آخر الأخبار
المندوبية السامية للتخطيط أخرجتها من قائمة الجهات الأكثر تضررًا خريطة الفقر والهشاشة بالمغرب.. هل ابتعدت جهة طنجة – تطوان – الحسيمة عن منطقة الخطر؟

في المغرب يوجد 6 ملايين و170 ألف شخص إما فقراء أو في وضع هشاشة، هذا هو آخر معطى كشفت عنه المندوبية السامية للتخطيط قبل أيام، في مذكرة إخبارية بشأن البحث الوطني المتعلق بمستوى معيشة الأسر، إذ أظهر أنَّ جهة طنجة – تطوان – الحسيمة تبدو أفضل نسبيًّا من جهات أخرى سجَّلت أرقامًا أسوأ من العدل الوطني.
ومع ذلك، فإنَّ أرقام الفقر والهشاشة في جهة الشمال، التي تمَّ توثيقُها رسميًّا خلال السنوات الأخيرة، التي تضم عددًا من المشروعات الاقتصاديَّة الكبرى في المنطقة، مثل ميناء طنجة المتوسطي ومصنع “رونو” للسيّارات، التي تتمتّع بإمكانات كبيرة سياحيًّا وفلاحيًّا وتجاريًّا، وتحتاج إلى وقفة تأمّل للتحقّق من مدى مطابقتها للواقع.
- فقراء الشمال.. نحو 3% من الساكنة
ويُظهر تصنيف الجهات حسب نسبة الفقر المطلق في سنة 2022، أنَّ خمس جهات سجلت معدل فقر أعلى من المعدل الوطني المتمثّل في 3,9%، ليس من بينها جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، ويتعلق الأمر أوّلًا بجهة فاس – مكناس مُسجّلة نسبة 9%، جهة كلميم – واد نون بنسبة 7,6%، وبني ملال – خنيفرة بنسبة 6,6%، وجهة درعة – تافيلالت، بنسبة 4,9%، والجهة الشرقية بنسبة 4,2%.
وتضمُّ جهة فاس – مكناس أكبر عدد من الفقراء، بحسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط، بما مجموعه 401.000، وتبلغ مساهمتها النسبية في الفقر المطلق 28,9%، تليها جهة بني ملال – خنيفرة بنسبة 12,3%، ثم جهة مراكش – آسفي بـ11,1%. وفي المجمل فإنَّ هذه المناطق الثلاث تضمُّ ما يقارب 52% من السكان الذين يعيشون حالة الفقر المطلق في المغرب.
وفي المقابل، فإنَّ جهة الشمال، حسب التقرير، مُصنّفة ضمن الجهات التي يقل فيها معدل الفقر المطلق عن المعدل الوطني، ويتعلّق الأمر بجهة الداخلة – وادي الذهب التي سجلت أقل معدل للفقر بـ0,5%، تليها جهة العيون – الساقية الحمراء بنسبة 0,7%، وجهة الدار البيضاء – سطات بـ1,6%، وجهة الرباط – سلا – القنيطرة بـ2,4%، ثم جهة طنجة – تطوان – الحسيمة بـ2,9%، وجهة مراكش – آسفي بـ3,2%، وجهة سوس ماسة بنسبة 3,6%.
أمَّا بالنسبة لمؤشر حدّ الهشاشة، الذي يقيس خطر وقوع الأسر تحت عتبة الفقر، بسبب عدم قدرتها على مواجهة آثار الصدمات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، أو تجاوز أي وضعية اقتصاديَّة مُعقّدة، فنجد أيضًا حضورًا لجهة طنجة – تطوان – الحسيمة لكن خارج قائمة الجهات الأكثر هشاشة.
وذكر التقرير نفسه، أنَّ الجهات التي سجَّلت معدلات هشاشة أعلى من المعدل الوطني البالغ 12,9%، هي أوّلًا جهة بني ملال – خنيفرة، بمعدل 24,5%، تليها جهة فاس – مكناس بنسبة 19%، ثم جهة درعة – تافيلالت بنسبة 17,3% وجهة سوس – ماسة بنسبة 14,5%.
