آخر الأخبار
التهور أصبح طاغيًا في شوارع المدينة ووفيات تزايدت سرعة والسلطات تعاني لضبط المخالفين

كلفت الجماعة حوالي 5 ملايير ونصف
هل تكون كاميرات المراقبة حلا لـ”حرب الطرق” في طنجة؟
منذ بداية سنة 2025، كانت مدينة طنجة على موعد مع عددٍ قياسيٍّ من حوادث السير الداميَّة، التي أفضت مجموعة منها إلى سقوط أرواح، مثلما حدث مؤخرًا في النفق تحت الأرضي لمنطقة بني مكادة، إذ اصطدمت سيارة مسرعة بالجدار ما أدَّى إلى وفاة شابتين على الفور ونقل شخصين آخرين إلى المستشفى في وضع حرج، وقبلها بأيّام حين صدم شاب سيدتين كانتا تعبران شارع مولاي رشيد بالقرب من السجن المحلي “سات فيلاج”.
هو واقع مرير إذن، بدأت تبرز العديد من المجهودات من أجل وضع حدّ له، وفي مقدمتها نشر الكاميرات في العديد من الشارع، في عملية تتدخّل فيها العديد من المؤسَّسات، وكلَّفت في شرطها الأول جماعة طنجة لوحدها ما يقارب 5 ملايير نصف المليار سنتيم، في محاولة لضبط حركة المرور قبل أشهر من احتضان المغرب لكأس أمم إفريقيا 2025، وهي محاولة ينتظر الطنجيون نتائجها لمعرفة ما إذا كانت ستُشكّل بالفعل رادعًا للعديد من المتهورين.
- كاميرات في كل مكان
دخول كاميرات المراقبة إلى الفضاء العام، عملية تشرف عليها جماعة طنجة ضمن مجموعة من المتدخلين العموميين الآخرين، إذ أصبح من الضروري الاعتماد عليها خلال المرحلة المقبلة من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف المُسطّرة المتعلّقة أساسًا بخلق درجة عالية من الأمن ومكافحة مظاهر الجريمة والانحراف، إلى جانب تنظيم حركة المرور التي تُعاني فوضى عارمة وحالات تهور تؤدي إلى حوادث سير داميّة، بالإضافة إلى التمكّن من الوصول إلى المخالفين وتنزيل العقوبات المقررة قانونًا في حقّهم.
وقد أعلنت جماعة طنجة، بتاريخ 11 فبراير 2025، عن رصد 54 مليون درهم لتوسيع شبكة كاميرات المراقبة بالفضاء العام وتنظيم حرك السير والجولان، وذلك في إطار اتِّفاقية شراكة بقيمة إجمالية تصل إلى 136 مليون درهم، بمساهمة عددٍ من الفاعلين المؤسساتيين، وهو الأمر الذي تم الإعلان عنه تزامنًا مع دورة شهر فبراير 2025 العادية، لكن لا يمكن فصله عن جملة من الأوراش التي تشهدها المدينة في الآونة الأخيرة، استعدادًا لاحتضان كأس أمم إفريقيا ابتداءً من شهر دجنبر المقبل.
وحسب ما أعلنته الجماعة، فإنَّ الأمر يرتبط بتحقيق 4 أهداف أساسية، أولها تعزيز الأمن بالفضاءات العامة من خلال تركيب أنظمة مراقبة بالكاميرات، وتحسين التشوير الطرقي وتثبيت أضواء المرور لتنظيم حركة السير والجولان، بالإضافة محاربة المخالفات القانوني وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وكذا تنظيم وقوف مركبات توصيل البضائع، وهو مشروع لم يبدأ العمل عليه اليوم، فقد كانت جماعة طنجة قد كشفت عن الشروع فيه من خلال بلاغ صادر بتاريخ 11 يوليوز 2024.
وتحدّد الاتفاقية التي دخلت حيز التنفيذ، اعتبارًا من تاريخ التوقيع عليها من لدن جميع الأطراف، مدة إنجاز المشروعات المدرجة فيها، خلال ثلاث سنوات ما يعني أن العمل في هذا المشروع انطلق الآن، لكنه سيستمرُّ إلى ما بعد كأس أمم إفريقيا، ما يمكن فهمه على أنَّه إشارة إلى ارتباطات المشروع كذلك بكأس العالم 2030 المقرر في المغرب وإسبانيا والبرتغال، ابتداءً من تاريخ التأشير على الاتِّفاقية، وإلى جانب مجلس جماعة طنجة، تضمُّ الاتفاقية كلًّا من وزارة الداخلية، ولاية ومجلس جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، ووكالة تنمية أقاليم الشمال.
