سياسة
السياسي «البطالي» بمدينة طنجة.. كيف قضت السمسرة والبلطجة على نبل العمل السياسي

تعاني مدينة طنجة ظاهرة متنامية تتمثَّل في وجود عددٍ كبيرٍ من السياسيين ممن يجوز تصنيفهم «بطاليين»، هؤلاء الذين لا يمارسون عملًا بشكل مستدام، يعيشون في ظل انعدام الرؤية السياسية -وحتى الشخصية أحيانًا- ما يُؤثّر سلبًا في أداء المؤسَّسات المحلية بشكل أو بآخر، ويعكس صورة غير قاتمة عن الحياة السياسية في المدينة.
ويشمل الحديث عن هذه الظاهرة مجموعة من الممارسات السلبية التي تُؤثّر في المجتمع «الطنجاوي»، مثل السمسرة والتجزيء السري والبلطجة السياسية، ما يستدعي الذهاب بعيدًا في تسليط الضوء على هذه الممارسات.
وتصنف السمسرة كواحدة من الممارسات الشائعة بين هذا النوع من «السياسيين»، إذ يسعى بعضهم إلى تحقيق مكاسب شخصية من خلال الوساطة في صفقات مشبوهة، عبر توظيف هؤلاء لمواقعهم قصد تحقيق مصالح خاصة، بدلًا من خدمة الساكنة، ما يُؤدّي إلى تفشّي الفساد وزيادة الفجوة بين المواطنين والمؤسَّسات المنتخبة.
وتبرز هذه السلوكيات انعدام الوعي بأهمية العمل السياسي الجاد، إذ يُفضّل هؤلاء الانغماس في تحقيق أي ربح سريع وبأي طريقة على حساب المصلحة العامة. كما يمثل التجزيء السري شكلا آخر من أشكال الفساد، التي تميّز بعض «السياسيين» في طنجة.
وتستعيد أذهان كثير من الطنجاويين العهود كان يتم فيها تقسيم المشاريع أو الصفقات الكبيرة إلى أجزاء صغيرة تمنح لأشخاص أو شركات معينة، مما كان يتيح لهم فرصة الاستفادة من الموارد العمومية بطرق غير مشروعة.
إن مثل هذه السلوكيات أدت بشكل كبير إلى إضعاف موقف الأحزاب والمؤسسات المنتخبة، وعززت من ثقافة المحسوبية، وعرقلت تسريع عملية التنمية، وأدت إلى تبديد كثير من الأموال العمومية بعيدا عن تحقيق أي نتائج أو إنجازات.
كما باتت «البلطجة السياسية» أيضًا من بواعث القلق في مجالس هذه المدينة، حيث يلجأ بعض هؤلاء «السياسيين» إلى استخدام القوة أو التهديد لتحقيق أهدافهم، سواء من خلال الضغط على المنافسين أو التأثير في القرارات، ما يفضح التركيبة الذهنية والنفسية لمقترفي هذه الممارسات حيث ينعدم لديهم أي نوع من أنواع الاحترام لحقوق الآخرين، حيث يُعزّز هؤلاء مناخ الخوف والقلق ضمن هذه المجالس و في عموم المجتمع.
وتُعدُّ هذه التصرفات بعيدة كل البعد عن مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث يفترض أن تكون المنافسة السياسية قائمة على الاحترام المتبادل وتغليب المصلحة العامة.
وتشهد طنجة في ظل غياب السياسيين الفاعلين، معاناة كثير من المواطنون من نقص في الخدمات الأساسية، والإحباط من عدم تحقيق التغيير الذي يسعون إليه، وتزايد مشاعر الاستياء من الوجوه الانتخابية متعددة الأقنعة، حيث ينظر الكثيرون إلى «السياسيين» على أنهم منفصلون عن همومهم اليومية، مما يؤدي إلى تراجع الثقة في المؤسسات.
إن تفشي هذه الممارسات في الحقل الحزبي والمؤسساتي بات يُشكّل مصدرًا للقلق، ومهددًا الخيار الديمقراطي في البلاد، وهوما يستدعي تطبيق سياسات صارمة لمحاربة الفساد، كما يجب أن تكون هناك آليات فعّالة لمراقبة أداء السياسيين، وتفعيل آليات المحاسبة اللازمة في حق من يثبت تورطه في ممارسات غير قانونية.
كما يجب تشجيع النخب الجديدة على الانخراط في العمل السياسي، ما يساهم في تجديد الدماء في الساحة السياسية.
علاوةً على ذلك، يُعدُّ التعليم والتوعية من الأدوات الأساسية لضمان مشاركة فعّالة من قبل المواطنين في الحياة السياسية، كما يجب على المجتمع المدني أن يؤدي دورًا مهمًّا في توعية الناس بحقوقهم وواجباتهم، مما يُعزز من إمكانية تحقيق التغيير الإيجابي.
ويُظهر واقع السياسيين البطاليين في طنجة أنَّ هناك حاجة ملحة لإعادة النظر في سبل التصدي لهذا النوع من الممارسات، من خلال تعزيز الشفافية والمساءلة، حتّى تتمكن المدينة من استعادة ثقتها في مؤسساتها، وتضمن حقوق المواطنين، وتحقق التنمية المستدامة التي تطمح إليها.
