إقتصاد
تداعيات الأزمة المغربية الإسبانية وآثارها على المناطق الصناعية بطنجة

عاد التوتر ليخيم من جديد على المغرب وإسبانيا، بسبب الأحداث الأخيرة الَّتِي عاشتها سبتة، حيث تسلَّل نحو 8000 شخصٍ إلى الثغر المحتل، بعد أنباء عن تسهيل عملية العبور إلى عبر المنافذ البحريّة والبريّة.
وشهدت سبتة، أكبر عملية نزوح جماعي من طرف مهاجرين مغاربة من مختلف المدن، وكذا أفارقة، حاولوا انتهاز الفرصة للتحقيق حلم العبور إلى الاتّحاد الأوروبيّ، طمعًا في تحسين أوضاعهم الاجتماعية، بعدما ضاقت بهم السبل ذرعًا.
كل هَذَا التوتر أثَّر بشكلٍ سلبيٍّ في المناطق الصناعية الموجودة، داخل التراب الإقليمي لعمالة طنجة، خصوصًا أنَّ نحو 90% من صناعة النسيج بعاصمة البوغاز، يتم تصديرها إلى أوروبّا عن طريق شركات إسبانية عملاقة.
- معبر تارخال
بدأت القصة عندما جرى إغلاق معبر «تارخال» بشكل نهائي، وبالتالي منع مئات الأسر، الَّتِي كانت تعيش بالتهريب المعيشي من عملها، دون أن تتوفر بدائل اقتصاديّة.
كانت حوالي 3500 امرأة تحمل السلع الإسبانية في أكياس ضخمة فوق ظهورهن ويمتهنّ ما يُسمّى «التهريب المعيشي» إضافة إلى 200 طفلٍ قاصرٍ في معبر سبتة، حسب تقرير كان قد أصدره البرلمان المغربي، قبل أن توقف السلطات المغربيّة التهريب في أكتوبر 2019 وتغلق المعبر الحدودي بعدها في مارس 2020.
وكان تقرير البرلمان، قد أقرّ بأنّ المغربيات الممتهنات للتهريب المعيشي في معبر سبتة يعشن وضعًا مأساويًا، وينمن ليومين وأكثر في العراء، لكنهن اليوم دون عمل ودون مدخول، ومعهن تجّار ومرافق كانت تدور في فلك التهريب.
- تكلفة اجتماعية
وشهدت مدينة الفنيدق، شمال المغرب، لمدة 3 أسابيع متتالية مظاهراتٍ احتجاجًا على الأوضاع الاقتصاديّة، الَّتِي تسبَّب فيها توقّف الأنشطة التجارية المرتبطة بما يعرف بـ«التهريب المعيشي» على مستوى المعبر الحدودي لمدينة سبتة المحتلة.
وكرَّس التهريب المعيشي، خلال العقود الأربعة السابقة، أشكالًا مُختلفةً من المعاناة، وكلَّف الاقتصاد الوطني خسائرَ مُهمّةً قدّرها مسؤولون مغاربة بـ7 مليارات درهم سنويًا (الدولار يساوي 8.8 دراهم مغربية تقريبًا) بالنسبة لمعبر باب سبتة لوحدها.
ويرى المستشار الاقتصادي، عادل خالص أنَّ إغلاق معبري سبتة ومليلية، أدَّى إلى ركود اقتصاديّ في المدن المجاورة، الَّتِي كانت تستفيد بشكلٍ كبيرٍ من الدينامية الاقتصاديّة، الَّتِي تحدّثها عمليات التهريب المعيشي رغم سلبياته الكثيرة.
من جهته، يقول رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، محمد بن عيسى، في حديث مع الجزيرة نت، إنّ الوضع أصبح محتقنًا ومشحونًا بشكلٍ كبيرٍ؛ بسبب تأخر المشاريع البديلة، مضيفًا أنَّ السكان يمرّون بأزمة اجتماعية، ولهم مطالب آنية، وهناك نوعٌ من غياب الوعي بخطورة التهريب، وأنَّ التضييق يفاقم الوضع.
في السياق نفسه، نبَّه خالص إلى أن تكلفة منع التهريب المعيشي من الناحية الاجتماعيّة قد تكون قاسيّة جدًا في غياب بدائلَ تُخفّف وطأة تداعياته الاقتصادية، خصوصًا في سياق الأزمات الاقتصاديّة، الَّتِي دائما ما يعقبها احتقانٌ واحتجاجاتٌ اجتماعيّةٌ.
- برامج تنموية
كان تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي (مؤسّسة استشارية رسمية) أظهر أنَّ إغلاق معبري سبتة ومليلية من طرف المغرب، وكذلك منع العمليات التجاريّة عبر ميناء مليلية منذ يوليوز 2018، من شأنهما أن يكونا ناجعين على المدى القصير، واستدرك التقرير أن الإغلاق لا ينصب على معالجة الأسباب العميقة، الَّتِي سمحت بانتشار تجارة التهريب.
