مجتمع
دراجـات التوصـيل فـي طنــجة.. عـندما تتــحـول الشـوارع إلى حلبـات سبـاق!

لم تعد شوارع طنجة كما كانت، فالمدينة التي اشتُهرت بهدوئها وجمال أحيائها العتيقة، أصبحت مسرحًا لفوضى دراجات التوصيل السريع، التي يقودها شباب متهور، وكأنَّهم في سباق مفتوح لا تعترف فيه إشارات المرور ولا قوانين السير، فبمجرد أن تضع قدمك على الرصيف، عليك أن تكون مستعدًا لمراوغة دراجة ناريَّة قد تقتحم طريقك بسرعة جنونيَّة، دون سابق إنذار، ودون أن يكلف سائقها نفسه عناء الضغط على الفرامل.
من شارع الجيش الملكي إلى طريق تطوان، ومن كاساباراطا إلى بني مكادة، المشهد نفسه يتكرّر كل يوم: دراجات تندفع كالصواريخ، سائقوها يمارسون “التفحيط” والاستعراض وسط الشوارع، فيما تتعالى أصوات محركاتهم التي تكاد تُفزع حتى القطط المشرّدة.
كل هذا يحدث تحت أنظار السلطات، التي يبدو أنَّها لم تستوعب بعد خطورة الوضع، رغم تزايد الحوادث التي يذهب ضحيتها المارة وسائقو السيارات على حدّ سواء.
يعمل أغلب سائقي هذه الدراجات لصالح شركات التوصيل، التي أصبحت تنافس حتّى سيارات الأجرة في احتلال الطرقات، المفارقة العجيبة أن هؤلاء السائقين لا يخضعون لأي تكوين، ولا يملكون غالبًا رخص سياقة، بل إنَّ بعضهم بالكاد يعرف الفرق بين دواسة البنزين والمكابح، المهم بالنسبة لهم هو الوصول إلى الزبون في أقصر وقت ممكن، ولو كان الثمن دهس أحد المارة، أو الاصطدام بسيارة لم يحالفها الحظّ في تجنبهم.
وفي حديث مع أحد المواطنين المتضررين، يقول محمد، وهو سائق سيارة أجرة: “لا يمر يومٌ دون أن أتصادف مع دراجة كادت تدهسني أو تحطّم سيارتي. هؤلاء الشباب يظّنون أنفسهم فوق القانون، لا يحترمون شيئًا، لا إشارات المرور، ولا الأسبقيَّة، ولا حتَّى الأرصفة التي أصبحت ممرًا رسميًّا لهم.”
أمَّا أمينة، وهي موظفة بإحدى الشركات القريبة من وسط المدينة، فتقول: ”أصبحت أخاف من المشي في الشارع، قبل أيام كنت أعبر الطريق عند الإشارة الخضراء، وفجأة مرت دراجة مسرعة أمامي، لو لم أنتبه في آخر لحظة لكنت الآن في المستشفى أو ربما في القبر.”
رغم الشكايات المتزايدة من السكان، وتسجيل العشرات من الحوادث أسبوعيا، فإنَّ السلطات الأمنيَّة تبدو عاجزة أو غير مكترثة بوضع حدّ لهذا التسيّب، صحيح أن بعض الحملات الأمنيَّة تُنظم بين الحين والآخر، لكن تأثيرها لا يدوم أكثر من بضع ساعات، قبل أن تعود الفوضى إلى سابق عهدها.
ويطرح هذا الوضع أكثر من سؤال بشأن دور الجهات المختصة في مراقبة نشاط شركات التوصيل، ومدى التزامها بتكوين سائقيها وتوعيتهم بقواعد السير، فإذا كان القانون يمنع أي شخص من قيادة دراجة ناريَّة دون رخصة، فلماذا نجد العشرات منهم يجوبون الشوارع يوميًّا دون حسيب أو رقيب؟ ولماذا لا يتمُّ إلزام الشركات المشغّلة لهؤلاء بتقديم دورات تدريبيَّة لهم قبل منحهم دراجة يتعاملون معها كأنها لعبة “بلاي ستيشن”؟
الوضع في طنجة لم يعد يحتمل فقد تحوَّلت المدينة إلى ساحة حرب، لكن بدل الأسلحة، هناك دراجات ناريَّة يقودها متهوّرون، لا يعترفون بالقانون، ولا يعيرون أي اهتمام لأرواح الناس.
أمام هذا المشهد، يبقى السؤال المطروح: هل ستتحرّك السلطات قبل وقوع كارثة حقيقيَّة، أم أنَّها ستظل تتفرج حتّى يصبح المشي في شوارع طنجة مغامرةً محفوفةً بالمخاطر؟