إلا أنَّ الاعتماد على منظومة كاميرات المراقبة بالنسبة لجماعة طنجة، بدأ أبكر من ذلك التاريخ أيضا، إذ إنَّه بتاريخ 13 ماي 2024، أعلنت الجماعة أنَّها رصدت إسهامًا بقيمة 14 مليون درهم، لتمويل مشروع توسيع شبكة نظام كاميرات المراقبة بالفضاء العام بطنجة، وكذا عمليات الصيانة ومستلزمات البنية التحتية الشبكاتية والكهربائية المرتبطة بها، ويأتي إسهام الجماعة في تمويل هذا المشروع العام الذي تبلغ الكلفة الإجمالية لإنجازه ما قيمته 56 مليون درهم، في إطار اتفاقية الشراكة المتعددة الأطراف التي تمت المصادقة عليها خلال أشغال الدورة العادية لشهر ماي 2024.
وحينها أوضحت الجماعة، في بلاغها، أنَّ المشروع له علاقة مباشرة بضبط حركة المرور في شوارع المدينة، حيث أوردت أنَّه يهدف إلى تجهيز الفضاءات العامة بأنظمة المراقبة بالكاميرات قصد تمكين مصالح المديرية العامة للأمن الوطني من ضبط وتدبير السير والجولان وزجر المخالفين ومحاربة الجريمة المرتبكة في الشارع العام، وكذا حماية الممتلكات العامة.
ويسهم في تمويل إنجاز المشروع أيضًا كلّ من وزارة الداخلية عبر المديرية العامة للجماعات الترابية بقيمة 28 مليون درهم، ومجلس جهة طنجة – تطوان – الحسيمة بمبلغ 14 مليون درهم، وتتولى وكالة تنمية أقاليم الشمال إنجازه، وتقرّر أن يتمَّ في إطاره تثبيت نظام المراقبة بالفضاء العام لمدينة طنجة، ويشمل الأمر حوالي 533 كاميرات مراقبة، مع إنجاز شبكة الألياف البصريَّة والكهربائيَّة والبنيَّة التحتية الخاصة بالكاميرات على امتداد 20 كيلومترًا في 111 نقطة مراقبة، إضافة إلى تجهيز قاعة المراقبة الخاصة بأنظمة المراقبة بمقر تابع لولاية أمن طنجة بالأجهزة اللازمة للاستغلال الأمثل للنظام وكذا تهيئة وتجهيز مركز البيانات المرتبط بها.
- اتجاه وطني عام
ويتّجه المغرب إلى تعميم تجربة كاميرات المراقبة المخصصة لضبط حركة المرور في جميع المدن المغربية خلال السنوات المقبلة، الأمر الذي كشفت عنه الحكومة رسميًّا مؤخرًا، وذلك من أجل توثيق التجاوزات التي تشهدها الشوارع، الأمر الذي يمكن معاينتُه في مدينة طنجة، حيث إنَّ العديد من أضواء المرور التي تمَّ تثبيتها حديثًا من أجل تخفيف الازدحام وتقليص الفوضى التي تشهدها المدارات، تم إرفاقها بكاميرات مراقبة لضبط المخالفين من سائقي السيارات والدراجات النارية الذين لا يتوقفون عند الإشارة الحمراء.
وكشف وزير التجهيز والماء، نزار بركة، خلال عرض أمام البرلمان بخصوص إجراءات السلامة بالطرق السيارة المغربية، أنه عُمّمت المراقبة بالفيديو على طول الشبكة مع كاميرات من الجيل الجديد، وفق التصريحات التي نقلتها على لسانه وسائل إعلام وطنية، مضيفا أنَّه تم العمل على تسييج ووضع كاميرات مراقبة فوق القناطر التي توجد على طول الطريق السيار.
وأورد الوزير بركة في عرضه، خلال مناقشة تقرير المهمة الاستطلاعية حول الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب، أمام لجنة البنيات الأساسية في مجلس النواب، أنَّ عدد كاميرات المراقبة على مستوى محطات الأداء والمقاطع التي تعرف حركة سير كثيفة، التي وضعتها الشركة خلال العشر سنوات الأخيرة، بلغ 2000 كاميرا، معلنًا عن شروع الشركة في برنامج لتعزيز تجهيزات المراقبة بواسطة كاميرات من الجيل الجديد، بناءً على معايير الأولوية والميزانيات المتاحة.
