أكدت أنها تشحن في حاويات عبر سفنها قطع مقاتلات “إف 35” إلى إسرائيل، وأضافت “أوضحت الشــــركة أن قطــــع “إف 35” المنقــــــولـــة عــــبر ســفنها تتــوجه إلى أطــــراف أخــــرى في إســـرائيل وليــس إلى وزارة الدفاع الإسرائيليَّة”.
ولم يذكر المقال أن الأمر يتعلق بنقل تلك القطع عبر الموانئ المغربيَّة، لكنه أبرز أن الشركة كانت قد أوضحت سابقًا للجزيرة أن “الاستنتاج بأن ميرسك تنقل تلك القطع والمكونات إلى وزارة الدفاع الإسرائيليَّة هو استنتاج “مضلل”، قبل أن تُوضّح أن تلك القطع تستقبلها أطراف أخرى في إسرائيل”، وأضافت الشركة للجزيرة أن برنامج صناعة طائرات “إف 35” باعتباره سلسلة إنتاج معقدة تنخرط فيه مجموعة من الدول، بما في ذلك إسرائيل التي تصنع أجنحة هذه الطائرات.
