إقتصاد
جهة طنجة – تطوان الحسيمة بين الأرقام الرسمية والواقع التفاوت المجالي واضح بين الأقاليم والبطالة و«الحريك» ظواهر مستمرة منذ عقود.. هل حقًا سكان الشمال «محظوظون»؟
يُعَدُّ الكثير من المغاربة، أن الأقاليم الشمالية للمملكة تعيش وضعًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا متقدّمًا عن جُلّ المناطق المغربيَّة الأخرى، ويرون أنَّ سكان جهة طنجة – تطوان – الحسيمة «محظوظون» لأنهم يتوفرون على عدد من المشروعات الضخمة ومن البنيات التحتيَّة الجيّدة، مُقارنةً مع ما هو موجود في جهات أخرى، بالإضافة إلى مظاهر «الرفاهيَّة» المرتبطة بالنَّشاط السياحي والتجاري والخدماتي.
لكن ما حدث في مدينة الفندق مؤخرًا جعل العديد من الأشخاص يراجعون حساباتهم، فالمُؤكّد أنَّ العديد من مدن الجهة الشمالية وأقاليمها، تُعاني مشكلات اجتماعيَّة وصعوبات اقتصاديَّة لا تخطؤها العين، وإلا لما حاول الآلاف من الشباب والمراهقين المغامرة بحياتهم ومواجهة عناصر الأمن من أجل الوصول إلى مدينة سبتة على أمل الحصول على حياة أفضل.
وفي هَذَا الملف سنُحاول الوقوف على حقيقة وضع التنميَّة في الأقاليم الشمالية للمملكة، استنادًا إلى آخر الأرقام والإحصائيات والتقارير الرسميَّة، في مسعى للوصول إلى الصورة الموضوعيَّة لمدى تطور الوضع الاقتصاديّ الاجتماعيّ في منطقة تمثل واجهة المغرب على العالم.
- بين المُعلن وغير المُعلن
وبالعودة إلى الأرقام والمعطيات الرسميَّة، نجد أن جهة طنجة – تطوان – الحسيمة حافظت على مكانتها كواحدة من أهم الجهات الاقتصاديَّة في المغرب لعام 2022، حيث بلغ الناتج الداخلي الخام للجهة 139 مليار درهم، ما جعلها تحتلّ المرتبة الثالثة وطنيًّا، مساهِمةً بـ10،4% من الثروة الوطنيَّة، وذلك حسب ما ورد في تقرير المندوبيَّة الساميَّة للتخطيط بشأن الحسابات الجهويَّة لسنة 2022، والصادرة في 3 شتنبر 2024
وجاء في التقرير، وَفْق الخلاصات الَّتِي نشرتها وكالة المغرب العربي للأنباء، أنَّ جهات الدار البيضاء – سطات، والرباط – سلا – القنيطرة، وطنجة – تطوان – الحسيمة ساهمت مجتمعة في إحداث 57،9% من الثروة الوطنيَّة، حيث بلغت نسبة مساهمة جهة الدار البيضاء – سطات 31،4% محتلة الصف الأول وطنيا، تليه جهة الرباط – سلا – القنيطرة ثانية بنسبة 16،1%، فيما سجلت جهة طنجة – تطوان – الحسيمة نسبة 10،4%، محتلّة الرتبة الثالثة أما بخصوص الناتج الداخلي الخام للجهة فقد أظهر نموًا بنسبة 0،8% مُقارنةً بسنة 2023.
وعلى مستوى القطاعات الاقتصاديَّة، رصد التقرير سيطرة هيمن القطاع الثالثي أي الخدمات التجاريَّة وغير التجاريَّة، على إحداث الثروة في الجهة الشمالية بـ65،84 مليار درهم، يليه القطاع الثانوي أي الصناعة، والمعادن، والكهرباء، والبناء، بـ 46،61 مليار درهم، والقطاع الأولي أي الفلاحة والصيد، بـ 12،57 مليار درهم، وبالنسبة المئويَّة شكل القطاع الأولي 9% من الناتج الداخلي الخام، فيما شكل القطاع الثانوي 33،5%، والقطاع الثالثي 74.4%.
