القانون والناس
جائحة الطلاق بين النص والتطبيق

فجَّرت الأوضاع الراهنة، كواليس ما تعيشه الأسرة المغربيَّة من ضغط وهشاشة الكيان الواحد، حيث سجَّلت محاكم الأسرة ارتفاعًا ملحوظًا بهَذَا الباب، خلال الفترة الوبائيَّة. بيد أنّ إشكالية الطلاق ليست وليدة الجائحة، بل نتيجة لانعدام ثقافة الحوار والمعاشرة والسكينة والمودة والرحمة. وإن كانت الدول قيّدت التنقلات فيما بينها، فإنَّ الأزواج لم تتقيّد رغباتهم في التفكيك الأسريّ، واعتمدوا على تفويض الطلاق إلى ذويهم عبر آلية الوكالة.
فإن كانت الوكالة شرعت في رفع المشقّة وجلب التيسير في جميع المجالات؛ فإنَّها في حالة الطلاق أو التطليق، الَّذِي هو حقّ للزوج كما هو حقّ للزوجة، حسب ما تنصّ عليه المادة 78 من مدونة الأسرة، الَّتِي تفيد بأنّ الطلاق حل ميثاق الزوجية يُمارسه الزوج والزوجة تحت مراقبة القضاء كلّ بحسب شروطه وطبقًا لأحكام المدونة، فإنَّ القاعدة الفقهية تقول من ملك حقًا ملك حق التوكيل فيه، وبما أنَّ الوكالة هي تكليف شخصيّ من الغير ليقوم مقام الموكل في التصرف جائز ومعلوم، فإنَّ الوكالة شرعت في إطار مبدأ التكافل الاجتماعيّ والتعاضد الإنسانيّ أيّ في الأعمال الَّتِي تتحقّق فيها مصلحة الموكل دون ضرورة حضوره.
وإن كان قسم قضاء الأسرة في ملف التطليق للشقاق، قد اعتمد على الوكالة عوض الحضور الشخصيّ للزوج الراغب في إنهاء العلاقة الزوجيّة رغم أنّ مُدوّنة الأسرة لم تعتمدها بشكل صريح، فقد برز الحكمُ القضائيُّ، الَّذِي صدر عن المحكمة الابتدائيّة بمدينة آسفي بتاريخ 19-10-2020، الَّذِي يُعدُّ من الأحكام الَّتِي تُعتمد فيها الوكالة للتطليق للشقاق السماح، حيث فوّض بها الزوج الراغب في التطليق لابنه مباشرة الإجراءات، باعتبار أنَّ الزوج يوجد في دولة أجنبيَّة، ويصعب عليه الحضور، فإنّه يفترض التيسير عليه بدل تكبيده خسائر السفر والتنقّل إلى المغرب ما دام هناك إمكانية اعتماد الوكالة، وانسجامًا مع المادة 400 من مُدوّنة الأسرة، الَّتِي تحيل على الفقه المالكي إذ تنص على أنّ: كل ما لم يرد به نصّ في هَذِهِ المدونة يرجع فيه إلى الفقه المذهبي المالكي، الَّذِي يُراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف.
واستند الحكم القضائيّ، الَّذِي أثار نقاشًا واسعًا على اجتهاد سابق لمحكمة النقض لقرار عدد 941 المؤرخ 24-12-2013، الَّذِي سار في اعتماد الوكالة في الطلاق والتطليق، وإن كان في مجال ضيق، إذ اعتبر أنَّ «الوكالة في الطلاق وإن لم ينص عليها في مدونة الأسرة فإنها تُعدُّ عامة بنص المادة 400 من المدونة نفسها، الَّذِي يعتبر الوكالة بالطلاق والمحكمة لما صرت به لما هو مُقرّر في الفقه وهو بمنزلة قانون داخليّ، فإنَّها جعلت لما قضت به أساسًا…».
واستنادًا لما سبق يتضح لنا بشكل –لا غبار عليه– أنَّ الوكالة في الطلاق تتنافى مع استقرار الحياة الزوجيّة، من حيث إنَّها تجعل مشيئتها بيد شخص غريب. على أساس كون المدونة ألزمت المحكمة قبل الحصول على الإذن بالإشهاد على الطلاق بضرورة القيام بمحاولة الصلح مع الاستعانة بالمؤسَّسات المرصدة له، وهَذَا يتطلّب الحضور الشخصيّ للزوجين معًا، حتّى يتسنّى الحوارُ المباشرُ.
وممَّا لا شكّ فيه أنَّ الوسيط لن يكون أبدًا مُؤثّرًا في جلسة الصلح؛ لأنَّه ناقل لإرادة الطرف الآخر ليس إلا. هَذِهِ الإرادة قابلة للتغيير بفعل الحوار والمناقشة والغوص في جوهر الخلاف، الَّذِي قد يجد سبيله للحلّ أمام المحكمة وسيُساعد على إعادة الدفء إلى عُشّ الزوجيّة وإرجاع المياه إلى مجاريها.
فهل يُمكن أن تظلّ العملية التصالحيّة مؤديةً دورَها الأساسيَّ في ظلّ اعتماد الوكالة؟ وهل يبقى الدليل العملي لمدونة الأسرة بالنص على محاولة الصلح كإجراء جوهريّ لا يمكن إنجازه في غياب الزوجين المعنيّين قائمًا في هَذِهِ الحالة؟
