مجتمع
بين الحنين والروحانية.. لماذا يختار طنجاوة العالم قضاء رمضان في طنجة؟

مع حلول شهر رمضان، تتحوَّل طنجة إلى قبلة لمغاربة العالم، الذين يفضلون العودة إلى مدينتهم الأم لقضاء هذا الشهر الفضيل وسط الأهل والأحباب، فالحنين إلى أجواء المدينة القديمة، وروائح الشباكيَّة والبغرير المنبعثة من الأزقة، وصوت الأذان الذي يصدح من مآذن المساجد العريقة، كلها عوامل تجعل من رمضان في طنجة تجربة فريدة لا تعوض.
بالنسبة لآلاف الطنجاويين المقيمين في الخارج، لا شيء يعادل دفء العائلة خلال شهر رمضان، فرغم أنَّ العديد من الدول الأوروبيَّة -حيث يقيم أغلبهم- تُوفّر مساجدَ ومراكز إسلاميَّة لأداء الصلوات والتجمعات الدينيَّة، فإنَّ الأجواء تظلّ باردةً مقارنةً بما تعيشه طنجة خلال هذا الشهر.
في تصريح لعبد الكريم، مهاجر طنجاوي، يقيم في إسبانيا منذ أكثر من 15 سنة، “في الغربة، رمضان يمر كأي يوم عادي، لا إحساس خاص ولا أجواء مميزة، لهذا، أحرص كل سنة على العودة إلى طنجة، حيث طقوس الإفطار الجماعي، وصلوات التراويح في مسجد السوريين”.
من بين الأسباب التي تدفع مغاربة المهجر للعودة إلى طنجة خلال رمضان، الأجواء الإيمانيَّة الفريدة التي تعيشها المدينة، فمع غروب الشمس، تمتلئ الشوارع بالناس المتوجهين إلى المساجد، بينما تتعالى تلاوات القرآن من داخل البيوت.
أمَّا بعد الإفطار، فتتحول مساجد المدينة إلى فضاءات عامرة بالمصلين، حيث يجتمع الطنجاويون لأداء التراويح، خصوصًا في مساجد مثل “محمد الخامس”، و”الجامع الكبير”، و”مسجد السوريين”، التي تعرف إقبالا كثيفًا.
يقول يوسف، مغربي مقيم في فرنسا: “في باريس، صلاة التراويح موجودة لكن الإحساس مختلف، هنا في طنجة عندما تصلي التراويح تشعر بروحانيَّة خاصة، كأنّ المدينة كلها تدخل في حالة إيمانيَّة جماعيَّة.”
إلى جانب البعد الديني، تشكل العادات والتقاليد جزءًا أساسيًّا من الحنين الذي يدفع الطنجاويين للعودة خلال رمضان.
فمائدة الإفطار الطنجاويَّة، بما تحمله من أطباق أصيلة مثل “الحريرة”، و”الرغايف”، و”بغرير”، و”سفوف”، لا يمكن تعويضها في الغربة، حتى مع توفر المكونات.
تقول فاطمة، مهاجرة طنجاويَّة في إيطاليا: “في المهجر، نحاول إعادة خلق الأجواء، لكن هناك فرقًا كبيرا، في طنجة، الإفطار ليس مجرد وجبة، بل مناسبة اجتماعيَّة حيث يجتمع الجميع حول مائدة واحدة، ويتبادلون الأحاديث، ويتشاركون الذكريات”.
ما يميز رمضان في طنجة أيضًا هو الحيويَّة التي تعيشها المدينة بعد الإفطار، فخلافًا لأيام السنة العاديَّة، حيث تخفت الحركة بعد منتصف الليل، يواصل الطنجاويون سهراتهم الرمضانيَّة في المقاهي والشوارع والأسواق، حيث تمتدّ الجلسات العائليَّة إلى السحور، بينما يفضل البعض الآخر قضاء أوقاتهم في الأحياء العتيقة مثل السوق الداخل، أو بكورنيش المدينة الذي يتحول إلى فضاء مفتوح للعائلات.
في النهاية، رمضان ليس مجرد شهر صيام وعبادة بالنسبة لمغاربة العالم، بل هو فرصة للعودة إلى الجذور واستعادة الدفء العائلي والأجواء التي افتقدوها طوال السنة. ولهذا، يظل رمضان في طنجة موعدًا مُقدّسًا لدى الطنجاويين، لا يمكن تفويته مهما بعدت المسافات.
