تواصل معنا

آخر الأخبار

بعد اكتشاف السراديب الأثرية بالقصبة.. ما أسباب غياب المجتمع المدني عن ملف مآثر طنجة؟

قادت الأشغال الجارية بحي القصبة، بالمدينة العتيقة في طنجة، إلى اكتشافٍ تاريخيٍّ جديد، على يدّ عمَّال الشركة المكلفة بالقيام بعمليات الترميم في المنطقة، حيث عاينوا وجود سراديب تحت الأرض لم تكن معروفة فيما قبل. وكشف العمَّال، عن أنَّ هَذِهِ الممرّات والسراديب تمتدّ لعدّة أمتار، ولها أفرع تحت الأرض، وتقع بالضبط تحت قصبة طنجة الأثرية القديمة.

ورجحت مصادر موقع «لاديبيش»، أن تكون هَذِهِ السراديب من مآثر فترة الاحتلال البرتغاليّ أو الإنجليزيّ لطنجة، كما لم تستبعد أن تكون من إنشاء المغاربة أنفسهم، بعد استرداد قصبة طنجة من قوات الاحتلال الإنجليزي بعد حصارها سنة 1684. وحسب مُختصّين في مجال التاريخ، فإنَّ هَذَا الاكتشاف لا يعد مفاجئة، بالنظر للإرث التاريخيّ العريق لعاصمة البوغاز، الَّذِي احتفت به كبريات المؤلفات في هَذَا المجال.

ومن الملاحظ أيضًا، جهل فئات واسعة من ساكنة طنجة بهَذَا الموروث التاريخيّ، وعدم كفاية الوعي بأهميته الحضاريَّة، ما يطرح إشكالية إهمال الفاعلين المدنيّين للجانب الهوياتي الحضاري للمدينة.

وبشأن تلك المعضلة، صرَّح الناشط الجمعوي، زكرياء أبو النجاة، لموقع «لاديبيش» قائلًا: «بداية وقبل الحديث عن دور المجتمع المدني، واحتمال التقصير في لعب أدواره ومسؤولياته، لا بُدَّ من الحديث عن المعيقات والعراقيل، الَّتِي يعانيها»، حيث إنَّ السلطة قرَّرت «إقصاء المجتمع المدني الجاد»، وسمحت بالعمل فقط لمجتمع مدني على قياسها، يشتغلُ فقط في سياق دور هَذِهِ السلطة وتوجهاته، أمَّا مؤسَّسات المجتمع المدني، الَّتِي قرَّرت أن تضعَ بين رؤيتها، وسياسات السلطتين المعينة والمنتخبة خطًا رفيعًا، فقد تمّ «إقصاؤها ومنعُها من العمل»، وما حركة الشباب الأخضر إلا نموذجٌ شاهدٌ على إقصائهم ومحاولتهم كبح أيّ جمعيةٍ أو توجهٍ يعاكسهم.

إذن فالمسألة مسألة رهينةٌ بمدى وعي السلطات بدور المجتمع المدني أوّلًا، وضرورة وجود خطّ رفيعٍ بينهما، والمسألة الثانية، هي مسألة إرادةٍ لدى الفاعلين الرسميّين في إشراك الجمعيات الجادة في اتّخاذ القرارات، الَّتِي تهُم ساكنةَ المدينة وتاريخها، فنجد مثلًا القرار الغريب بهدم وطمر السراديب المُكتشفة بالمدينة القديمة، وهو أمرٌ يخالفُ رغبةَ ورأي ساكنة طنجة، وفعالياتها وقد عبَّرت عن الموقف، لكن «لا حياة لمن تنادي».

وهنا لا بُدَّ من الإشارة إلى النوعين السائدين في عقلية التسيير، فنجدُ «عقلية المتهاون وإرادته المتراخية»، فلا يهتمُ لهَذِهِ الأمور الَّتِي تعتبرها ساكنة طنجة مساسًا بتاريخها، وبين «عقلية التسيير الذكي»، الَّذِي يزعم مواكبة العصر وإقامة المشاريع والسير في تحريك العجلة الاقتصادية دون الأخذ في الاعتبار رأي الساكنة وتطلعاتها.

و أخيرًا لا بُدَّ من الإشادة بانتقال المواطنين المواكبين للمسألة الحضاريَّة والتاريخيَّة، من وضعية «الإدانة والغضب» إلى وضعية التحرّك الميداني، فما كان ينقص الساكنة قبل معركة حدائق المندوبيَّة، سوى مبادرٍ ومؤطِرٍ وموجهٍ لهم في الاتّجاه الصحيح، كما ساهمت هَذِهِ المبادرة الشابة في تكثيف انخراط الساكنة في معركة الحفاظ على التاريخ والتُّراث اللامادي والدعوة لتثمينه وتطويره وإبرازه عوض طمسه، وقد كان حضور الأطفال عاملًا من عوامل الوعي بهَذِهِ القضية، فاشتُهرت صور الأطفال ومساهمتهم في معركة حدائق المندوبية، وهَذَا ما نُسجله بارتياحٍ كبير، وباطمئنان على تاريخ المدينة.

تابعنا على الفيسبوك