تواصل معنا

مقالات الرأي

تجديد الآليات أو الحفاظ على النظام القديم.. توقعات بخصوص مستقبل مراكز التسوق في مرحلة ما بعد الجائحة

أنوار المجاهد

قبل أيّام قليلة، طفت إلى السطح مجموعةٌ من التصريحات الخطيرة لرؤساء جمعيات تجاريّة للبيع بالتجزئة، وتوقّعوا مصيرًا مُؤسفًا لمراكز التسوق العالميّة، وسيبدأ أرباب المتاجر في التخلّي شيئًا فشيئًا عن المحلات؛ بسبب ارتفاع تكلفة رسوم الإيجار وظهور التجارة الإلكترونيّة، الَّتِي ستنهي حسب زعم هؤلاء، بالنموذج القديم ويحلّ محلّه نموذج جديد.

في الواقع، تمرُّ مراكز التسوّق اليوم، بنقطة تحوّل حاسمة في تاريخها، لكنَّنا لا نشهد بأيّ حال من الأحوال انقراضها، هناك ثلاثة أسباب ظرفية تُفسّر الوضع الحالي للمراكز التجاريّة، الَّتِي شهدت بطريقة ما، كيف أنَّ التغييرات الَّتِي توقّعوا حدوثها تدريجيًا خلال هَذَا العقد، تسارعت في غضون بضعة أشهر فقط.

في المقام الأوّل، العالم يمرُّ بانكماش اقتصادي -الَّذِي تفاقم بسبب الانفجار الاجتماعيّ والوباء- ما دفع المستهلكين إلى توخّي مزيدٍ من الحذر بشأن النفقات، وإذا لم نأخذ في الاعتبار عامل سحب نسبة مئوية من مدخرات المعاشات التقاعديّة لآلاف المواطنين عبر العالم، فإنَّ الاستهلاك يعاني بالفعل ركودًا شديدًا، وهَذَا يسير جنبًا إلى جنب مع التوقعات الاقتصاديَّة المنخفضة وزيادة البطالة، كلها أمورٌ تجعل من التركيبة غير صحية للاستهلاك، عند ما تعتمد عليها تجارة التجزئة.

 ثانيًا، الادّعاء بأن ظهور التجارة الإلكترونية يعقد الأداء الحالي للمراكز التجاريّة صحيحٌ، يظهر السيناريو الَّذِي أدارته مراكز التسوّق في مساحة أكثر حساسيةً بكثيرٍ بشأن زيارة ومبيعات المتاجر المادية، جنبًا إلى جنبٍ مع نمو التجارة الإلكترونية، قد قدّم وقلّص نطاق عملها.

وتوقعت مراكز التسوق انخفاضًا كبيرًا نسبيًا في الزيارات والمبيعات لعام 2023 أو 2024 ولكن، في حساباتهم، كان هَذَا الانخفاض سيقابله تحوّل مراكز التسوق إلى مناطق خبرة مهمة، مع متاجر رئيسية كبيرة.

أخيرًا، تسبَّب العاملُ الوبائيُّ في تغيير علاقة المستهلكين بمراكز التسوق، إذ أصبحت الزيارات (مُقيّدة) بقرارات الإغلاق من جهة والسعة المسموح بها من جهة ثانية؛ حتّى فيما يخص المستهلكين المخلصين للمراكز التجارية، لم يعودوا يقبلون على زيارة المراكز، ومَن قام بذلك يحاول أن يسرع في التسوق خوفًا من العدوى، وهَذَا يعني أن هَذَا النموذج من الخبرة والترفيه الَّذِي ناشده القطاع لمواصلة العمل بنجاح، أصبح موضع تساؤل على المدى القصير والمتوسط، وأن الاستثمارات الكبيرة الَّتِي أجريت في الابتكارات المرتبطة بهَذَا المجال، لا تزال بين قوسين، لذلك، من نقطة الانعطاف هذه، ما سيحدث هو أنه سيتعيّن إعادة تعريف نموذج العمل.

وسيتعين على مراكز التسوّق أن تعمل على إعادة تعريف استخدام المساحات، حيث يجب أن تميل إلى أن تكون مساحة مختلطة للاستهلاك، حيث يمكن أن يكون على الإنترنت نفس وزن المتجر الفعلي. لذلك، سيكون التحدّي الَّذِي تواجه مراكز التسوّق هو الاستجابة بسرعة وقوة لهَذَا الواقع الَّذِي يمكن أن تحدث فيه علاقة العملاء مع البيع بالتجزئة عبر الإنترنت أو من المتجر الفعليّ أو حتّى من التسليم نفسه.

على طول هَذِهِ الخطوط، سنرى أنَّ استراتيجيات الخدمة مثل: «التقاط التسوق، والنقر والتجميع»، وهَذِهِ الأنواع من التسوّق عبر الإنترنت الَّتِي سيتمُّ سحبُها داخل مساحة مركز التسوق تتعمّق، ولما لا ربَّما ستصبح مراكز التسوّق متجرًا ذا خبرة كبيرة لتعزيز وتسهيل التسوق عبر الإنترنت، لكن هَذَا لن يؤدي بأيّ حال من الأحوال إلى تراجعها؛ لأنه سيكون هناك دائمًا مستهلكون يحتاجون إلى المتجر الفعليّ، الَّذِينَ يُفضّلون تجربة المنتجات والقياس والتصنيع الملاءمة، ثم ربَّما شرائها عبر الإنترنت. تخبرنا الأرقامُ، على سبيل المثال، أنَّ أكثر من 50% من عمليات الشراء عبر الإنترنت، لها ارتباط في المتجر الفعليّ، وهو ما يحتاجون إليه للقيام بهَذَا التسوّق المسبق.

الكرة الآن في ملعب مراكز التسوق، تمامًا كما في بداية الثمانينيّات، تمّ تكييف التجربة الدوليّة للمراكز التجاريّة مع الواقع الاجتماعيّ للدول، وخلال العقود الأربعة التالية خضعت لتحوّل مستمرّ سمح لها بتحقيق نجاح كبير، واليوم هو الوقت المناسب للجلوس لرسم الخطوط وإعادة تعريف ما ستعنيه مراكز التسوق أنَّ الوباء غير حياتهم بالنسبة للمستهلكين.

تابعنا على الفيسبوك