تواصل معنا

آخر الأخبار

المدينة تعاني خروقات متزايدة لحوادث السير كضريبة لتزايد السكان والأنشطة الاقتصادية

حوادث السير تزايدت في ظل سطوة الدراجات الناريَّة ونقل العمال.. هل أصبح الأمن الطرقي في طنجة على المحك؟

 

قبل سنوات قليلة، كانت مدينة طنجة -وعلى غرار معظم مدن شمال المملكة- تُصنّف في خانة أكثر المدن احترامًا لقوانين السير، كما كان يُضرب المثل بجودة طرقاتها وشوارعها، لكن تدريجيًّا أضحت المدينة تدفع ضريبة باهظة جرَّاء نموّها المتنامي وتحوّلها إلى ثاني أهمّ قطبٍ اقتصاديٍّ في المملكة، إلى جانب الانفجار الديمغرافي الَّذِي باتت تعيش تبعاته الإيجابيَّة كما السلبيَّة، حيث أصبح ثاني أكبر مدينة مغربيَّة من حيث عدد السكّان بما يُقارب 1،3 مليون نسمة.

مدينة طنجة الآن، أصبحت أميل للمدينة الفوضويَّة على مستوى السير والجولان، حيث مُنبّهات السيَّارات تُسمع في كلّ وقتٍ وحين وسط الشوارع المكتظّة بالسيارات، أمَّا الدراجات الناريَّة وسيَّارات الأجرة وحافلات النقل العمال والنقل السري والدراجات ثلاثيَّة العجلات، فأصبحت تفرض قوانينها الخاصّة، الَّتِي لا تُراعي أيَّ قاعدة من قواعد المرور، في حين أضحى من الطبيعي رؤية حوادث السير بشكلٍ يوميٍّ العديد منها تُؤدّي إلى سقوط أرواحٍ أو إلى إصابات بالغة الخطورة، حتَّى صار الأمن الطرقي بطنجة مجرد إشاعة.

  • الدراجات النارية.. الفوضى التامة

بتاريخ 24 دجنبر 2024، كانت منطقة الحرارين التابعة لمقاطعة بني مكادة، على مُوعد مع حادثة سير مميتة، حين اصطدم سائق دراجة ناريَّة ثلاثيَّة العجلات «تريبورتور» مع سائق دراجة ناريَّة، الأمر الَّذِي أدَّى إلى وفاة هَذَا الأخير، بعدما أُصيب بنزيفٍ حادٍّ، حيث فارق الحياة في عين المكان وقبل أن تتمكَّن سيارة الإسعاف من الوصول إليه، الأمر الَّذِي أعاد إلى الواجهة ظاهرة انتشار هَذَا النوع من وسائل النقل في شوارع مدينة طنجة، والتصرُّفات المتهوّرة الَّتِي يُقدم عليها سائقوها الَّتِي لم تعد تخفى على أحدٍ.

هَذِهِ الحادثة لم تكن الأولى من نوعها، ففي منتصف يوليوز الماضي، وفي عزّ الازدحام الَّذِي كانت تشهده مدينة طنجة، خلال فصل الصيف، فُجعت أسرة طفل يبلغ من العمر 14 عامًا فقط، بوفاة ابنها بأحد أنفاق شارع الجيش الملكي (طريق الرباط) بعدما كان يستقل دراجةً ناريَّةً رفقة شاب آخر، ونتيجة السرعة المُفرطة اصطدمت بجدار النفق، ما أدَّى أيضًا إلى إصابة شخصين آخرين، وهي فاجعةٌ انضافت إلى مسلسلٍ طويلٍ من الفواجع الَّتِي شهدتها شوارع المدينة وأزقتها.

وقبل هاتين الحادثتين، كانت هناك العديد من الحوادث الأخرى المُفجعة، ففي شهر يونيو مثلًا، انتهى المطاف بشابين كانا يستعملان دراجتهما الناريَّة في أداء الحركات البهلوانيَّة وسط الشارع العام، بحادثة سير عنيفة جعلتهما ينقلان إلى المستشفى على وجه السرعة، أحدهما في حالة حرجة، وبعدها بأيّام نُقل شابان، فتًى وفتاة، إلى المستشفى مجددًا، بعدما اصطدما بسيارة بينما كانا يستقلان دراجة ناريَّة، أمَّا في شهر ماي الماضي وتحديدًا في محجّ محمد السادس قرب شاطئ طنجة، فقد أدَّت حادثة سير بين سيارة ودراجة ناريَّة إلى وفاة سائق هَذِهِ الأخيرة في عين المكان.