وحسب ما جاء على لسان الوزير المكلف بالتجهيز، فإنَّ مراقبة حركة السير تتم عبر غرفة المراقبة المركزية، وغرفتين جهويتين للمراقبة، و10 مراكز ترابية موزعة على كلّ الشبكة، تضمن المراقبة على مدار اليوم 24 ساعة على 24 وذلك وفق خطة الطوارئ.
وعلى مستوى مدينة طنجة، أشرفت ولاية جهة طنجة – تطوان – الحسيمة، منذ شهر يناير الماضي، على إطلاق مشروعات جديدة لتنظيم حركة السير والجولان، بما يشمل إشارات مرور متطورة مرتبطة بكاميرات مراقبة ذكية، التي يتمحور دورها بشأن أمرين أساسيين، الأول هو ملاحظة فترات الذروة وضبط حدة التدفقات في الشارع والمدارات للتعامل معها بأفضل طريقة ممكنة، والثانية هي ضبط المخالفين المتورطين في عدم احترام الإشارات الضوئية أو القيام بتصرفات طائشة.
ومع ذلك، فإنَّ هذه المجهودات تبقى أوّليَّة من أجل التغلب على الارتفاع المتزايد في حوادث السير، المرتبط بالنمو الديموغرافي المتسارع لمدينة البوغاز، الأمر الذي يمكن فهمه من خلال تصريحات رئيس المجلس الجماعي لطنجة، منير ليموري، في حواره مع وكالة المغرب العربي للأنباء شهر ماي الماضي، حين ربط الأمر أيضًا بضرورة تحسين شبكة النقل الحضري والبنية التحتية.
واعتبر عمدة طنجة أنَّ تركيب منظومة الأضواء الذكية للتشوير الطرقي في أهم الشوارع والمدارات بالمدينة يُعدُّ إجراءً مُهمًّا، لكنه يشكل فقط جزءًا من مخطط متكامل يهدف إلى التغلب على الإشكاليات المتعلقة بحركة السير والجولان في طنجة، وهذا الإجراء، وفق ليموري، جاء استنادًا إلى مخرجات دراسات دقيقة أجراها مكتب متخصص في مجال النقل والتخطيط الحضري، وتم تصميم المخطط وفقا لأحدث المعايير التكنولوجية لضمان تحسين تدفق حركة المرور، مضيفًا أن النتائج المرجوة من هذا النظام لن تكون فورية، بل ستظهر تدريجيا مع مرور الوقت، حيث سيعزز هذا الإجراء من تنظيم حركة السير ويسهم في تقليل الازدحام.
وفي المقابل أورد عمدة طنجة أن هذا الإجراء لا يعالج المشكلة كاملة، بل يتكامل مع المشروعات الكبرى التي يتم تنفيذها حاليا، مثل تطوير شبكة النقل الحضري وتحسين البنية التحتية المتعلقة بالنقل، مضيفًا أنَّه في إطار المقاربة الجديدة للنقل الحضري، سيُسهم هذا التحسين في تعزيز فعالية النقل العام، مما سيُؤدّي إلى تخفيف الضغط على الطرق الرئيسية وتقديم حلول مستدامة لمشكلة الازدحام في المستقبل.
- هل سنُغير سلوكنا؟
بتاريخ 25 فبراير 2025، وفي بلاغها الدوري بشأن حصيلة حوادث السير، كشفت المديرية العامة للأمن الوطني عن حصيلة أخرى جديدة، حيث أوردت أن 22 شخصًا لقوا مصرعهم، وأصيب 2744 آخرون بجروح، إصابات 90 منهم بليغة، في 2082 حادثة سير سجلت داخل المناطق الحضرية، خلال الأسبوع الممتد من 17 إلى 23 فبراير الجاري.
وعزا بلاغ من المديرية العامة للأمن الوطني الأسباب الرئيسية المؤدية إلى وقوع هذه الحوادث، حسب ترتيبها، إلى عدم انتباه السائقين، وعدم احترام حق الأسبقية، وعدم ترك مسافة الأمان، وعدم انتباه الراجلين، والسرعة المفرطة، وتغيير الاتجاه غير المسموح به، وعدم احترام الوقوف المفروض بعلامة قف، وعدم التحكم، والتجاوز المعيب، وتغيير الاتجاه بدون إشارة، والسير في الاتجاه الممنوع، وعدم احترام الوقوف المفروض بضوء التشوير الأحمر، والسير في يسار الطريق، والسياقة في حالة سكر.