وذكر التقرير، أنَّ أنشطة القطاع الأوّلي تتركز في عددٍ محدود من الجهات، حيث ساهمت سبع جهات بنحو 82.4% من القيمة المضافة للقطاع على المستوى الوطني، أمّا القطاع الثانوي، فتتركز أنشطته في جهتي الدار البيضاء – سطات وطنجة – تطوان – الحسيمة، اللتين ساهمتا لوحدهما بنسبة 58،6% من القيمة المضافة للقطاع في المغرب، وبالنسبة للقطاع الثالثي، استحوذت الجهات الثلاث نفسها على 55،8% من الثروة الناتجة عن هَذَا القطاع.
أما على مستوى الناتج الداخلي للفرد، بلغ المعدل في جهة طنجة – تطوان – الحسيمة 35،641 درهمًا للفرد، وهو أقل من المتوسط الوطني البالغ 36،284 درهمًا، وخمس جهات أخرى تجاوزت هَذَا المعدل، من بينها جهة الداخلة – وادي الذهب الَّتِي سجلت أعلى ناتج داخلي للفرد بلغ 80،996 درهم.
أما نفقات الاستهلاك النهائي للأسر على الصعيد الوطني فقد بلغت 816 مليار درهم في عام 2022، حيث استحوذت جهات الدار البيضاء -سطات، والرباط – سلا – القنيطرة، وطنجة – تطوان – الحسيمة، وفاس – مكناس على نحو ثلثي هَذِهِ النفقات بنسبة 62،9%.
لكن إذا عدنا مباشرة إلى ما ورد في التقرير، الَّذِي نتوفر على النسخة الكاملة منه، سنجد أن الحسابات الجهويَّة لسنة 2022 سجلت تباينًا في معدلات نمو الناتج الداخلي الإجمالي بالحجم بين الجهات، إذ تمكنت أربع جهات من تسجيل معدلات نمو أكبر من المتوسط الوطني وهو 1،5%، ويتعلّق الأمر بكلّ من جهة سوس – ماسة، بنسبة 7،5% وجهة الرباط – سلا – القنيطرة، بنسبة 5،2%، وجهة مراكش – آسفي بنسبة 4،6% وجهة العيون – الساقيَّة الحمراء بنسبة 2،9%.
هَذَا يعني أن الجهة خارج هَذِهِ المعادلة، على الرغم من أنَّها تبرز في صدارة الجهات الَّتِي ستقبل الاستثمارات الَّتِي تحتضن الأوراش الكبرى والمشروعات الاستراتيجيَّة، فهي مع ذلك واحدة من بين 6 جهات سجلت أقل من المعدل الوطني للنمو، إذ لم تتجاوز نسبة 0،3%، وهو رقم أفضل من 3 جهات فقط، هي جهة الدار البيضاء – سطات، الَّتِي سجلت نسبة 0،2%، ثم جهة فاس – مكناس الَّتِي سجلت نسبة نمو سلبيَّة بلغت ناقص 1،9%، وأخيرا جهة بني ملال – خنيفرة الَّتِي سجلت ناقص 4،7% لتكون الأخيرة على الصعيد الوطني.
- البطالة.. آفة تعاني منها الجهة
والحديث عن خلق الثروة بشمال المملكة، يرتبط أساسًا بفرص الشغل المتاحة للقوة العاملة في هَذِهِ المنطقة، ولذلك نعود إلى وثيقة رسميَّة أخرى ويتعلق الأمر بمذكرة إخباريَّة للمندوبيَّة الساميَّة للتخطيط بشأن وضعيَّة سوق الشغل خلال الفصل الثاني من سنة 2024، أي أشهر أبريل وماي ويونيو من سنة 2024، وفيها نقل على مفارقة كبيرة، تمثل في أن جهة طنجة – تطوان – الحسيمة هي من بين الجهات الأولى من حيث عدد السكان النشيطين، لكنَّها أيضًا واحدة من بين 5 جهات يتمركز فيها ما يقارب من 70% من إجمال عدد العاطلين على الصعيد الوطني.
وأورد التقرير أنَّ خمس جهات تضمّ 72،3% من مجموع السكان النشيطين البالغين من العمر 15 سنة فما فوق، حيث تأتي جهة الدار البيضاء – سطات في المركز الأول بنسبة 22،6% من مجموع الساكنة النشيطة، متبوعة بجهة الرباط – سلا – القنيطرة بنسبة 13،5%، ثم جهة مراكش – آسفي بنسبة 12،8%، وفي المرتبة الرابعة نجد جهة طنجة – تطوان – الحسيمة بنسبة 12%، متبوعة بجهة فاس – مكناس بنسبة 11،4%.
