القانون والناس
الحرائق والأمن الغابوي بين القانون والواقع

في خضم ما شهده شمال المغرب من حرائق متتالية لأغلب غاباتها، تساءل المواطن المتضرّر من حقه في رفع دعوى التعويض عن الأضرار، الَّتِي طالته وستطاله مستقبلًا، فالملك الغابوي هو ملك للدولة، وبالتالي فهو ملك لكلّ مواطن! فما الدولة إلا كيان يستمد كينونته من الأشخاص والأشياء المنتمية إليه؟!
فإن كان الملك الغابوي يجد موقعًا له ضمن الأملاك الخاصة للدولة، فإنّه يتميّز عن هَذِهِ الأخيرة بنظام خاصّ يحميه، ويجعله في منأى عن كلّ تطاول أو استغلال بغير وجه حقّ. فهو وعاء عقاري ذو طبيعة خاصة، أفرده المُشرّعُ المغربيُّ بمجموعة من المميزات المستمدّة من الإطار المُنظّم للأملاك العامّة للدولة على الرغم من كونه يدخل ضمن ملكها الخاصّ، كما أوكل مهمّة تدبيره إلى إدارة المياه والغابات.
وتتجلّى الطبيعة الخاصّة للنظام القانوني للملك الغابوي، في كونه هَذَا الأخير غير قابل للتفويت مبدئيًا، كما لا يمكن الحجز عليه أو اكتساب ملكيته بالتقادم، الأمر الَّذِي يجعله أقرب إلى نظام الملك العام للدولة. وفي المقابل نجد أنَّ المُشرّعَ قد أجاز بصفة استثنائيَّة مجموعة من العمليات الَّتِي يمكن أن يخضع لها الملك الغابوي للدولة، خروجًا عن القواعد العامّة. ذلك أنه يمكن فصله عن النظام الغابوي، وأن يكون محل مقايضة عقارية، كما يمكن كذلك أن يكون موضوع احتلال مؤقت بشروط معينة. والغاية من ذلك هو حمايته من الأطماع المتنامية ومحاولات الترامي عليه عبر إخفاء معالم القرينة الغابوية.
فما هي إذن طبيعة القواعد القانونيَّة المؤطرة للملك الغابوي بالمغرب؟ وما محل المُشرّع المغربي من الإعراب من المسؤولية الجنائية لهَذِهِ الحرائق؟! وأين الأمن الغابوي خاصّة أنَّ تنظيم هَذَا النوع من المجالات ببلادنا يتميّز بالتأرجح بين نظامي الملك العامّ والخاصّ للدولة كنظامين متباينين لكل واحد منهما أحكامه وضوابطه.
إن الملك الخاصَّ للدولة شأنه شأن الملك الخاص للأفراد، يمكن التصرّف فيه بجميع أنواع التصرفات القانونيَّة، غير أنَّ ملكها الغابوي يشذ عن هَذِهِ القاعدة بمقتضى الفصل الثاني من ظهير 10 اكتوبر 1917 بشأن المحافظة على الغابات واستغلالها الَّذِي ينص في فقرته الأولى على أنه: «لا يمكن بيع الملك المخزني الغابوي، ولا يتأتى استخراجه من النظام الغابوي إلا لفائدة المصلحة العمومية».
من خلال هَذَا النصّ، يتبيّن أنَّ الملكَ الغابويَّ للدولة يعتبر مبدئيًا غير قابل للتفويت، وذلك على عكس الأملاك الخاصّة غير الغابويّة المملوكة للدولة، الَّتِي يمكن لهَذِهِ الأخيرة التصرّف فيها على غرار الخواص بعيدًا عن القواعد المرتبطة بالمنفعة العامّة، وبالتالي تعد عدم القابلية للتفويت إحدى خصائص الملك الغابوي الَّتِي تميّزه عن باقي الأملاك الخاصّة للدولة.
فهَذِهِ الخاصية تُمثّل حجر الأساس في تقرير نظام الملكية العامة للمياه والملكية الغابوية لفائدة الدولة –كأحد الأنظمة العقارية ببلادنا– ومن دونها تبقى هَذِهِ الموادّ عرضة إلى مجموعة من التصرّفات التعسفية وغير العقلانيَّة، وكذا لنزوات ذوي النيات السيئة.
يتبع