وعلاقة شوارع طنجة بحوادث الدراجات الناريَّة، فاقت كلّ الحدود، لأنَّه أصبح من الطبيعي أن يصادف الراجلون والسائقون على حدّ سواء، وبشكل مُتكرّر، حوادث وسط الشارع العام يكون أحد ضحاياها -على الأقل- سائق دراجة ناريَّة، والأمثلة الَّتِي سقناها ليست سوى حوادث وقعت في فترة زمنيَّة بسيطة لا تتجاوز بضعة أشهر الأخيرة من سنة 2024، ويُمكن تصنيفُها في خانة الحوادث المفجعة، أمَّا الحوادث الَّتِي حدثت قبل ذلك، وتلك الَّتِي تنتهي بالصلح أو بعدم ذهاب الضحايا إلى المستشفى، فهي أكبر من ذلك بكثير.

ولا يحتاج الملاحظ إلى كثيرٍ من الذكاء لفهم لماذا أصبح سائقو الدراجات الناريَّة من الأسباب الرئيسيَّة لتراجع سلامة مستخدمي الشارع في طنجة؟ إذ بالعين المُجرّدة يمكن لأي كان أن يلاحظ جملةً من التجاوزات الَّتِي تضرب في الصميم ضوابط السير مدونتها، وتقذف بشروط السلامة عرض الحائط، ما يُفسّر الأعداد المتزايدة من الضحايا الَّذِينَ يسقطون قتلى أو جرحى.

جولة بسيطة في شوارع مدينة طنجة، ستمكّن المتجوّل لكن معاينة دراجات ناريَّة يمتطيها شخصان و3 أشخاص، وسيرى أنَّ هناك سائقين يُركبون معهم أبناءهم الصغار دون مراعاة الخطر الَّذِي يُهددهم، بل إنَّ امتطاء الدراجة الناريَّة دون خوذة الرأس الواقيَّة أصبح هو الأصل بالنسبة للعديد من السائقين الشباب، أضف إلى ذلك أنَّ أصحاب الدراجات الناريَّة يعتبرون أنفسهم غير معنيين بقوانين السير، إذ أصبح من غير المستغرب أن تراهم يسيرون في الاتّجاه المعاكس أو على الأرصفة أو لا يحترمون الإشارات الضوئيَّة، بالإضافة إلى تسببهم في فوضًى كبيرةً لسائقي السيَّارات من خلال التجاوز الممنوع والمفاجئ، كلّ ذلك في ظلّ علامات استفهام كبيرة حول مدى صرامة شرطة المرور في التعامل مع هَذِهِ الوضعيَّة الَّتِي لم تعد خافيَّة.

وفي منتصف أكتوبر 2024، قال وزير النقل واللوجيستيك السابق، محمد عبد الجليل، إنَّ «تشخيص حوادث السير خلال السنوات الأخيرة، أفضى إلى بروز إشكاليَّة الدراجات الناريَّة، ثنائية وثلاثيَّة العجلات»، مبرزًا أنَّ نسبة الوفيات في صفوف مستعملي هَذِهِ الفئة، من نسبة مجموع القتلى، انتقلت من 28،20% سنة 2015 إلى 44،2% من مجموع عدد القتلى سنة 2023.

  • السبرينتر.. وحوش الطريق

مدينة طنجة، باعتبارها مدينة صناعيَّة وثاني أكبر مدن المملكة من حيث عدد السكان، تُؤدّي ضريبة كبيرة على ذلك عبر طرقاتها، الَّتِي أصبحت تعجّ بعربات النقل السري وحافلات نقل العمال المعروفة بـ«السبرينتر»، الَّتِي يجمع معظم سكان المدينة على أنَّها تُمثّل أخطر وسائل النقل على الإطلاق، بسبب سرعتها المفرطة وتعمد سائقيها خرق قوانين السير بهدف ربح الوقت، الأمر الَّذِي حوَّلها إلى ما يشبه المقاتلات الَّتِي تعمل على حصد الأرواح.

وفي 7 نونبر الجاري، كانت منطقة الحرارين على موعد مع كارثة حقيقية، حين اصطدمت حافلة لنقل العمال مباشرة بحافلة أخرى مماثلة كانت قادمة في الاتجاه المعاكس، الأمر الَّذِي أسفر عن إصابة مجموعة من العمّال، الَّذِينَ كانوا في طريقهم للعمل خلال المناوبة الليلية، قبل أن يجدوا أنفسهم مجبرين على الذهاب إلى المستشفى، وهو أمر أعاد إلى الأذهان العديد من حوادث السير المماثلة الَّتِي تسبَّبت فيها تلك الشاحنات خلال السنوات الماضيَّة، إذ لا يكاد يخلو شهر واحد من مثل هَذِهِ الفواجع الَّتِي يكون خلفها سائقون لا يبدو أنَّهم يحملون همًّا لا لشرطة المرور ولا لكاميرات المراقبة.