وحسب المندوبيَّة الساميَّة للتخطيط، تُسجّل ثلاث جهات معدّلات نشاط تفوق المعدل الوطني المتمثل في 44،2%، ويتعلق الأمر بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة الَّتِي حلّت في الصدارة بنسبة 50،1%، وجهة الدار البيضاء – سطات بنسبة 47،1%، ثم جهات الجنوب بما نسبته 44،8%، وبالمقابل، سُجلت أدنى المعدّلات بجهة بني ملال – خنيفرة بنسبة 40% والجهة الشرقيَّة بنسبة 40،4%، وجهة سوس – ماسة بنسبة 41،4%.
نفس التقرير يكشف عن أنَّ جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، هي ثاني أقل جهة معاناة مع البطالة من حيث النسبة المئوية من تعداد الساكنة، بـ8،9%، بعد جهة مراكش – آسفي بـ8،1%، وهو رقم أقل من المعدل الوطني وهو 13،1%، لكن مع ذلك يبدو أثر البطالة واضحًا في الجهة على اعتبار أن الأمر يتعلق بتعداد سكانيٍ كبيرٍ وبظاهرة وطنيَّة، وإذا ما أردنا تبسيط الأرقام فإنَّ ما تقوله المذكرة الرسميَّة هو أنه من بين كل 100 شخص على مستوى الجهة نجد تقريبًا 9 أشخاص دون عمل.
وقالت المذكرة الرسميَّة، إنّه فيما يتعلق بالبطالة، فإنّ 69،5% من العاطلين يتمركزون بخمس جهات، وتأتي في المُقدّمة جهة الدار البيضاء – سطات بـ25،8% من مجموع العاطلين، متبوعة بجهة الرباط – سلا – القنيطرة بنسبة 13،3%، تليها جهة فاس – مكناس بسبة تصل إلى 11،9%، والجهة الشرقيَّة بنسبة 10،4%، ثم جهة طنجة – تطوان – الحسيمة % 8،2، وللإشارة هَذَا معدل البطالة من مجموع كان المغرب، وليس من إجمالي سكان كلّ جهة.
وحسب التقرير سُجلت أعلى مستويات البطالة بجهات الجنوب بنسبة وصل إلى 22،9%، ثم في الجهة الشرقيَّة بنسبة 21،1%، وبحدة أقل، تفوق ثلاث جهات المعدل الوطني وهو 13،1%، ويتعلق الأمر بجهات الدار البيضاء – سطات بنسبة 14،9% وجهة بني ملال – خنيفرة بنسبة 14،7%، وجهة فاس – مكناس بنسب 13،6%، وبالمقابل، سُجلت أدنى مستويات البطالة بجهات مراكش – أسفي وطنجة – تطوان – الحسيمة ودرعة – تافيلالت، بنسبة بلغت، على التوالي، 8،1% و8،9% و9،6%.
- أقاليم تعاني اجتماعيًا واقتصاديًا
وإذا ما أردنا فهم الواقع الاجتماعي والاقتصادي للجهة بشكل، لا بُدَّ أن نُميّز بين وجهين، الأول هو مدينة طنجة المدينة الصناعيَّة والسياحيَّة والتجاريَّة، الَّتِي ترتبط بالقطار فائق السرعة وبالميناء المتوسطي وميناء طنجة – المدينة وبمطار طنجة – ابن بطوطة، الَّتِي تحتضن، بسبب بنيتها التحتيَّة المتقدمة بمقارنة مع جُلّ المملكة، العديد من الاستثمارات الكبرى، وبالتالي تستقطب اليد العاملة باعتبارها تُوفر سنويًا الكثير من فرص الشغل، ما يُسهم في دوران العجلة الاقتصاديَّة وخلق النمو.
أما الوجه الثاني فهو وجه باقي مدن وأقاليم الجهة، بما في ذلك المحيط القريب من طنجة، مثل مدينة أصيلة وإقليم الفحص – أنجرة، وحتَّى مدينة تطوان، وقس على ذلك عمالة المضيق – الفنيدق، وهي كلها مناطق تعيش على السياحة الموسميَّة وعلى المقاولات الذاتيَّة الصغيرة ذات الطابع التُّجاري أساسًا، مع شبه انعدام للاستثمار في المجال الصناعي، أضف إلى ذلك عدم إحداث بدائل كافيَّة لقرار السلطات إنهاء التهريب المعيشي الَّذِي كان يحمل عبء توفير لقمة العيش بالنسبة للآلاف من الأسر في المضيق والفنيدق ومارتيل وتطوان غيرها.
