تواصل معنا

مقالات الرأي

جيل الهواتف الغبية

من يخبر هَذَا الجيل أن أقسى ما يمكن التفريط فيه، هو مسألة الوقت، وأنَّ المصلح الكبير مالك بن نبي، جعل من بين المقوّمات الكبرى للنهضة وشروط بناء الحضارة الوقت والزمان بمفهومه العادي، الَّذِي يعنى به الساعة والدقيقة واليوم والأسبوع والشهر والسنة وسائر الأيّام، وهي أمورٌ لا ينتبه الإنسان إلى هدرها عبثًا فيما ينفع ولا ينفع، ولعلّ الأخير هو من حاز بالنصيب في حياة الجيل الحالي، الَّذِي يرى أنَّ الوقت مسألة ثانوية لا يعبأ بها ما دامت هناك ملاهٍ في الحياة لا تنقضي.

جيل اليوم لا يهمّه المكوث الطويل أمام شاشات الحاسوب والهواتف الذكيّة وشاشات التلفاز وباقي الوسائل الرقمية الأخرى المستهلكة للطاقة والوقت، الهادمة لسنين طوال من عمر الإنسان.

انغماس هَذَا الجيل في مستنقعات عالم التكنولوجيا وتركيزه على الغثّ منها، لم يترك له مجالًا للانشغال بمجالات الحياة فكرًا وسلوكًا وأدبًا، بل لم يترك له مجالًا للحرّيَّة، وأصبح التقيّد بالأجهزة ليلًا ونهارًا مع توفير صبيب محترم من شبكة الإنترنت، أقصى غاية يتمناها جيلٌ تربّى على الاستعانة بكل ما هو رقمي، أو ينتمي إلى العالم الافتراضي، وهي آفة بدأ يتذمر منها أربابُ الأسر وأطر المؤسّسات التعليميَّة وبعض الهيئات، الَّتِي استشعرت خطر التقيد بهَذِهِ الأجهزة، الَّتِي تحلّ أحيانًا محل موادّ التخدير أو ما شابهها من مُذهبات العقل.

وقد اتّجهت بعضُ الدراسات مُؤخّرًا إلى البحث في مدى التأثير الكبير لهَذِهِ التقنيات على حياة الإنسان، وخلص بعضها إلى نتائج مُقلقةٍ تستوجب المبادرة العاجلة في تقنين استعمال هَذِهِ الموادّ مع احترام الفئات العمريّة لكلّ مجال، خاصّةً بعد أن تسبّبت بعض البرامج الرقمية في حوادث بلغت حدّ الموت والانتحار.

مخاطر جمّة أصبحت تتربص بهَذَا الجيل، الَّذِي يقدم هَذِهِ الأجهزة على كلّ نفيس، بل إنَّ بعضًا من هَذِهِ التقنيات حلّ محلّ الأسرة والمؤسّسة، وأصبح الزمن الَّذِي يقضيه مُدمنو هَذِهِ الآلات أكبر من الزمان المعيش في الواقع، وهَذَا سيُورّث ولا شكّ بلادةً عقليةً لجيل وقع ضحية شركات وهمية، جعلت رأسمالها أغلى ما يملكه الإنسان العقل والوقت.

في عصر هَذَا الجيل، قلّ الإبداعُ، وانخفض معدل الدفءِ الأسري، وأصبحت القيم والأخلاق، الواجب التقيد بها منذ الصغر، مجرد شعارات يتغنى بها جيل انقضى عند ظهور أول جهاز رقمي يفصل بين زمنين، زمن الجيل، الَّذِي كافح من أجل الحفاظ على الوقت وإعمار الأرض ولو بمساهمات بسيطة، وزمن أضحت فيه القدوة للَّذِي يجلس مطولًا دافنًا رأسه في عالم افتراضي قد ينتقل فيه إلى عالم الواقع وقد لا ينتقل.

ما نزرعه اليوم سنحصده غدًا، حين مواجهة جيل عدّته في الحياة ألعابٌ افتراضيّةٌ هدامةٌ، وقنوات تواصل هاشةٌ وعقول فارغةٌ من البناء والتعمير وتشييد حضارة ولو من باب الافتراضي. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

تابعنا على الفيسبوك