وإذا ما تحدَّثنا عن النقل السري أيضًا، نتذكّر حادثة وقعت في عز الصيف الماضي وبالتحديد في يوم 25 عشت 2024، حين اصطدمت حافلة للنقل السري كانت تسير بسرعة مُفرطة سيارة شخصيَّة وبدراجة ناريَّة ثلاثيَّة العجلات لنقل البضائع «تريبوتور»، الأمر الَّذِي أدَّى إلى وفاة شخصين في عين المكان ونقل 20 شخصًا على الأقل إلى المستشفى بعدما أصيبوا إصاباتٍ متفاوتة الخطورة، أمَّا سائق الحافلة، الَّذِي أجمع الكثيرون على أنَّه كان يسوق برعونة ويضرب قوانين السير عرض الحائط، فقط فرّ من عين المكان حالًا.

وتكفي جولة في شوارع مدينة طنجة، خصوصًا خلال فترة الذروة، وفي أوقات تغير فترات المناوبة داخل المعامل، للوقوف على فظاعة الواقع الَّذِي يتسبّب فيه أولئك السائقون، فمن الطبيعي أن تراهم وهم يتسابقون من أجل الوصول بسرعة مُتعلّلين بأنَّهم يتعرَّضون للضغط من طرف شركة النقل ومسؤولي المعامل، وهو أمر يُمثّل بالفعل إكراهًا حقيقيًّا يتحوَّل إلى مغامرةٍ غير محمودة العواقب تتربّص بأرواح المستخدمين من جهة وباقي مستعملي الطريق من جهة أخرى، وقائمة الضحايا في طنجة مليئة بالراجلين بمَن فيهم الأطفال، الَّذِينَ قضوا نحبهم بعدما صدمتهم إحدى تلك الحافلات.

ورغم ذلك، فإنَّ أولئك السائقين أيضًا يتحمّلون المسؤولية المباشرة تجاه ما يحدث، إذا وسط شوارع طنجة يمكن رؤيتهم وهم يقودن بكثير من اللامبالاة، بحيث أصبح عدم احترام الإشارات المروريَّة أمرًا عاديًّا بالنسبة لهم، وكذلك عدم احترام ممرات الراجلين والسياقة في الاتجاه العكسي وحتَّى فوق الأرصفة والمدارات، بل إنَّه في العديد من الأحيان، خصوصًا ليلًا، يمكن للسائقين الآخرين مصادفة قافلة من حافلات نقل العمال وهي تتسابق فيما بينها.

الأخطر من ذلك، هو أنَّ هَذِهِ العدوى لم تعد تقتصر فقط على حافلات نقل العمال والنقل السري وحتّى النقل المزدوج، الَّذِينَ دافع عنه من داخل البرلمان مؤخرًا وزير النقل واللوجستيك الجديد عبد الصمد قيوح، بل إنَّ الأمر أصبح يشمل سائقي سيارات النقل المدرسي كذلك، الَّذِينَ لا يستوعبون أنَّهم يحملون أطفالًا على متن عرباتهم، ويخلون بدورهم في سباق مع الزمن من أجل إيصالهم إلى المنزل أو المدرسة في أسرع وقت، دون الانتباه للإشارة المروريَّة ودون أدنى اعتبار لقوانين السير.

  • طرق في حاجة إلى إعادة النظر

حوادث السير في المغرب ما زالت تُشكّل تحديًّا كبيرًا بالنسبة للسلطات في جميع مدن المملكة، وهو ما تكشف عنه الأرقام الصادرة أسبوعيًّا عن المصالح الأمنيَّة، فعلى سبيل المثال، نجد أنه خلال الأسبوع الممتد من 11 إلى 17 نونبر الجاري لقي 36 شخصًا مصرعهم وأصيب 2787 آخرون بجروح، إصابات 126 منهم بليغة، في 2148 حادثة سير سجلت داخل المناطق الحضريَّة.

ووراء تلك الفواجع نجد مُسبّبات يلاحظها الجميع في مدينة طنجة، إذ حسب بلاغ للمديريَّة العامة للأمن الوطني فإنَّ الأسباب الرئيسيَّة المؤديَّة إلى وقوع هَذِهِ الحوادث، حسب ترتيبها، تعود إلى عدم انتباه السائقين، وعدم احترام حقّ الأسبقيَّة، والسرعة المفرطة، وعدم انتباه الراجلين، وعدم ترك مسافة الأمان، وعدم التحكم، وعدم احترام الوقوف المفروض بعلامة «قف»، وتغيير الاتجاه غير المسموح به، وتغيير الاتجاه دون إشارة، والسير في يسار الطريق، وعدم احترام الوقوف المفروض بضوء التشوير الأحمر، والسياقة في حالة سكر، والسير في الاتجاه الممنوع، وكذا التجاوز المعيب.

