القانون والناس
المبتزّ والابتزاز.. أي قانون يؤطر؟

في خضم ما يشهده الواقع المعيشي من ابتزازات بشتّى أصنافها، شملت جميع القطاعات، انطلاقًا من الابتزاز العاطفي للشحّات إلى الابتزاز المالي لحارس السيّارات لابتزاز المهني لموظفي الدولة، كلّ من موقعه يمارس جميع أنواع الضغوطات النفسيّة والاقتصاديّة ووو، ناهيك عمَّا خلفته آفة «كورونا» من تدهور أخلاقي، وعرَّت عن القشرة الَّتِي كان المجتمع المغربي مظللًا تحتها.
إن كان مجرد مرورك بشارع ما وسط المدينة تجد مَن يمدّ يده يطالبك بإكرامية متحججًا بظروف المجتمع، وكأنّه وحيدًا يمرُّ منها، وإن لم تستجب فستتعرض للسبّ والشتمّ أو الدعاء هَذَا أضعف الإيمان، بيد أنّ الأمر الأكثر استفزازًا هو المُوظّف الَّذِي يُحدّد ساعات عمله بطريقته الخاصة وطريقة عمله، غير مكترث لأيّ كان وكأنّه لا مراقب له في الدنيا ولا الآخرة، إن احتججت عن عدم أدائه خدمته، فهو قادر أن يقلب الطاولة عليك ويُقلّدك وسام الجريمة ودعوى قضائية بإهانة مُوظّف في أثناء تأدية عمله.
أما إن كانت لهم تنسيقيّة، الَّتِي ابتعدت كلَّ البعد عن دورها الأساسي في حماية حقوق المُوظّف، بل سارت على نهج انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، أليس هناك أي قانون يفعل ضد هؤلاء؟ هل مصالح المجتمع والفرد أصبحت متوقفة على مزاجية الموظف؟ أليس هناك قانون يُحدّد عدم استعمال الهاتف داخل أماكن الوظيفة العمومية ووقت الدوام؟ هل يجب أن تُثبت كلّ خرق قانون عن طريق محضر لمُفوّض قضائي، الَّذِي من المستحيل سيُحرّره ضد وظائف مرتبط مصالحه بها؟
إن كان الابتزاز العاطفي غير مجرم والابتزاز المهني مالي يُعدُّ رشوة، فإنه يجب على المُشرّع أن يعمل جاهدًا على عدم سنّ تشريعات غير نافعة واقعيًا، بل تجنيد مراقبين على جميع موظفين مختلف القطاعات لتنزيل الفصل (154) من الدستور، الَّذِي ينص على أنه: «يتم تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها، والإنصاف في تغطية التراب الوطني، والاستمرارية في أداء الخدمات».
تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية الَّتِي أقرها الدستور. فأين هي هَذِهِ المحاسبة إن كان موظف الدولة لديه ساعة لتناول وجبة الفطور وساعة للغذاء وساعتان للصلاة وساعة ونصف لخدمة مصالح أحبابه وأصحابه؟
باستقرائنا للفصل (156) من الدستور، نجد أنّه ينص على أنه تتلقى المرافق العمومية ملاحظات مرتفقيها واقتراحاتهم وتظلماتهم وتؤمن تتبعها، تقدم المرافق العمومية الحساب عن تدبيرها للأموال العمومية، طبقًا للقوانين الجاري بها العمل، وخضع في هَذَا الشأن للمراقبة والتقييم لكنه يبقى التساؤل مطروحًا، عن أيّ قانون معمول به هل قانون الموظف أم قانون الوظيفة العمومية؟