وبخصوص عمليات المراقبة والزجر في ميدان السير والجولان، سجل المصدر ذاته أن مصالح الأمن تمكنت من تسجيل 50 ألفًا و18 مخالفة، وإنجاز 9 آلاف و673 محضرا أحيلت على النيابة العامة، واستخلاص 40 ألفًا و345 غرامة صلحية، فيما بلغ المبلغ المتحصل عليه 8 ملايين و858 ألفًا و975 درهمًا، وأشار البلاغ إلى أنَّ عدد العربات الموضوعة بالمحجز البلدي بلغ 5 آلاف و299 عربة، وعدد الوثائق المسحوبة 9 آلاف و673 وثيقة، فيما بلغ عدد المركبات التي خضعت للتوقيف 378 مركبة.
والأرقام الرسمية على العموم لا تبشر بالخير بخصوص السلامة الطرقية، فإذا ما عدنا إلى معطيات وزارة النقل واللوجيستيك الصادرة عبر بلاغ صحفي في يناير من سن 2024، نجد أن تحليل المعطيات الإحصائية لحوادث السير بين سنة 2022 وسنة 2015 باعتبارها سنة مرجعية للاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية، سجَّل انخفاضًا في عدد القتلى بنسبة 22,47 بالمائة لدى كل الفئات مجتمعة، باستثناء فئة الدراجات بمحرك التي عرفت ارتفاعا في عدد القتلى بنسبة 31,14 بالمائة خلال نفس الفترة.
وقد تحوَّلت الدراجات النارية إلى قاتل جديد في شوارع طنجة، إذ لا يكاد يمر أسبوع دون تسجيل حوادث خطيرة تنتهي في العديد من الحالات بالموت، لذلك فإن أصوات العديد من الفعاليات المدنية تتعالى مؤخرا من أجل استخدام الكاميرات المنتشرة في شوارع المدينة من أجل ضبط الأشخاص المتورطين في التسبب في فوضى المرور نتيجة خرق قوانين السير بواسطة السيارات، وكذا من أجل مصادرة الدراجات النارية غير القانونية للحدّ من هذه الظاهرة الآخذة في التفاقم، التي يقف خلفها بالأساس شبان متهورون في مقتبل العمر.
وقد تكون كاميرات المراقبة إحدى الوسائل الناجعة مستقبلًا لضبط المخالفات المرورية، وفرض وازع صارم على المخالفين من أجل احترام قوانين السير، وهو ما يمكن قراءته من خلال توجهات الوزارة الوصية، فوزير النقل واللوجستيك السابق، محمد عبد الجليل، وخلال ترؤسه أشغال الدورة العاشرة للمجلس الإداري للوكالة الوطنية للسلامة الطرقية بالرباط، العام الماضي، شدد على ضرورة انخراط جميع الفاعلين من أجل تقييم موضوعي لمنجزات والإكراهات الاستراتيجية الوطنية التي انطلقت سنة 2017 ستنتهي سنة 2026، ثم بلورة تصور وأهداف ومخطط عمل للسنوات الخمس المقبلة أي من 2028 إلى غاية نهاية 2032، وهي الفترة التي ستكون متزامنة مع احتضان المغرب للمونديال.
التحوّلات التي سيشهدها المغرب على هذا المستوى قبل سنة 2030، برز خلال احتضان مراكش المؤتمر الوزاري العالمي للسلامة الطرقية ما بين 18 و20 فبراير الجاري، حيث أوضح وزير النقل واللوجيستيك عبد الصمد قيوح، أن هدف المغرب يتمثّل في تقليص نسبة حوادث السير بـ50 في المئة، مبرزًا أن المغرب ملتزم بشكل راسخ بتعزيز السلامة الطرقية بترابه الوطني والمساهمة في الجهود الدولية في هذا المجال، كما أكَّد أن هذا الاجتماع “يأتي في لحظة مفصلية ويشكل فرصة ثمينة لتجديد تأكيد الالتزام الجماعي وتقوية آليات التنزيل في هذا الصدد”، مشددًا على “الدور المركزي للوكالات الوطنية للسلامة الطرقية”.
