في الواجهة
اليوم العالمي للمرأة.. قصص مؤثرة لنساء مدمنات رفضهن المجتمع واحتضنهن الشارع

وأنت تتجوّل في «عروس الشمال» مدينة طنجة، تجد نفسَك في سعادة كبيرة؛ نظرًا لجماليتها وعاداتها وتقاليدها، فالمدينة تريد أن تحتفي بكلّ زوَّارها وسكَّانها، كيف لا وهي المدينة الَّتِي تُعدُّ ملتقًى للحضارات؛ لكن بالمقابل وأنت تتجوّل في دروبِها وأحيائها الشعبية، ينتابك شعورٌ غريبٌ بالتناقضِ الكبيرِ الَّذِي تعيشه مدينة طنجة أو طنجي أو طنجيس، تناقض يبرز في حجم معاناة شبابها وشباتها.
طنجة، أينما وليت وجهك تجد المُخدّرات، في بعض المقاهي ومحيط المدارس وفي الشوارع والأزقّة، شباب وشابات في مقتبل العمر وجدوا أنفسهم سجناء في عالم الإدمان، بعدما كانوا يعتقدون أنّه سهل التغلّب على المخدّرات والتحكّم فيها، لتصبح هي مَن تتحكّم فيهم، إذ غيرت مسار حياتهم بشكل كبير وبسرعة فائقة.
موقع «لاديبيش 24» وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة، الَّذِي يصادف 8 مارس من كل سنة، ارتأت إنجاز هَذَا الربورتاج بشأن واقع المرأة المدمنة بالمدينة، في البداية واجهتنا بعضُ الصعوبات المُتعلّقة، بإمكانية إيجاد امرأة تحكي عن قصة إدمانها ومعاناتها في المجتمع، لكن أصرّ طاقم الجريدة على خوض هَذِهِ المغامرة، حيث التقينا امرأة تُدعى فاطمة، وهو اسم مستعار، لتحكي لنا قصتها المُؤثّرة جدًا.
فاطمة.. خطأ طبي تسبَّب في تغيير حياتي
فاطمة فتاة أتت من مدينة سيدي قاسم، منذ 15 سنة ماضية، حيث كان عمرها –آنذاك– 18 سنة، فكانت تبحث عن العمل بأحد مصانع المدينة، وهو ما حصل فعملت في البداية بمعمل معروف «للكبلاج»، وكانت حياتها عادية جدًا، فكانت تساعد عائلتها وتُوفّر لنفسها كلّ حاجياتها الضروريَّة، لكن القدر شاء أن يُغيّر حياتها، بعدما سقطت في حبّ أحد زملائها بالعمل، وفي أقل من ستّة أشهر من العلاقة بينهما تزوجا، لكنّ الزواج لم يدم أكثر من سنة، اعتقادًا منهما أنَّها تعاني العقم ولا يمكن لها أن تُنجب، وهو الأمر الَّذِي أكَّده الطبيب عن طريق الخطأ ليتم بعد ذلك الطلاق.
فاطمة مباشرة بعد طلاقها، أصبحت تتعرّض للتحرش كثيرًا بعملها، الأمر الَّذِي فرض عليها الدخول في علاقة أخرى، وهَذِهِ المرة «بالشاف» فبدأت تتردّد على منزل لأحد أفراد عائلته، وفي كلّ مرّة كان يفرض عليها أن تُدخّن معه الحشيش، وأيضًا تشرب معه الخمر، ودامت علاقتهما مدة ثلاث سنوات، إلا أن سقطت في المحظور وحملت منه، حيث نكرها وتركها تُعاني الويلات وحدها، فهي حامل ومدمنة على الحشيش والخمر، ولا أحد يريد أن يُشغّلها، خصوصًا أنَّها حامل.
فاطمة تحكي لنا «أنه فور إنجابها طفلة، بدأت تجول في الخمَّارات والملاهي الليليّة، لعلّها تستطيع أن تجد أشخاصًا يُوفّرون لها المال مقابل الجنس»، وهنا أصبحت مدمنة على الأقراص بكثرةٍ، وأيضًا على مُخدّر الكوكايين، لتجد نفسها أسيرة عالم الإدمان، فكلّ ما تُوفّره من المال يذهب في الإدمان، لدرجة أنَّها لم تعد تهتم بشأن طفلتها، ولا بنفسها. فمع مرور الأيّام أصبحت تجد صعوبات بالغة في إيجاد زبائن ميسورين يُوفّرون لها متطلباتها الماديّة، بسبب إهمالها نفسها، فهي لم تعد تهتم بنظافة جسدها، ولا بملبسها.
فاطمة تضيف والدموع تنهال من عينيها، «لم أعد أعرف نفسي، أشعر أنَّني غريبة عنها، لم أكن أتوقع أنّني أسرقُ من أجل المخدّرات ولا النصب من أجل ذلك، لم أتوقّع يومًا من الأيّام، أن أبحث في قمامة النفايات من أجل الأكل، ولا أن أتسوّل في دروب المدينة بطفلتي من أجل الحصول على النقود، فقد فقدت الأسرة بأكمها الَّتِي رفضتني ولم تعد ترغب في التواصل معي، فقدت الأصدقاء والعمل والأهم كرامتي وإنسانيتي، فكلما أشاهد طفلتي أشعر بالحسرة والندم، فهي لا ذنب لها، واليوم عوض أن تكون في المدرسة وتلعب مع أطفال في سنها، فهي لا تتوفر على الحالة المدنية، ولا على اسم والدها ولا تعرفه أصلًا، كما أنَّها لا تذهب للمدرسة، فأنا من يتحمّل ذنب طفلة، لا تجيد غير التسوّل».
