تواصل معنا

القانون والناس

التكييف القانوني للجرائم بين النص والتنصيص

يُعدُّ الاسم القانوني (الوصف القانوني) للجريمة والتَّكييف القانوني لها، هو الاسمُ الحقيقيُّ للجريمة وتقوم على توافر الأركان الخاصة لها هو الَّذِي يُحدّد اسمها (وصفها) القانوني، في حين أن توافر عناصر قانونيّة مُعيّنة تدخل في كيان الجريمة انطلاقًا من الظُّروف الَّتِي تسمح بتغيير هَذَا التَّكييف من الأساس.

ومثال على ذلك، يقال إنَّ القتلَ العمدَ والسَّرقة وصفان قانونيان، وكلّ منهما يدلّ على مجموعةٍ من الجرائم تختلف إحداها في التَّكييف القانونيّ، الَّذِي يباشره القاضي وَفْقًا للنَّصّ أو النَّموذج القانوني المحدد، وتحقيق كلّ وصف قانوني رهن بتوافر الأركان الخاصة بالقتل العمد أو السَّرقة، فإذا تتبعنا مجموعة الجرائم، الَّتِي توصف بأنَّها قتل عمد نجد من إحداها ما يوصف بأنّه قتلٌ عمدٌ مع سبق الإصرار أو قتل عمد باستعمال الآلات حادة، وكلّ منها يحمل وصفًا قانونيًا معينًا، وكذلك السَّرقة فهناك في إحداها ما يوصف بأنّه سرقة من خادم بالأجرة أو سرقة باللَّيل أو سرقة باستعمال سلاح، وكلّ منها ذو وصف قانوني مُحدّد في القانون، مما يستشف أنّ التَّكييف القانوني للجرائم يجب أن ينطلق من الوقائع وحيثيات الملف ومشتملاته، فكيف إذن يتم التَّكييف القانوني، لكلّ جريمة ومن له الحقّ في تسطيره؟! وهل النِّيابة العامّة لها الحقّ في أعمال المتابعة فقط أم أنّه يُمكن للقاضي إعادة تكييف الجرائم؟! إن كانت محاضر الشُّرطة القضائية عبارة عن قرارات، فلما يتم تنزيل التَّكييف حسب ما تُسطّره هَذِهِ الأخيرة؟!

إن كان القاضي له السُّلطة التَّقديرية والاقتناع الوجداني لواقعة مُعيّنة أن يردّها إلى وصفها القانوني من حيث توافر الشُّروط والأركان الَّتِي تطلبها القانون سلفًا.

من خلال ما سبق يمكن أن نُعرّف التَّكييف القانوني لجريمة ما، على أنّه ليس إلا تحديد الجريمة في نموذج أو نصّ قانونيّ يتضمّن أركانَ هَذِهِ الجريمة، بالإضافة إلى عقوبتها وَفْقًا لمبدأ الشَّرعية الجنائية، والمُشرّع هو الَّذِي يقوم بهَذِهِ المهمة وليس القاضي، حيث إنَّ الأخير مُهمّته إنزال وتطبيق حكم النَّصّ أو النَّموذج القانوني على الواقعة المعروضة أمامه.

بيد أنّه لا يمكن القول إنَّ توافر الأركان الخاصة يُحدّد الوصف القانوني للجريمة، في حين أن توافر الظُّروف يُحدّد تكييف الجريمة، إنَّما لا يتحقق الوصف القانوني للجريمة إلا إذا توافرت جميع العناصر اللَّازمة لقيام الجريمة وتطابقها التَّامّ مع النَّموذج القانوني للجريمة، سواء خضعت في تكييفها للنَّموذج العام للجريمة، الَّذِي يشتمل على الحدّ الأدنى من العناصر التَّكوينيّة اللَّازمة لقيام الجريمة، الَّتِي يُحدّدها المُشرّع بموجب النَّموذج القانونيّ العام للجريمة، ويشتمل على الأركان العامّة والخاصة المتطلّبة بموجب الأنموذج لقيام الجريمة، الَّذِي يُحدّد عنوان الجريمة أيّ وصفها القانوني، أو خضعت في تكييفها للنموذج الخاصّ للجريمة، وهو نموذج قانونيّ خاصّ إضافي يلحق بالنَّموذج العام للجريمة في بعض الجرائم لا كلّها، ويتضمّن النَّموذج الخاص عناصر إضافية تضاف للعناصر المكونة للجريمة ولا تنتقص منها فتخضع الجريمة لوصف آخر نصّ عليه المُشرّع بموجب النَّموذج القانوني الخاص في بعض الجرائم، وتتمثّل هَذِهِ العناصر الإضافية الَّتِي تدخل على أركان الجريمة بالظُّروف، فتُؤثّر في جسامة الجريمة، فتؤدي إلى تشديد العقوبة أو تخفيفها.

ويجب عدم الخلط بين اسم الجريمة وعنوانها، فالمُشرّعُ يطلق على السُّلوك موضوع الجريمة اسمًا تقليديًا لتمييزها عن غيرها من الجرائم، مثل: القتل والسَّرقة، ويبقى اسم الجريمة ثابتًا ولو تغيّرت بعض عناصرها التَّكوينيّة، ففي حالة الشُّروع نكون بصدد جريمة ناقصة، ومع ذلك لا يختلف اسم الجريمة، بل يلحق التَّغيير عنوانها فقط، فكلّ اختلاف في الفكرة القانونيّة للجريمة يعقبه تغيير في عنوانها، وأنَّ النَّموذج العامّ للجريمة يرتبط بعنوانها لا اسمها، الَّذِي يطلق عليها الَّذِي يتعلق بموضوعها، والعنوان بدوره يتعلّق بالفكرة الأوّليَّة للجريمة أيّ بالحدّ الأدنى من العناصر، الَّتِي يجب توافرها لوجود جريمة معينة، ويخرج عن نطاقه العناصر التَّبعية الإضافيّة الَّتِي لا تغير في عنوان الجريمة، وإن أحدثت تغييرًا في العقوبة واجبة التَّطبيق تخفيفًا أو تشديدًا، إذا يمكن القول إن اسم الجريمة يتضمّن عدّة عناوين، ومحل الجريمة يُحدّد اسم الجريمة أي اسم الطَّائفة الَّتِي تنتمي إليها مجموعة من الجرائم كجرائم الاعتداء على الأموال.

أمَّا المعيار الَّذِي يُحدّد نموذج الجريمة ويُميّزها عن غيرها من الجرائم، الَّتِي تنتمي إلى نفس الطَّائفة، فهو المصلحة الَّتِي يحميها النَّصّ ويعاقب على مَن يعتدي عليها مثال ذلك جريمة السَّرقة والاحتيال ضمن طائفة جرائم الأموال. وإنَّ كل جريمة ذات عنوان مستقل ونموذج متميّز تحمي مصلحة قانونية يمكن تمييزها عن سائر المصالح الأخرى، الَّتِي يرعاها قانون العقوبات ويضفي عليها حمايته.

 فهل يمكن إنزال حكم القانون على واقعة مُعيّنة لغرض حسمها؟! أم أنَّ الأمر الَّذِي يعتمد عليه القاضي لتكييف النِّزاع، هي أدوات الصِّياغة القانونية ووقائع النِّزاع والقاعدة القانونيَّة؟!

يتبع…

تابعنا على الفيسبوك