تواصل معنا

مقالات الرأي

جواز التلقيح.. متى تشن سلطات طنجة حملة على محتلي الملك العمومي والمضاربين في أسعار السلع والمنتجات؟

مباشرة بعد دخول قرار إلزامية جواز التلقيح حيّز التنفيذ، شمَّرت السلّطاتُ المحليَّةُ بمدينة طنجة عن ساعديها، وبدأت في جولاتها للتأكّد من توفّر المواطنين عل هَذِهِ الوثيقة، الَّتِي خلَّفت جدلًا واسعًا في المغرب حول مشروعيتها من عدمها.

في البداية وتصحيحًا لأيّ مغالطات تروج من طرف من لا يَفقهون شيئًا في معنى الحُرّيَّة، فإنَّ المواطن ليس ضدّ حملة التلقيح الرامية إلى كبح انتشار الفيروس اللعين، بدليل الأرقام المُسجّلة لنسبة الملقّحين، إضافة إلى استمرار الإقبال على مراكز التلقيح، قبل القرار الحكومي الأخير وبعده، لكنَّ المواطن ضد الطريقة الَّتِي استُبيحت بها حرّيته الفرديَّة ومعطياته الشخصية، فضلًا عن التعامل معه بمنطق محاكم التفتيش، فأصبح الكلُّ يفتش الكلّ، حتّى من لا صفة قانونيَّة له، أصبح يُطالب المواطنين باستظهار جواز التلقيح، الَّذِي يحتوي على معطيات شخصية.

مشاهد تجوّل السلطات بشوارع طنجة وأزقتها -خلال الأسبوع المنصرم- تدعو إلى السخريَّة والحزن في نفس الوقت، فالسلطات المختصّة تجوب الشوارع ليس من أجل تحرير الملكِ العموميِّ من سيطرة أرباب المطاعم والمقاهي، وليس من أجل معاقبة المضاربين في أثمنة المنتجات والسلع، كما أنَّ الترسانةَ المكوّنةَ من أكثر من عشرة أفراد في كلّ موكب لا تراقب جودة المنتجات المعروضة للبيع ومدى التزامها بالمعايير الصحيّة، بل الجلبة كلّها بسبب وثيقة لا أساس دستوري لها، والغريب أنَّ الإداراتِ العموميَّةَ بمدينة طنجة، الَّتِي تفرض بدورها ضرورةَ الإدلاء بهَذِهِ الوثيقة، لم تحظى بنصيب من المراقبة، فالغياب غير المبرر للموظّفين، أو تعنت بعضهم عن خدمة المواطنين، لا يدخل ضمن برنامج هَذِهِ الحملات، فهل يستقيم أن نطالب مواطن بالإدلاء بجواز التلقيح، من أجل أن يستلم شهادة السكنى أو شهادة الحياة من إدارة يضطر للانتظار أزيد من ساعات لاستخراج ورقةٍ تستغرق خمس دقائق كأقصى تقدير لاستصدارها؟ غرابة الصدف أنَّ السلطات -الَّتِي تطالب المواطنين بجواز التلقيح- لم تُكلّف نفسها عناء تحذير أرباب المحلات والمقاهي والمطاعم بضرورة الالتزام بالقانون، وعدم احتلال الملك العموميّ، كما أنَّ هَذِهِ السلطات لا تؤدي أدوارَها كاملة، في مكافحة انتشار تجّار المخدرات في الأحياء والأزقة، كما أنَّ هَذِهِ الجهات -لو كانت تُنفّذ حملات تفتيش بالقرب من المستشفيات للوقوف على الخروقات القانونيّة، الَّتِي تقع فيها- لكانت الصحّة بخير في عاصمة البوغاز، لكن يبدو أنَّ جواز التلقيح أهم بكثير من كل هَذَا وذاك، إنَّ المواطنين -ممَّن هم في وضعية هشّة- يجب أن يفرض عليهم جواز الصحة وجواز التعليم وجواز السكن، وأخيرًا جواز الثقة في السياسيّين الَّذِينَ -للأمس القريب- أكَّدوا أنَّ التلقيح ليس إجباريًا، لأنَّ المغرب ليس دولةً دكتاتوريّةً، اليوم وبعدما تسلّموا زمام السلطة كشَّروا على أنيابهم ووضعوا المواطن بين المطرقة والسندان، «بغيتي تستافد من المرفق العمومي سير دير اللقاح»، دون سياسة تواصلية ودون انسيابية في فرض القرار، الَّذِي دخل حيّز التنفيذ في أقل من 48 ساعة، وعندما يتعلّق الأمر بحقوق المواطنين تجد نفس المسؤولين يُصرّحون «أنّهم لا يملكون عصا سحرية ويُؤكّدون أنّه حتى في الديمقراطيات العريقة الإصلاحات تحتاج إلى مهلة للدراسة والإحاطة بكلّ الجوانب، من أجل تنزيلها وإقرارها، ومن أجل التذكير، فالذكرى تنفع المؤمنين وغيرهم، نحن لسنا ضد التلقيح لحماية العباد والأفراد، بل نحن ضد التعامل معنا وكأنَّنا بقرٌ، يُساق حيث يريد المسؤول وحسب مزاجه.

اليوم لم يعد هناك حدّ فاصل بين الارتجالية في تنزيل القرارات وبين الإجبار، وإن كان الدستورُ المغربيُّ -أسمى قانون في البلاد- يضمن حرية التنقّل عبر التراب الوطنيّ والاستقرار فيه، والخروج منه، والعودة إليه كما يضمن التساوي في الاستفادة من المرفق العموميّ، فإنّ المسؤولين خرقوا هَذَا الفصل، كما أنَّ النخب الَّتِي ارتكن إلى الصمت بذريعة عدم رغبتها في الانخراط في النقاش الشعبوي -حسب زعمها- لا تعرف أبعادَ هَذَا القرار، إذا الحقيقة الَّتِي يمكن استنتاجُها، هي أنَّ الولاءات حلّت محل كلمة الحقّ.

أنوار المجاهد                  

تابعنا على الفيسبوك