مقالات الرأي
تشبث حزب العدالة والتنمية بالأيديولوجية «البنكيرانية» لن يكسبه أصوات الناخبين بل سيفقده ما تبقى من مناصريه

أنوار المجاهد
على الرغم من النهاية الكارثيّة المتوقعة لحزب العدالة والتنمية، فمن غير المُرجّح أن يتخلّى الحزب الحاكم عن «البنكيرانية»، كأيديولوجيّة واستراتيجيّة انتخابيَّة، خاصّةً أنَّ الطلب على الشعبويّة في تزايد، بالإضافة إلى ذلك، من المُرجّح أن يُواصل حزب العدالة والتنمية مُغازلته الأحزابَ الإداريّة؛ من أجل قيادة تحالفٍ جديدٍ، خلال الانتخابات المقبلة، الشيءُ الَّذِي يُرجّح أنَّ الحكومةُ المقبلةُ ستكون مزيجًا من اليمينيّين واليساريّين والليبيراليّين، وحتّى التكنوقراط، أي سيُعاد إنتاج نفس علاقات الإنتاج، إلا إن كانت هناك مفاجأة تنتظر الأحزابَ، الَّتِي عمَّرت طويلًا في الحكومة.
من الناحية الواقعيَّة، فإنَّ أفضل طريقة لانتزاع السلطة من طغيان حزب العدالة والتنمية، الَّذِي حكم المغرب بيدٍ من حديدٍ، طَوال عشر سنوات، ولم يُقدّم فيها أيَّ جديدٍ يُذكر للطبقات الاجتماعيَّة المسحوقة، الَّتِي رسم الحزب كلّ مشاريعه؛ انطلاقًا من قاعدة تحقيق حياة عادلة لهؤلاء الفقراء، غير أنَّ ما فعله الحزب هو التنكّر لكلّ شعاراته، الَّتِي رفعها وما زال يرفعها −لحدود الآن− أبرزها محاربةُ الفساد (الشعار الكبير)، الَّذِي ركب به حزب المصباح على موجة احتجاجات عشرين فبراير، ليجهض بعدها محاولةَ الانتقال الديمقراطيّ وشعارات العهد الجديد.
صحيحُ أن حزبَ العدالة والتنمية ليس الوحيد الَّذِي أدار ظهره للمواطنين، فهناك مجموعةٌ من الأحزاب، الَّتِي ترفع شعارات لكنَّها في الحقيقة تبحث عن مناصب لينعم بها أعضاءُ المكاتب السياسيَّة والمجالس الوطنيَّة، لولا أنَّ المغرب له ملكٌ يحميه لخسرنا الوطن والمواطنين على حدّ سواء، ولنا في الجيران مثالٌ صحيحٌ على رعونة تدبير اليمين واليسار وحتّى العسكر لشؤون الدولة.
بالعودة إلى حزب المصباح ومحاولته الدخول المعترك الانتخابيّ المقبل بروح من التفاؤل، عبّر عنه الأمين العام السابق عبد الإله بنكيران، وزكَّاه بعض الوزراء والبرلمانيّين التابعين لحزب المصباح. الَّذِي ينهل من «البنكيرانية» كما أشرنا سابقًا كاستراتيجية انتخابيَّة للحصول على أكبر عددٍ من المقاعد للدخول إلى الحكومة لمواصلة المشاريع الشفويّة، الَّتِي بدأت في 2011، وبهَذَا المعنى يُمكن لزعماء الحزب الإسلاميّ المغربيّ، تجنيد الأشخاص المطلوبين لدخول المعترك الانتخابيّ.
وسيحتاج الحزب إلى الدعم على كلّ مستوى من مستويات الجمعيات الخيريَّة، الَّتِي سبق له وأسَّسها لغاية الانتخابات، بالإضافة إلى الزخم والانتصارات الانتخابيَّة في السنوات السابقة ولا يمكن أن ننكر أن تكون هناك العديد من الفرص لتحقيق انتصاراتٍ انتخابيَّةٍ جديدة.
وعلى الرغم من حقيقة أن حزب المصباح لن يحصل على أغلبية أصواته من الناخبين المحافظين، فإنَّ المُتنافسين الآخرين كالأحرار والأصالة والمعاصرة والاتّحاد الاشتراكيّ لن يستفيدوا بما يكفي لضمان حكم الأغلبية، وسيخسرون ناخبيهم في الضواحي الَّذِينَ كانوا يصوّتون بها ضد العدالة والتنمية، حيث يتوقّع أن يفوز بها حزب الاستقلال أو تتوزّع على أحزاب صغيرة غير معروفة.
كما يواجه الحزب الحاكم تصدعًا داخليًا كبيرًا على مستوى الأمانة العامّة والمجلس الوطني بسبب القرارات الأخيرة للحزب، وحتّى مسألة التطبيع ساهمت في هَذَا التصدّع ومثَّلت آخر مسمارٍ في نعش الاسترزاق السياسيّ بالقضية الفلسطينيَّة للاستمالة عاطفة الناخبين.
في الاستحقاقِ الانتخابيِّ المقبل، سيبقى اليساريّون، ببساطة، يُكافحون لإبعاد الأطراف اليمينيَّة عن التكتل الحكوميّ، هَذِهِ الاستراتيجيَّة فشلت مرارًا وتكرارًا، وحتّى استراتيجية النظريات الاشتراكيَّة وشعارات مجانيَّة التعليم ومجانية الولوج للخدمات الصحية، والرفع من الحد الأدنى للأجور، والكرامة والحرية، والعدالة الاجتماعيّة لن تنفع خلال الانتخابات المقبلة.
الفرصة الآن بيد الأحزاب الَّتِي ستُقدّم وجوهًا شابةً وذات كفاءة ومصداقية، ولها تكوينٌ جيّدٌ وليس تقديم مرشحين لا يعرفون حتّى كتابة أسمائهم أو مرشحين عمَّروا طويلًا في الكراسي.
إنَّ المغاربة ليسوا بحاجة إلى أن يكونوا رهينة طغيان أحزاب، لم تقدّم شيئًا للمواطنين، لقد أصبحت ديمقراطية المغرب أكثر عرضةً للخطر من أيّ وقتٍ مضى، لهَذَا فالحلُّ بيد الشباب، ومن يعتمد عليهم كقوّة اقتراحيَّة وليس فقط ديمغرافيَّة سيتمكن من كسب رهان البناء الديمقراطيّ، الَّذِي نريد بالرغم من أنَّ العمليةَ الانتخابيَّةَ في المغرب لا تزال تعتمد على ثنائية استغلال الدين والمال، يمكن لطرح ثالث جديد يعتمد على الشباب، أصحاب التكوين الأكاديمي الجيد، أن يُحقّق ثورةً جديدةً في مفهوم السياسة المغربيَّة.