وأوصى التقرير بمنح تحفيزات ضريبية وتمويليّة، وتبسيط الإجراءات الإدارية أمام الشركات تشجيعا لها على التوسع في المناطق المحاذيّة لسبتة ومليلية.
وتم تخصيص 400 مليون درهم (حوالي 45 مليون دولار)، لإنجاز سلسلة مشاريع ضمن البرنامج المندمج للتنمية الاقتصادية لعمالة المضيق-الفنيدق وإقليم تطوان الأسبوع الجاري.
وتنقسم المشاريع، ضمن هَذَا البرنامج إلى 3 محاور أساسية، تتمثّل في إحداث منطقة للأنشطة الاقتصادية في مدينة الفنيدق، وبلورة آلية للتحفيز المالي لجلب الاستثمارات في منطقتي الأنشطة الاقتصادية «تطوان بارك» و«تطوان شور»، وخلق مبادرات اقتصادية تحفيزية لمواكبة الشركات في إطار مهيكل، وتحسين قابلية النساء والشباب لولوج سوق العمل.
وأعلنت السلطات المحلية بمدينة الفنيدق، مؤخرًا، إبرام 650 عقدَ عمل لصالح مجموعة من النساء المتضرّرات من إيقاف المعبر، ويتوقع أن تصل إلى 700 عقدٍ خلال الأسبوع الجاري، منها عقود عمل في وحدات النسيج.
- إغلاق معبري سبتة ومليلية لا يعالج أسباب «التهريب»
قال تقرير مغربيّ رسميّ، إنَّ إغلاق معبري مدينتي سبتة ومليلية (تخضعان لإدارة إسبانيا وتطالب الرباط باسترجاعهما)، لا يعالج أسباب انتشار تجارة «التهريب المعيشي» شمال البلاد.
جاء ذلك في التقرير السنوي، للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (هيئة دستورية مستقلة تقدم استشارات للحكومة والبرلمان بشأن التوجهات العامة للاقتصاد والتنمية)، الَّذِي تسلّمه العاهل المغربي محمّد السادس، ونُشر في الجريدة الرسمية مساء الأحد.
وأوضح التقرير، أنَّ «إغلاق معبري سبتة ومليلية من طرف المغرب، وكذلك منع العمليات التجاريّة عبر ميناء مليلية، منذ يوليو 2018، تدابير من شأنها أن تكون ناجعةً على المدى القصير». واستدرك: «غير أن الإغلاق لا ينصب على معالجة الأسباب العميقة الَّتِي سمحت بانتشار تجارة التهريب».
ويمتهن مئات المغاربة تهريب السلع من المدينتين، إلى باقي المدن داخل المغرب، حيث يعملون على حمل أكياس ضخمة مُحملة بالبضائع الإسبانيّة فوق ظهورهم لإدخالها إلى الأراضي المغربيّة وبيعها.
وأردف: «أحد الأسباب الرئيسية لانتشار التهريب المعيشي، هي القصور الحاصل على مستوى التنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة، الَّذِي راكمته المناطق المحيطة بالمدينتين منذ عقود».
كما قدَّم التقرير، توصيات لمرحلة ما بعد منع تجارة التهريب، بعد 60 سنة من استمرار الجمارك البرية مفتوحة، دون أن يتوقّف ما يعرف محليا بـ«التهريب المعيشي». وأوصى التقرير بـ«منح تحفيزات ضريبية وتمويلية، وتبسيط الإجراءات الإدارية أمام الشركات الوطنية، تشجيعًا لها على التوسع في المناطق المحاذية لسبتة ومليلية».
وفي مارس الماضي، أغلقت السلطات المغربية معبري سبتة ومليلية نهائيًا أمام تجارة «التهريب المعيشي».
وكان تقرير للبرلمان المغربي، صدر في فبراير الماضي، قال إنَّ «المغربيات الممتهنات للتهريب المعيشي بمعبر سبتة، يعشن وضعًا مأساويًا، وينمن ليومين وأكثر في العراء»، مشيرًا إلى وجود «نحو 3500 امرأة يمتهن التهريب المعيشي و200 طفل قاصر، بمعبر سبتة».
وترفض المملكة المغربية الاعتراف بشرعية الحكم الإسباني على مدينتي سبتة ومليلية، وتعتبرهما جزءًا لا يتجزأ من التراب المغربيّ، وتطالب الرباط مدريد بالدخول في مفاوضات مباشرة معها على أمل استرجاع المدينتين.
- هل يتزايد الضغط؟
وفي حديث لـ«سكاي نيوز عربية»، قال رشيد لزرق، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة ابن طفيل القنيطرة: «إن المغرب يعاني اقتصادًا غير مهيكل. والتهريب مشكلة بنيوية. ومسؤولية الحكومة هي توفير البديل لهَؤُلَاءِ النسوة. لأنَّ إعمال المقاربة الأمنية أو غيرها دون إقرار مبادرة تنموية غير كافٍ».
