تواصل معنا

مقالات الرأي

الرغبة في الهجرة غير الشرعية مؤشر حقيقي على خطورة الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد

أنوار المجاهد

إنَّ المواطن المغربيَّ لن يجرؤ على المخاطرة بحياته وإلقاء نفسه في البحر، إلا إذا كان يعاني تهديدًا اقتصاديًا أو اجتماعيًا حقيقيًا أو في حالة تمزّق وغياب أفق وفقدان الأمل في واقع مشرق، المواطن لن يجرؤ على هجر وطن تربّى وترعرع فيه إلا إذا أيقن أنّه ببقائه يقتل نفسه ببطء، ينهي مستقبله بيده، يحطّم أحلامه في كلّ ثانية ينتظر فيها أن ينجلي الليلُ ويبزغ الفجرُ، بكلّ بساطة فقدان شعارات مثل «نحن نبني الشباب والشباب يبني الوطن، والشاب قاطرة التنمية وقلب المغرب»، قيمتها وانكشاف زيف شعارات الأحزاب الإداريّة، أدّى بالشباب إلى التفكير بالهجرة نحو بلدان تُقدّر حكوماتها أهمية الشباب في الهرم السكانيّ، إنَّ الرغبة في الهجرة –ولو بهامش نجاح قليلٍ جدًّا– ينبغي اعتباره مؤشرًا حقيقيًّا على خطورة الأوضاع الأمنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة في البلاد.

لا ينفي أحد أنَّ الهجرة تبقى حلمًا بشريًا لأيّ كائن على وجه المعمورة، فالإفريقي يرغب في الهجرة نحو أوروبّا، والأوروبيّ يحلم بالهجرة نحو آسيا، والآسيوي يحلم بالهجرة نحو أمريكا، والأمريكي يحلم بالهجرة نحو أيّ وجهة يختارها، سياق الكلام يأتي في إطار رغبة عشرات الآلاف من المغاربة والأفارقة المنحدرين من جنوب الصحراء، الهجرة نحو إسبانيا سباحة من الفنيدق نحو سبتة، وبعدها في اتّجاه مملكة «لاروخا»، إلا أنَّ الهجرة في هَذَا الصدد غير شرعية قرَّر خوضها هَؤُلَاءِ المهاجرون فارين من واقع يعكس هشاشة بينياته الأيديولوجية والأخلاقيّة، ويؤكد فشل النماذج التنموية وكذا عجز الحكومات المتعاقبة على المغرب، الَّتِي لم تُوفّر للشباب ظروفًا إنسانيّة تجعلهم ينأون بأنفسهم عن المخاطرة بأرواحهم من أجل الهجرة إلى دول أوروبيّة، يطلق عليها «الفردوس» لتوفر الحقوق والكرامة والعدالة الاجتماعيّة بها، فارين من ظروفٍ معيشيةٍ قاسية أصبحت أكثر صعوبة منذ دستور 2011.

يومان فقط كانا كافيين حتّى ننقل للعالم صورةً بشعة عن المغرب، الَّذِي حقَّق انتصاراتٍ متتاليّةً على مستوى الدبلوماسية الخارجيّة، وصلت حد الوقوف ندًّا لندٍ أمام كبريات الدول بدعم أمريكي–إسرائيلي، الَّذِي توّج بالاعتراف بمغربية الصحراء، دون الحديث عن تحوّل المملكة إلى أكبر صانع للسيّارات على مستوى دول إفريقيا، منافسًا بذلك دولًا ضمن تكتل الاتّحاد الأوروبي، كلها انتصارات لم تنعكس على واقع الشاب المغربي الَّذِي لا يزال يتخبّط ما بين الحصول على وظيفة أو منزل أو حتّى حقّ من حقوقه الأربع المتمثلة في: «التعليم، والصحة، والسكن، والشغل» إنَّ مشاهد الهجرة الَّتِي غزت منصات التواصل الاجتماعي العالمية، وأصبحت مادةً دسمة لمجموعة من الصحف الدولية، تنذر بأزمة داخلية عميقة، تغطي على جميع الشعارات المرفوعة بشأن تقليص الفوارق الاجتماعيّة وإيلاء اهتمام للمشاريع المدرّة للدخل بالنسبة للشباب، ولا يمكن بأي حال أن نرجع سبب الوجود الكثيف للشباب والنساء والأطفال والقاصرين بمدن الفنيدق إلى أي سياسة تبريريّة أو نحاول تغطية الحقيقة المرّة، بعدما سبقهم أزيد من 8000 شخص إلى المدينة الواقعة بشمال إفريقيا، الَّتِي يقول عنها الاتّحاد الأوروبيّ إنَّها حدودٌ أوروبيّةٌ مع المغرب، كما أنَّ توافد الآلاف من هَؤُلَاءِ ونزوحهم نحو مدينة سبتة ليس لوعيهم بسياسة مدّ القدمين، كما صرَّح بذلك وزير حقوق الإنسان المغربي، الَّذِي سكت ظهرًا ونطق جهلًا، جهلًا بأسباب محاولة المهاجرين الهروب من المغرب، واكتفى بالتفاخر بأنَّ المغرب وظَّف القاصرين في صراع سياسيّ، احتجاجًا على استقبال إسبانيا لزعيم جبهة البوليساريو، بل الحقيقة أنَّ قوارب الموت أصبحت تجذب الشباب المغربي نحو فكرة الهجرة؛ لتحسين الوضع الاجتماعي، بمن فيهم النساء والشيوخ وحتّى الأطفال.

البطالة والتهميش اللذان يميزان حياة بعض الشباب والشابات ليسا السبب الوحيد وراء تنامي الهجرة السرية في المغرب، كثير من الشباب مفتونون بأوروبّا ويعتقدون أنَّها أرض أحلامهن وسعادتهن، خصوصًا مَن يحمل فكرًا علمانيًا ويؤمن أنَّ الدول يجب أن تختار نهج العلمانية كاختيار لتنزيل الديمقراطية الحقيقيّة عن طريق تلقين الوطنية الحقيقيّة، وليس تلك الَّتِي تتلون بتلون المصالح الشخصية لمروّجي شعارات «العام زين».

إنَّ تصريحات الشباب الَّذِينَ كانوا موجودين بسبتة، أكَّدت كلّها أنَّ السبب وراء الهجرة سببٌ اقتصاديٌ صِرْف، دفعهم الفقر والجوع، إلى تجربة حظّهم وحتّى بعد أن تعذّر عليهم ذلك توعدوا بإعادة الكرة مرّة واثنين وثلاثة وألفًا، حتّى يتحقّق المراد أو يقضون نحبهم في أعماق المضيق.

تابعنا على الفيسبوك