وبخصوص عمليات المراقبة والزجر في ميدان السير والجولان، يضيف بلاغ الأمن الوطني، تمكَّنت مصالح الأمن من تسجيل 51 ألفًا و23 مخالفةً، وإنجاز 9 آلاف و359 محضرًا أحيلت على النيابة العامة، واستخلاص 41 ألفًا و664 غرامة صلحيَّة، في حين بلغ المبلغ المتحصل عليه 9 ملايين و137 ألف درهم، وأشار البلاغ إلى أن عدد العربات الموضوعة بالمحجز البلدي بلغ 4 آلاف و797 عربة، وعدد الوثائق المسحوبة 9 آلاف و359 وثيقة، وعدد المركبات الَّتِي خضعت للتوقيف 336 مركبة.

ومع ذلك، لا يمكن الحديث عن أسباب حوادث السير في طنجة دون استحضار البنيَّة التحتيَّة الطرقي، لأنَّ المدينة أصبحت تعاني تراكمات تفاقمت على امتداد العقود، تتطلَّب تكاتف جميع المتدخلين من سلطة حكوميَّة ومُكلّفة بالنقل وبالتجهيز، ومن مجالس منتخبة، من أجل إعادة هيكلة الطرق بشكل شامل، الَّتِي تُعاني العديد منها اهتراءً وتقادمًا، أو من الافتقار لعلامات التشوير الأفقيَّة والعموديَّة، بالإضافة إلى ضرورة إعادة النظر في بعض الأمور مثل مخفضات السرعة الاصطناعيَّة الَّتِي يفترض أنَّها مُخفّضات للسرعة، الَّتِي في الحقيقة لا تتلاءم مع المعايير المنصوص عليها قانونا، أو أنَّها تعرضت للتآكل حتَّى أصبحت -في حد ذاتها- مُشكلةً.

المجلس الجماعي لطنجة من جهته، كان قد بادر إلى إيجاد بعض الحلول للتغلُّب على مشكلة تقادم الطرقات وبروز الحفر فيها، حيث أعلن العمدة منير ليموري، خلال دورة ماي العاديَّة، أنَّ مسألة الحفر الَّتِي ظهرت في شوارع المدينة تُوجد ضمن قائمة الأولويات بالنسبة لمؤسَّسة الجماعة، وهو ما أعاد تأكيده خلال الندوة الصحفيَّة، الَّتِي تلت الدورة، وبالتالي التزم أمام الرأي العام المحلي والوطني بتجاوز الأمر خلال الأسابيع القليلة الموالية، مع التنبيه إلى أنَّ المشكلة مرتبطة بعوامل خارجة عن إرادة المجلس، بما في ذلك التساقطات المطريَّة الَّتِي تهاطلت بغزارة على المدينة.

وأعلنت مذكرة إخباريَّة صادرة عن جماعة طنجة بتاريخ 10 ماي 2024، أنَّ هَذِهِ الأخيرة شرعت في عملية صيانة شاملة للطرق، مُؤكّدةً إبرام الصفقة الأولى في هَذَا المجال بغلاف مالي يصل إلى 8.475.600 درهم، وشدَّدت الوثيقة على أنَّ هَذِهِ الصفقة لن تكون المشروع الوحيد الَّذِي تطلقه الجماعة لإصلاح الشوارع، حيث ستتلوه مجموعةٌ من الصفقات تهمُّ العديد من الفضاءات العموميَّة في مختلف مقاطعات المدينة، حتّى تتجاوز المدينة مُشكّلة الحفر انطلاقًا من فصل الصيف، وبما يتلاءم وقيمة الاستحقاقات الَّتِي ستشهدها المدينة مستقبلًا.

ويأمل الكثير من الطنجاويين أن تكون كأس إفريقيا 2025، الَّذِي ستكون مدينة طنجة من بين المدن المحتضنة له وستوفر له أكبر ملعب خلال البطولة، من المحطّات الَّتِي ستُعجّل بإعادة النظر في وضعيَّة العديد من شوارع طنجة، بما في ذلك الرئيسيَّة والجانبيَّة، خصوصًا أنَّ المدينة مقبلة أيضا مستقبلًا على العديد من مشروعات البنيات التحتيَّة، الَّتِي تهم الاستعداد لاحتضان المملكة كأس العالم 2030 بشراكة مع إسبانيا والبرتغال، على غرار الأنفاق الجديدة في شارعي الجيش الملكي ومولاي رشيد، وخط الحافلات السريع «الباص واي»، الَّتِي ستفرض تغيير مسار السيَّارات من الشوارع الكبرى إلى الشوارع الفرعيَّة، وهو أمر يتطلَّب الاستعداد له من الآن بما يلزم من إصلاحات وإعادة تأهيل واعتماد علامات التشوير، ولم لا أيضًا كاميرات مراقبة السرعة ورصد تجاوزات السائقين بمختلف أنواعها.

تابعنا على الفيسبوك