كلام فاطمة مُؤثّر ومُحزنٌ، خصوصًا عندما تحكي عن نظرة المجتمع للمرأة المدمنة، فاطمة تقول: «المجتمع ينظر لنا بحقارة كبيرة، فهو يحتقرنا كثيرًا ويعتبرنا عاهرات ويُحمّلنا المسؤولية، دون أن يحمّلها للرجل الَّذِي كان سببًا في الواقع الَّذِي أعيشه، فقط لأنَّه أناني وكان حيوانًا يريد إشباع رغباته الجنسية فقط، لا يُحمّل المسؤولية للمجتمع الَّذِي يتحمّل جزءًا من المسؤولية».
فاطمة أضافت في معرض حديثها لموقع «لاديبيش 24»، «أنه بالرغم من كونها كافحت مؤخرًا من أجل التوقّف عن الإدمان، فمنذ سنة لم تعد تُدخّن حتّى السيجارة، فما زال الوصم يلاحقها، فأينما حلّت لطلب العمل إلا وقوبل طلبها بالرفض، فلا أحد يريد تشغيلها، كما أنَّ شباب الحي الَّذِي تقطنه ينظرون فيها نظرة دونية، وهو نفس الأمر للجيران، أمَّا الأسرة فلم تعد تجمعها بها أي شيء بالرغم من أنَّها حاولت كثيرًا التواصل معهم، وطلبت منهم أن يغفروا لها خطأها وأن يسمحوا لها، أو على الأقل يتبنون طفلتها، فلا حياة لمَن تنادي، فلم يعد لها سوى الله تدعو له وتشكو واقعها» حسب حد قولها.
أسماء.. بسبب الإدمان أصبحت غير مرغوبة في المجتمع
أسماء ابنة مدينة طنجة، تبلغ من العمر 30 سنة، أيضًا تحكي لموقع «لاديبيش 24» قصتها مع الإدمان. أسماء كانت تدرس بإحدى المدارس الخاصة، وكان بعض التلاميذ يُنظّمون الحفلات، كانت تذهب مع صديقها، وهناك بدأت تأخذ بعض الأقراص المنشطة «اميديا» وأيضًا تشرب الشيشة، الأمر الَّذِي تسبَّب لها في الانقطاع عن الدراسة، بعد وفاة والدها لم تعد تجد من يصرف عليها، فاضطرت للخروج إلى الشارع، وفي ليالي طنجة وملاهيها كان ما كان.
أسماء تقول، إنَّها كانت تمتلك صوتًا رائعًا، وكانت تُغنّي في بعض الحانات، الأمر الَّذِي جعلها تتعرّف على العديد من الزبناء الَّذِينَ كانت ترافقهم على منازلهم، وتقضي معهم ليالي حمراء مملوءة بشرب الخمر والكوكايين والأقراص وغيرها، لتجد نفسها مُدمنة لا تستطيع أن تعيشَ دون الحشيش والخمر والكوكايين.
أسماء تحكي لنا، أنَّ الإدمان حوَّل كلَّ شيء في حياتها، فلم تعد تلك الفتاة الجميلة الَّتِي يخاطب ودّها كلُّ الرجال، فهي لم تعد تهتم بمظهرها، فالجري نحو مادة المخدر، أفقدها كلَّ شيء جميل في حياتها، لدرجة لم تعد تجد مكانًا يأويها غير الشارع، حيث تلتحف الكارطون للنوم عليه. ولم تعد تجد شيئًا تأكله فهي تبحث عن الفتات فقط لتأكل منه.
أسماء تقول، إنَّ المجتمع تنكّر لها، فلا أحد يرغب في الحديث معها أو التواصل معها، لهَذَا أصبحت إنسانة غير مرغوب فيها، في مجتمع ذكوري، مجتمع مليء متشبع بالتناقضات، فليس كل ما يقال حقيقة.
نسرين.. أحببته فأصبحت مدمنة على المخدرات
نسرين فتاة في الـ20 من عمرها، مدمنة على أقراص «إكستازي»، تُؤكّد في تصريحها لموقع «لاديبيش 24»، أنَّ علاقةً غراميةً تسبَّبت لها في دخولها عالم الإدمان، «فتعرّفتُ على شابٍ كان يعمل معي، ووقعتُ في حبّه، ومع مرور الوقت كان يطلب مني أخذ بعض الأقراص لكي نشارك في بعض الحفلات، ومع مرور الوقت وجدت نفسي مُدمنةً».
نسرين تقول، «إنّ قصتي ليست بالغربية، فهي نفس قصص العشرات من الفتيات بطنجة، اللواتي سرعان ما يصبحن ضحايا؛ لأنَّهن فقط وقعن في الحبّ، الأمر الَّذِي يجعلنا نُغلّب القلب على العقل». وأضافت: «إنَّني لم أصل بعد مرحلة الإدمان الَّذِي يفقدني عائلتي وإنسانيتي وكرامتي، لكن بالمقابل لم أستطع التغلب عليه نهائيًا، ولم أستطع الخروج والتوقّف نهائيًا على الإدمان، لكن ما يمكن أن أسجّله هو تعامل الرجل ونظرته للمرأة المدمنة، فهي نظرةٌ دونيةٌ تخفي الكثير من الاستحقار مع العلم، أنَّ للرجل سببًا رئيسًا في هَذَا الإدمان».