بينما سجَّلت معدلات الهشاشة الدنيا بكلّ من جهة الداخلة – وادي الذهب بنسبة 2,9%، تليها جهة الدار البيضاء – سطات بنسبة 7,9%، ثُمّ تأتي جهة طنجة – تطوان- الحسيمة بنسبة 8,4%، تليها جهة كلميم – واد نون بنسبة 10,4%، ثم جهة العيون – الساقية الحمراء بـ10,5%، ثم مراكش – أسفي بـ 11,6%، ثم الجهة الشرقية بنسبة 11,9% ، ثم جهة الرباط – سلا – القنيطرة بـ12,8%.
ويقول التقرير، إنَّه إجمالًا، تعرّض نحو 2,93 مليون شخص إضافي إلى الفقر والهشاشة، بما مجموعه 790 ألف شخص انضافوا إلى قائمة الفقراء أو 2,14 مليون شخص انضافوا إلى قائمة الأشخاص في وضع هشاشة، خلال الفترة ما بين 2019 و2022، وهكذا، وبمعدل انتشار للفقر والهشاشة معا بلغ 16,8% سنة 2022 مُقارنةً بـ9% سنة 2019 و17,1% سنة 2014، فإنَّ المغرب قد ضيّع ما يقرب من سبع سنوات من التقدّم نحو القضاء على الفقر والهشاشة.
وظلّت وضعية الجهة الشمالية للمملكة أفضل من جهات أُخر غيرها، خصوصًا على مستوى الفقر المتعدد الأبعاد، الذي يتجاوز قياس الفقر النقدي، إلى جوانب أخرى من ضروريات العيش الكريم، كالولوج إلى الخِدْمات الصحية والتعليم والبنيات التحتية الأساسية الاجتماعية، مثل الماء والكهرباء والتطهير.
فعلى المستوى الجهوي، انخفض مستوى الفقر متعدّد الأبعاد بشكلٍ كبيرٍ في جميع الجهات على مدى العقدين الماضيين، لا سيَّما في جهات طنجة – تطوان – الحسيمة، والشرق، والرباط – سلا – القنيطرة، وسوس – ماسة، والدار البيضاء – سطات، ومراكش – أسفي، و درعة – تافيلالت، حيث تجاوز متوسط الانخفاض السنوي نسبة 10%، وفي التقرير ذاته.
وفي المقابل، وعلى الرغم من هذا التراجع، تظلّ جهة بني ملال – خنيفرة وجهة فاس- مكناس، الأكثر فقرًا في سنة 2022 بمُعدّل فقر يفوق 10% ويصل على التوالي إلى 11,6% و 10,4%، وتضمُّ هاتان الجهتان وحدهما أكثر من 40% من السكان الذي يعيشون تحت وطأة الفقر المتعدّد الأبعاد.
- تحسّن نسبي وطني وتباين جهوي
وأنجزت المندوبية السامية للتخطيط بحثًا وطنيًّا بشأن مستوى معيشة الأسر، بين مارس 2022 ومارس 2023، لدى عيّنة من 18 ألف أسرة تُمثّل مختلف الفئات السوسيو اقتصادية وجميع جهات المملكة، الذي يأتي بعد بحث مُماثل أنجز سنة 2014 وآخر جزئي سنة 2019، ليُقدّم نظرة مُحيّنة للديناميكيات الاجتماعية والاقتصادية التي تميّز المجتمع المغربي.
ويتبيَّن من خلال هذا البحث، وَفْق المذكرة الصادرة بتاريخ 17 فبراير 2025، أنَّ المستوى المعيشي للأسر قد تحسّن هيكليًّا، ولكن دون أن يصاحب هذه الديناميكية تقليص في الفوارق، فالسياسات الاجتماعية كان لها تأثيرٌ ملموسٌ على تقليص الفقر، غير أنَّ الفئات الاجتماعية غير المستهدفة من هذه السياسات ازدادت هشاشتها، ما تسبَّب في زيادة نسبة الأسر التي تُواجه خطر السقوط في الفقر، وذلك، ولأول مرة، على الصعيدين الحضري والقروي على حد سواء.
وكشفت الوثيقة عن تحسّن المستوى المعيشي للمغاربة بتحسن ملحوظ بين 2014 و2019، ثم تباطؤه بين 2019 و2022، خلال فترة (كوفيد -19)، إذ انتقل متوسط النفقة السنوية للأسر، بين سنتي 2014 و2022، من 76.317 درهمًا إلى 83.713 درهمًا على المستوى الوطني، ما يعادل 95.386 درهم في الوسط الحضري و56.769 درهم في الوسط القروي.