منصف الطوب، وهو نائب برلماني عن دائرة المضيق – الفنيدق، يحمل ألوان حزب الاستقلال المشارك في الأغلبيَّة الحكوميَّة، يُلخص الكثير من هَذِهِ المعطيات في سؤال كتابي وجّهه ليونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، بخصوص ارتفاع نسب البطالة المؤديَّة إلى الهجرة غير النظاميَّة، على خلفيَّة محاولة اقتحام السياج الحدودي لمدينة سبتة.
وجاء في السؤال «سبق لنا وفي أكثر من مناسبة أن راسلناكم بواسطة أسئلة كتابيَّة وشفهيَّة بخصوص وضعيَّة التشغيل بإقليم تطوان وعمالة المضيق الفنيدق، حيث نبَّهنا إلى خطورة شبح البطالة الَّذِي ينخر المجتمع التطواني»، مضيفًا أن «تأثيرات إغلاق المعبر الحدودي باب سبتة ما زالت واضحة على ساكنة المنطقة بشكل عام، وشبابها الَّذِينَ ضاقوا ذرعا من سياستكم الراميَّة لعدم إيجاد فرص تحفظ لهم الكرامة”، معتبرًا أن أجوبة الوزير المكلف بقطاع التشغيل «مخيبة لآمال الساكنة الَّتِي أصبحت تعيش ظروفًا اجتماعيَّة واقتصاديَّة صعبة”.
وقال النائب البرلماني الاستقلالي إنّه «أمام صمت الوزارة وفشلها في إيجاد حلول بديلة واستراتيجيَّة واضحة المعالم لإنقاذ إقليم تطوان وعمالة المضيق الفنيدق، وشبابهما من شبح البطالة، فإن الوضع ازداد سوءًا، وخير دليل على ذلك، ما وقع مؤخرا، والمتعلق بالهجرة الجماعيَّة لعشرات الشباب بل والقاصرين من شاطئ مدينة الفنيدق نحو ثغر سبتة المحتل، باحثين عن ظروف عيش أفضل، فإنّ مغامرات هَؤُلَاءِ الشباب والأطفال غالبا ما تنتهي بالموت للأسف».
واعتبر منصف الطوب، أن تكرار عملية الهجرة الجماعيَّة للمرة الثانيَّة على التوالي بإقليم تطوان وعمالة المضيق – الفنيدق نحو سبتة المحتلة، «فيه إساءة إلى بلادنا ولا تتماشى مع رهانات التنميَّة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والمجالية الَّتِي يؤكد عليها جلالة الملك في كل خطاباته التوجيهيَّة»، طارحًا استفسارات بخصوص «الخطوات والإجراءات والحلول الحقيقيَّة الَّتِي تعتزم الوزارة القيام بها لفائدة سكان وشباب إقليم تطوان وعمالة المضيق الفنيدق لضمان عدم تكرار المشاهد المؤسفة لهَؤُلَاءِ الشباب والأطفال، وهم يسبحون نحو المجهول هروبًا من واقع لا يحفظ لهم الكرامة».
والمؤكّد أنَّ الحكومة تعلم أن أرقام التشغيل في العديد من الأقاليم الشمالية هي إحدى الأسباب الرئيسيَّة لتراجع الوضع الاجتماعي ولحالة الاختناق الاقتصادي، الَّتِي لديها انعكاسات على الصعيدين الجهويّ والوطنيّ، لذلك كشف الوزير يونس السكوري ضمن ورشة بعنوان «التشغيل وتدبير الكفاءات: حركيَّة الرأسمال البشري والهجرة»، المدرجة ضمن ورشات الجامعة الصيفيَّة لشباب حزب الأصالة والمعاصرة، أنها حظيت بالأولويَّة ضمن برنامج «أوراش».
وأورد السكوري، أنّه «تم منح أفضلية للمناطق الحدوديَّة والرفع من حجم الحصيص المخصص لها، مثل شريط الفنيدق ومارتيل، لما لها من خصوصيَّة فيما هو مرتبط بظروف التشغيل قبل إغلاق منافذ السلع المهربة عبر الحدود»، وهو أمر لا يبدو أن نتائجه كنت كافيَّة، بعدما كشفت أحداث الفنيدق أن البطالة وعدم إحداث ما يكفي من المشروعات على مستوى الأقاليم الشمالية، كانت من بين أبرز أسبابها.