ونوَّه لزرق بمسؤولية الحكومة الإسبانيّة أيضًا في هَذَا الملف، لأنَّ «المغرب لا يمكنه أن يلعب دور الدركي لصالح أوروبّا. لافتًا إلى أنَّ النساء هن ضحايا الفقر بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى الأطفال، لذا يجب على الدولة المغربيّة إلى جانب جارتها الشمالية، وضع خطة اجتماعية لصالحهن، وإيجاد بدائل حقيقية لهن، عن طريق إحصائهن بشكل مضبوط، وتشجيع المقاولين والمستثمرين على الاستثمار في تلك المنطقة، وخلق فرص شغل تحفظ كرامتهن».
- حرب اقتصادية
لن يكون بإمكان الشاحنات الإسبانيّة ولوج التراب المغربي، إذا لم تحترم تدابير جديدة، اعتبرت من قبل مراقبين ردَّ فعل على تشديدات اتّخذها البلد الأوروبي في حقّ الشاحنات المغربيَّة العابرة لترابه.
وقرَّرت مديرية الاستيراد والتصدير التابعة لسلطات ميناء طنجة المتوسط، أكبر ميناء في أفريقيا، الَّذِي يربط المغرب بإسبانيا من ميناء الجزيرة الخضراء، إلزام شاحنات الشركات الإسبانية بعقد مع شركة مغربيّة، إذا أرادت العبور إلى التراب المغربي. وأشارت المديرية، في مذكرة إخبارية، إلى أنَّ الشاحنات المجرورة، الَّتِي يكون مصدرها إسبانيا، ستخضع لمراقبة فرضتها وزارة التجهيز والنقل، حيث يفترض أن تدلي بعقود تعاونٍ مع شركات موجودة بالمغرب.
لم يعلَن عن أسباب هَذَا القرار، غير أنّه جاء في سياق تدبير إسبانيّ اقتضى فرض غرامة يمكن أن تصل إلى 700 دولارٍ على كلّ ناقل للسلع، يحوي خزانه السولار في شاحنته أكثر من 200 لتر من ذلك المنتج، ما يعني أنَّ ذلك التدبير يفرض على صاحب الشاحنة الواحدة شراء 1300 لتر من السوق الإسبانيّة.
لم يكن ذلك التدبير جديدًا، فقد قرّره الاتّحاد الأوروبيّ، من أجل ضبط المنافسة بين الناقلين داخل ذلك الفضاء، غير أنّه لم يكن يطبق، قبل أن تشرع إسبانيا في تفعيله قبل ستة أشهر، وتشديده في الشهرين الأخيرين.
ويتصوّر عاملون في القطاع، أنَّ التدبير الإسباني شكل نوعًا من الحرب الاقتصادية، حيث أريد منه التأثير على تدفق السلع المغربية إلى الفضاء الأوروبيّ، وهَذَا ما دفع الجمعية المغربية للمصدرين إلى مراسلة وزارتي النقل والصناعة من أجل التدخل لمعالجة ذلك المشكل.
- اتهامات بالابتزاز
اتهمت وزيرة الدفاع الإسبانية، يوم الخميس، المغرب «بالابتزاز» بسبب موقفه السلبي في مواجهة موجة مهاجرين، وصلت إلى جيب سبتة الخاضع لسيطرة إسبانيا هَذَا الأسبوع.
وبدأ توافد اللاجئين يوم الاثنين عندما خفَّف المغرب القيود على الحدود في خطوة جرى تفسيرها على نطاق واسع، بما في ذلك بين المعارضة الإسبانية، على أنَّها ردّ على استضافة إسبانيا لزعيم جبهة البوليساريو.
وسعت الحكومة الإسبانية لإبقاء الموضوعين منفصلين. وقالت وزيرة الدفاع مارغريتا روبلس، إنَّ المغرب، بتهيئة الظروف المواتية لسباحة آلاف المهاجرين إلى سبتة أو القفز من فوق لداخل الجيب، عرض حياتهم للخطر «لهدف لا استوعبه بالتأكيد». وأضافت لإذاعة (آر.إن.إي) «لن نقبل أي ابتزاز بغض النظر عن مدى صغره، أو أي تشكيك في وحدة أراضينا». ولم تذكر روبلس صراحة ما تتّهم المغرب بمحاولة الحصول عليه من إسبانيا.
- أزمة بسبب زعيم البوليساريو
جاءت الأزمة في سبتة، بعدما احتجّ المغرب على قرار إسبانيا قبل شهر، بالسماح لإبراهيم غالي زعيم جبهة البوليساريو، الَّتِي تقاتل من أجل استقلال الصحراء الغربية عن المغرب، بدخول أراضيها والعلاج في مستشفى.
وعلى الرغم من عدم إصدار الحكومة المغربية أي تصريح رسمي بشأن أحداث هَذَا الأسبوع؛ فإنَّ وزير الدولة لحقوق الإنسان المصطفى الرميد، أشار في منشور على فيس بوك، إلى ارتباطها بقضية غالي.
وقال إنَ إسبانيا أقدمت على «إجراء متهور غير مسؤول وغير مقبول إطلاقًا» باستضافة غالي دون التشاور مع الرباط، مضيفًا أنَّ من حقّ المغرب الردّ.