وعلى المستوى الفردي، انتقل متوسط النفقة السنوية للفرد من 15.876 درهم سنة 2014 إلى 20.658 درهم سنة 2022، وباعتبار الأسعار الثابتة، ارتفعت النفقة السنوية للفرد بمعدل سنوي قدره 1,1% بين سنتي 2014 و2022، منتقلًا من 3,1% بين سنتي 2014 و2019 إلى ناقص 3.1% بين سنتي 2019 و2022.
وحسب المذكرة فقد ارتفعت حصة “النفقات الغذائية” من إجمالي ميزانية الأسر من 37% سنة 2014 إلى 38,2% سنة 2022، كما انتقلت حصة النفقات الخاصة بالسكن والطاقة من 23% إلى 25,4%، ومن 2,7% إلى 3,9% بالنسبة للوقاية ومن 2,2% إلى 2,6% بالنسبة للتواصل.
وفي المقابل، انخفضت حصّة النفقات المتعلّقة بـ”الرعاية الصحية” من 6,1% إلى 5,9% ومن 7,1% إلى 5,8% بالنسبة للنقل، ومن 3,2% إلى 2,3% بالنسبة للتجهيزات المنزليّة، ومن 1,9% إلى 0,5% بالنسبة للترفيه والثقافة.
- فوارق اجتماعية متفاقمة
وسجَّل التقرير تفاقم الفوارق الاجتماعيَّة واستقرار الفوارق المجاليَّة بين سنتي 2014 و2022، إذ سجَّل مستوى معيشة فئة 20% من الساكنة الأقل يسرًا ارتفاعًا سنويًّا بنسبة 1,1%، ويعزى هذا الارتفاع إلى زيادة قدرها 3.9% خلال الفترة الممتدة بين 2014 و2019، وانخفاض بنسبة ناقص 4.6% بين 2019 و2022.
أمَّا بالنسبة لـفئة 20% الأكثر يسرًا، فقد تحسَّن مستوى معيشتهم سنويًّا بنسبة 1,4% خلال الفترة من 2014 إلى 2022، بنسبة 2,8% بين 2014 و2019، فيما عرف انخفاضًا قُدّر بناقص 1,7% بين 2019 و2022.
وفيما يخصُّ الفئة الوسيطة من السكان، فقد ارتفع مستوى معيشتها بنسبة 0,8% بين 2014 و2022، إذ شهد ارتفاعًا بنسبة 3,3% بين 2014 و2019، وتراجعًا بناقص 4,3% بين 2019 و2022.
وخلصت المذكرة إلى أنَّ الفئات الأكثر فقرًا والفئات الأكثر يُسرًا عرفت تحسُّنًا عامًا في مستوى معيشتها، في حين لم تستفد الطبقة المتوسطة بالوتيرة نفسها سواء من ثمرات النمو أو من سياسات إعادة التوزيع المعتمدة. وفي هذا السياق، تفاقمت الفوارق في مستوى المعيشة، التي تُقاس بمؤشر “جيني” بين سنتي 2014 و2022، إذ انتقل هذا المؤشر من 39,5% إلى 40,5%، بعدما سجَّل انخفاضًا سنة 2019 بلغ 38,5%.
أمّا فيما يتعلق بالفجوة بين الوسطين الحضري والقروي، التي تُقاس بنسبة متوسط مستوى المعيشة لدى سكان المدن مقارنة بنظرائهم في القرى، فقد ظلَّت في المستوى نفسه، خلال سنتي 2014 و2022 بمعدل 1,9 مرة، بعد أن تقلصت إلى 1,8 مرة سنة 2019.
وكشفت معدلات الفقر والهشاشة، وفق ما جاء في التقرير، عن الوضع الأفضل نسبيًّا لجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، مقارنة بجهات أخرى في المملكة، وتحدثت الوثيقة عن انخفاض معدل الفقر المطلق، على العموم، بين سنتي 2014 و2022، إذ انتقل من 4,8% إلى 3,9% بعد أن سجل 1,7% سنة 2019.
وقد شهد الوسط القروي الاتجاه نفسه، إذ انخفض معدل الفقر من 9,5% سنة 2014 إلى 6,9% سنة 2022، بالمقابل، عرف الوسط الحضري ارتفاعًا طفيفًا في معدل الفقر، إذ انتقل من 1,6% سنة 2014 إلى 2,2% سنة 2022. وفي المجمل، بلغ العدد الإجمالي للفقراء على الصعيد الوطني، سنة 2022، نحو 1,42 مليون شخص، من بينهم 512 ألفًا في الوسط الحضري و906 آلاف في الوسط القروي.
