آخر الأخبار
تفعيل قانون المستهلك بين قروض الاستهلاك والهلاك

في خضم ما يشهده المجتمعُ المغربيُّ من ارتفاع بمستوى المعيشة، وضغط ارتفاع الأسعار وعدم قدرة الفرد على مواكبة تطوّر وسائل الإنتاج وزيادة الاستهلاك وتنوّع الخِدْمات المقدمة للمستهلك، ترتّب عن ذلك إلحاق أضرارٍ كبيرةٍ بهَذَا الأخير، الَّذِي وجد نفسه أمام تنوّع السلع والخِدْمات وعرضة لمجموعةٍ من الممارسات غير الشريفة، خاصّةً من طرف مُقدّمي هَذِهِ الخِدْمات، الأمر الَّذِي حتَّم عليه اللجوء إلى ما يُسمّى القرض الاستهلاكيّ، سواء عبر وسيط، وهي شركات القروض الصغيرة أو البنوك عامّة، لكن هَذِهِ الاخيرة خصوصًا في فترة الحجر الصحي وتوقّف جميع الخِدْمات ومداخل أغلب الأسر، الأمر الَّذِي جعل الأغلبية العظمى -إن لمْ نقل الكل- في حالة مادية جد عسيرة، مما جعلها تغلق أبوابها أو تعلن إفلاسها، ناهيك عن الأسر الَّتِي تعتمد على الدخل اليومي أو الأسبوعي، الَّتِي لم تجد عملًا طوال هَذِهِ الفترة، مما يبقى معه تساؤلات هَؤُلَاءِ بخصوص كون هَذِهِ البنوك أو شركات القروض ورفعها مجموعة من الدعاوى ضد زبنائها أو زيادة في قيمة الأرباح أو إعادة استعمال منهجية وجدولة القرض حسب أسلوبها والطريقة الَّتِي تزيد من أرباحها وتحصيلاتها، مُتناسيةً أنَّ هناك قانونًا مؤطرًا لهَذِهِ العمليات وحماية الطرف الضعيف، وهو ما تجلّى فعلًا في القانون (08 / 31) المتعلق بتحديد التدابير لحماية المستهلك.
ونظرًا للمكتسبات الَّتِي جاء بها هَذَا القانون، والهاجس الَّذِي طبع واضعيه، خاصّةً فيما يتعلق بحماية الطرف الضعيف في العلاقة العقدية، خصوصًا في جانب مهمّ من حياته والمتعلق بالاستدانة، كما تجلّى ذلك من خلال عدد الفصول المنظمة لهَذَا الجانب، فهل القضاء وأمام التحديات الكبرى الَّتِي ستواجهه خلال هَذِهِ الفترة من أجل تفعيل مقتضيات هَذَا القانون، لإيجاد نوعٍ من التوازن في العلاقة العقديّة بين المقرض والمقترض، فإلى أي حد يُمكن أن يستطيع الاجتهاد القضائي المغربي تحقيق هَذَا التوازن، خاصّةً فيما يتعلق بالمنازعات المتعلقة بالقروض الاستهلاكية أو الكرائية التجارية؟
باستقرائنا المادة (10) من القانون (31.08) نستشف أنَّ المُشرَّع أعاد تنظيم نفس المقتضيات العامة المنصوص عليها بالفصل (27) من (ق م م)، إلا في بعض الاستثناءات المنصوص عليها بمقتضى المادة (11) من نفس القانون، الَّتِي خرجت عن مقتضيات الفصل (28) من (ق م م)، وذلك فيما يتعلق بصعوبات المقاولة ترفع الدعوى أمام المحكمة التجارية التابعة لها مؤسّسة التاجر الرئيسية أو المقر الاجتماعي للشركة، وفيما يخص الإجراءات التحفظيّة أمام المحكمة التجاريّة، الَّتِي يوجد بدائرتها موضوع هَذِهِ الإجراءات.
باستقرائنا مختلف الموادّ والبنود الَّتِي جاء بها قانون (08 / 31) نجد أنَّ المُشرَّع قد منح سلطةً تقديريةً واسعةً للقاضي قصد التدخل لحماية المستهلك، ويمكن إبراز هَذِهِ السلطة في النقط التالية:
- سلطة القاضي في تقدير حجية كشف الحساب.
