تواصل معنا

مقالات الرأي

الشاعر نزار والمكياج الثقافي بين زمنين

صرَّح الشاعر السوري الراحل «نزار قباني» ذات مرّة، في أحد حواراته المتلفزة، أنّه تفوّه بكلمة خطيرة في مرحلة ما، مفادها بأنّه أصبح من الواجب على المرأة أن تضع مكياجًا حتّى يحبّها هو، ويضع شرطًا لهَذَا الحب بأن تضع مكياجًا ثقافيًّا، مُؤكّدًا أنَّ ليس باستطاعته حب امرأة جميلة وغبيّة في ذات الوقت، ومستشهدًا أنَّ عصره يضم أسوأ مصدر لمصادر الشِّعر، وهن ملكات جمال العالم، لأنّها تحتوي على جميع مقاييس الجمال، بشروط العصر، لكنّ عقلها لا يتجاوز 05 سنتيمات، وقد أكَّد في ذات الحوار، أنّ ما يعنيه في المرأة، هو الدفاع عن فكرها معتقدًا أنه طوال الخمسين سنة، الَّتِي قضاها، كان يحمل قضية المرأة على أكتافه، وقاتل من أجلها، وفي سبيل قضيتها، لكنَّها في عزّ هَذِهِ المعركة والاقتتال تركته وذهبت إلى محلات الكوافير.

وقد ظلّ الحال على ما هو عليه إلى يومنا هذا، وما زال المظهر الخارجي يشكل الدور الأساس لانتقاء كلّ الأصناف سواء البشرية أو المادية، وأضحى المكياج «وطبعًا ليس المكياج الثقافي» سيّدَ كلّ المواقف، فإن تعذر على الأهل إصلاح الأبناء، سارعوا إلى وصفات مكياجية لتخطي الأزمة بسرعة ودون عناء، وإن تعذّر إصلاح أي قطاع تفنن أهله في در المكياج عليه وتجاوزه، حتّى أصبح العالم كلّه يتحرّك في فلك محلات الكوافير، كل ينتقي وصفات لنفسه وبحسب معياره، ولك أن تقيس حجم ما وصلنا إليه، بمجرد أخذ جولة داخل فضاءات التواصل، الَّتِي حجبت بمكياجها كلّ مكياج، وعوضت الناس عن الَّذِي فقدوه في عالم الواقع.

بزمننا اليوم، ما زالت هناك فئات من الناس تقاتل من أجل ذات القضية، التزود بالمكياج الثقافي، والتركيز على إصلاح الفكر، وخوض معارك ومعارك للقضاء على مخلفات مكياج الكوافير، الَّذِي يذهب عند الاغتسال، وما زالت كذلك بعض الفئات الَّتِي تؤيدك في الاقتتال، وتتنحى جانبًا موليًا وجهتها إلى محلات الكوافير، من أجل اقتناء مسكات جديدة تتلون بتلون الزمان والمكان.

تابعنا على الفيسبوك