مقالات الرأي
الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة

عندما كتب ابن بسَّام مؤلفه الشهير المسماة اختصارًا عند الباحثين والدارسين بـ«الذخيرة» كان يقصد من وراء تأليفه هَذَا، أن يظهر مكانة أهل بلده ومحاسنهم، وقد بناه بلغة مسجوعة جمع فيها وأوعى كلّ ذي خصلة حسنة عند أهل الجزيرة، وما زال المُؤلّف إلى اليوم يُعدُّ عمدة ما أنتج في هَذَا الباب، على الرغم من حبسه اليوم بين رفوف المكاتب والخزانات ولا يلجأ إليه إلى في الدراسات والأبحاث العلمية والأكاديمية.
والأصلح هو التعريف بهَذَا المؤلف؛ لتعم فائدته وتشحن الهمم والعزائم للنبش في تراث أهل الأندلس، وما خلفوه من نصوصٍ في شتى مجالات العلوم، وحتّى لا ينتشر بين الناس أن الدرس الأندلسي قد تجازوه الزمن وحصر في تخصّصات محدودة، وأنه قد قتل بحثًا كما يدعي البعض.
تعود أهمية كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة لابن بسَّام الشنتريني إلى ثلاثة أمور، فهو كتاب يُؤرّخ فيه لأدباء الأندلس وشعرائها، ثم إنّه كتاب من كتب المختارات الَّتِي تكشف عن ذائقة مؤلفه، وهو كتاب يجتمع فيه مُؤرّخ الأدب والناقد الأدبي. ويُعدُّ المصنف من الكتب القيّمة، فهو يُشكّل موسوعة أدبيّة بالغة القيمة تعرف بأدب الأندلس في مرحلة إثبات الوجود، والرغبة في عدم الذوبان في آداب أهل المشرق.
وقد ألفه أبو الحسن علي بن بسَّام الشنتريني، من أعلام الكُتَّاب والنقاد الأندلسيّين في القرنين الخامس والسادس الهجريّين. ولد بجزيرة شنترين، وإليها نُسب، في أسرة ميسورة الحال، عنيت بتربيته وتعليمه. وأظهر ابن بسَّام قدرًا من الموهبة الأدبيّة منذ الصغر، وبدأ يكتب الشعر والنثر فلفت الأنظار إليه.
وسأغتنم هَذِهِ الفرصة لنشر سلسلة من المقالات الخاصة بهَذَا الكتاب بدءًا من مقدمة المؤلف وانتهاءً بطرح نماذج من الأعلام المترجم لهم في الشعر والأدب وشتّى أصناف العلوم، لربط الصلة بعدوة الأندلس وللتذكير بهَذِهِ المصنفات الَّتِي بدأ الإهمال يتسرَّب إليها بعد ان انكبت الأنظار كلها إلى مجاراة ما يتم إنجازه في العصر الحديث والتهافت على العناوين الجديدة، الَّتِي لا ترقى إلى مقام هَذَا السجع المنثور لابن بسام وباقي المصنفات الأندلسية النفيسة.