لقد أصبحت الأعراف التجاريّة بحكم مدونة التجارة تسمو على القانون المدني (المادة 2 من مدونة التجارة)، ويُعدُّ كشف الحساب نتاج الممارسة البنكية وقد أصبح بمقتضى القانون البنكي لسنة 1993 وسيلة إثبات مقبولة تعتمدها المؤسسات البنكية في إثبات مديونية زبنائها.
وإذا ما اعتبرنا الكشوفات الحسابية الصادرة عن المؤسّسة المقرضة حجةً كتابيةً، فهي تتعارض مع المبدأ القائل بعدم جواز صنع الشخص دليلًا لنفسه، ولكن خلافا لهَذَا المبدأ اعتبر المُشرّع بمقتضى المادة (492) من مدونة التجارة كشوف الحساب الَّتِي تعدها مؤسّسات الائتمان وفق شروط المادة (106) الَّتِي حلت محلها المادة (118) من القانون البنكي المعدل بمقتضى القانون رقم (34 / 03) الصادر بتاريخ 14 فبراير 2006، وسيلة إثبات مقبولة أمام القضاء.
وبالتالي لكي يُعدُّ كشف الحساب مقبولًا يجب أن يتضمن شروطًا معينة وهي:
- أن يكون كشف الحساب معدًّا من قبل مؤسسات الائتمان.
- أن يكون الكشف معدًّا وفق الشكليات المنصوص عليها بمقتضى دورية والي بنك المغرب عدد (98 / 4) الصادرة بتاريخ 5 مارس 1998.
- أن يكون النزاع ناشئًا بين مؤسسة ائتمان وعملائها من التجّار.
- ألا يثبت عكس ما ورد بكشف الحساب.
وبالرجوع إلى دورية والي بنك المغرب المشار إليها أعلاه، نجدها قد حدَّدت في الفصل 2 منها المعلومات الأساسية الواجب تضمينها بكشف الحساب وأبرزها: «هوية المؤسسة البنكية – التسمية – العنوان – المقر الاجتماعي أو الوكالة – عناصر تعريف صاحب الحساب – رقم الحساب – نسبة الفائدة المطبقة وكيفية احتساب الفوائد وباقي المصاريف….».
وقد جاءت مدونة التجارة لتضيف بعض الشروط بمقتضى المادة (491) وهو ضرورة توصل الزبون المنازع بكشف الحساب، وأن يكون خاليًا من أي شطب.
ونلاحظ أنَّ العمل القضائي لا يتردد في رفض الأخذ بكشف الحساب، كلما كان مخالفا لهَذِهِ الدورية، فقد جاء في حكم صادر عن تجارية مراكش بتاريخ 2 مارس 2000 (منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 83 صـ212) الَّذِي جاء فيه: «حيث إن بيان الدائنية المذكورة لا يرقى إلى درجة كشف الحساب كوسيلة إثبات بين البنوك وزبنائها التجار طبقا للمادة (106) من ظهير 6 يوليوز 1993، الَّتِي علقت حجية كشف الحساب في الإثبات البنكي على صدور قرار من والي بنك المغرب يحدد شكليات إنجاز كشوف الحساب، وهو ما تم بموجب دورية والي بنك المغرب عدد 98 / 4 بتاريخ 5 مارس 1998، الَّتِي ألزمت أن يبين كشف الحساب بشكل ظاهر سعر الفوائد والعمولات ومبلغها وكيفية احتسابها وتواريخها وفق الفصل 2 من الدورية.
وحيث إنَّ كلَّ كشف وبيان صادر عن البنك مخالف للدورية المحال عليها بموجب المادة (106) من القانون البنكي يجعله عديم الأثر في الإثبات القضائي، وقضت المحكمة بعدم قبول الدعوى.
تجدر الإشارة إلى أنَّ كشف الحساب قبل التعديل الَّذِي طال القانون البنكي سنة 2006، كان له حجية نسبية، يواجه به الزبون التاجر فقط تماشيًا مع ما هو منصوص عليه بمقتضى م 106 من نفس القانون، غير أنّه بعد التعديل أصبح لكشف الحساب حجيةٌ مطلقةٌ في مواجهة جميع الزبناء سواء كانوا تجارًا أو غير تجّار.