أمّا على المستوى الجهوي، في سنة 2022، سجلت خمس جهات معدلات فقر تفوق المتوسط الوطني المتمثل في 3,9%، ليس منها جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، وتتصدَّر قائمة هذه الجهات جهة فاس – مكناس، بمعدل فقر يصل إلى 9%، تليها كلميم – واد نون بنسبة 7,6%، ثم بني ملال – خنيفرة بـ6,6%، ودرعة – تافيلالت 4,9%، وجهة الشرق بـ4,2%.
- تباين في توزيع الدخل
أمَّا الهشاشة، التي تشير إلى مدى تعرض الأسر لخطر الوقوع في الفقر في حال غياب شبكات الأمان التي تُمكّنها من مواجهة الصدمات الاقتصادية والاجتماعية، فقد سجَّل معدلها ارتفاعًا طفيفًا، إذ انتقل من 12,5% سنة 2014 إلى 12,9 في المئة سنة 2022، بعدما بلغ 7,3% سنة 2019.
وفي الوسط القروي، فبقي معدل الهشاشة شبه مستقر، إذ بلغ 19,2% سنة 2022 مقابل 19,4% سنة 2014، على عكس الوسط الحضري، الذي سجّل ارتفاعًا في مستوى الهشاشة، وانتقل من 7,9% سنة 2014 إلى 9,5% سنة 2022.
وقد بلغ عدد الأشخاص الذين يعانون الهشاشة الاقتصادية في سنة 2022 حوالي 4,75 مليون شخص، من بينهم 2,24 مليون في الوسط الحضري و2.51 مليون في الوسط القروي، وبذلك يمكن القول إنَّ الهشاشة أصبحت ظاهرةً تتمركز –أساسًا- في الوسط الحضري، ففي سنة 2022، ما يقارب نصف عدد الأفراد المُصنّفين في وضعية هشاشة بنسبة 47,2% هم من سكان المدن، مقابل 36% سنة 2014.
ووَفْق المندوبية السامية للتخطيط فقد عرف الفقر متعدد الأبعاد تراجعًا كبيرًا، إذ انخفضت نسبته من9,1% سنة 2014 إلى 5,7% سنة 2022، وقد كان هذا الانخفاض أكثر وضوحًا في الوسط القروي، وتراجع المعدل من 19,4% إلى 11,2%، في حين انتقل من 2,2% إلى 2,6% في الوسط الحضري.
ويتَّضح على المستوى الجهوي، أن أعلى معدلات الفقر المتعدد الأبعاد بمعدل يفوق 10%، سجَّلته كلٌ من جهة بني ملال – خنيفرة بنسبة 11,6% وفاس – مكناس بنسبة 10,4%، إذ تضمُّ الجهتان حوالي 40% من إجمالي السكان الذين يعانون الفقر متعدّد الأبعاد.
وبخصوص الدخل الأسري، بلغ متوسط الدخل السنوي للأسر بالمغرب 89.170 درهم على المستوى الوطني، 103.520 درهم في الوسط الحضري و56.047 درهم في الوسط القروي، وعلى المستوى الفردي، بلغ متوسط الدخل السنوي للفرد 21.949 درهما سنة 2022، وهو أعلى بـ2,1 مرة في الوسط الحضري بـ26.988 درهما، مُقارنةً بالوسط القروي الذي سجل 12.862 درهما.
فعلى الصعيد الوطني، سجَّل التقرير، أنَّ ما يقارب 7 أسر من كل 10 بنسبة 71,8% لديها دخل سنوي أقل من المتوسط الوطني، مع تفاوت واضح بين الوسطين الحضري الذي سجل 65,9% والقروي بـ85,4%.
تُعدُّ الأجور المصدر الرئيسي لدخل الأسر، إذ تُمثّل 35,1% من إجمالي الدخل، وتُمثّل هذه النسبة 36,4% في الوسط الحضري و29,5% في الوسط القروي، كما تُشكّل التحويلات العمومية والخاصة نسبة 21,3% من إجمالي الدخل، منها 22,8% في الوسط الحضري و15,1% في الوسط القروي.
