تواصل معنا

الجهة

التكلفة الخفية للبناء العشوائي بطنجة.. وكيف تعطل التنمية المحلية؟

تُعدُّ‭ ‬ظاهرة‭ ‬البناء‭ ‬العشوائي‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬مدينة‭ ‬طنجة،‭ ‬إذ‭ ‬تتزايد‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ،‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬بخصوص‭ ‬التكلفة‭ ‬الماليَّة‭ ‬والتأثيرات‭ ‬السلبيَّة‭ ‬على‭ ‬التنميَّة‭ ‬المحليَّة‭.‬

ومما‭ ‬يتمُّ‭ ‬إغفاله‭ ‬عند‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الظاهرة‭ ‬تسببها‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬أعباء‭ ‬ماليَّة‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬الدولة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تأثيره‭ ‬المدمر‭ ‬على‭ ‬البنيَّة‭ ‬التحتيَّة‭ ‬والخِدْمات‭ ‬الأساسيَّة،‭ ‬ما‭ ‬يعيق‭ ‬جهود‭ ‬التنميَّة‭ ‬المستدامة‭.‬

وتتضح‭ ‬التكلفة‭ ‬الماليَّة‭ ‬للبناء‭ ‬العشوائي‭ ‬في‭ ‬عدّة‭ ‬جوانب،‭ ‬أولها‭ ‬التأثير‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬الميزانيَّة‭ ‬العامة‭ ‬للدولة،‭ ‬إذ‭ ‬يتطلب‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬البناء‭ ‬توفير‭ ‬خِدْمات‭ ‬أساسيَّة‭ ‬مثل‭ ‬الماء‭ ‬والكهرباء‭ ‬والصرف‭ ‬الصحي،‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬الأعباء‭ ‬الماليَّة‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭.‬

وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬تضطر‭ ‬السلطات‭ ‬المحليَّة‭ ‬والمنتخبة‭ ‬إلى‭ ‬تخصيص‭ ‬موارد‭ ‬إضافيَّة‭ ‬لتلبيَّة‭ ‬احتياجات‭ ‬سكان‭ ‬الأحياء‭ ‬العشوائيَّة،‭ ‬ما‭ ‬يُؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬تخصيص‭ ‬ميزانيات‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬موجهة‭ ‬لمشروعات‭ ‬تنمويَّة‭ ‬أخرى،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يؤدي‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬تآكل‭ ‬الميزانيَّة‭ ‬ويحدّ‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬مشروعات‭ ‬ذات‭ ‬أولويَّة‭ ‬مثل‭ ‬تحسين‭ ‬البنيَّة‭ ‬التحتيَّة‭ ‬وتطوير‭ ‬الخِدْمات‭ ‬العموميَّة‭.‬

علاوةً‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬يعدّ‭ ‬البناء‭ ‬العشوائي‭ ‬عاملًا‭ ‬معطلًا‭ ‬للتنميَّة‭ ‬المحليَّة،‭ ‬إذ‭ ‬يخلق‭ ‬أحياء‭ ‬غير‭ ‬مهيكلة‭ ‬وتفتقر‭ ‬إلى‭ ‬التخطيط‭ ‬العمراني‭ ‬السليم،‭ ‬ما‭ ‬يُؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬تفشّي‭ ‬الفقر‭ ‬والهشاشة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناطق،‭ ‬إذ‭ ‬يعيش‭ ‬سكان‭ ‬هذه‭ ‬الأحياء‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬غير‭ ‬ملائمة‭ ‬ويعانون‭ ‬نقصًا‭ ‬في‭ ‬الخِدْمات‭ ‬الأساسيَّة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينعكس‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬جودة‭ ‬حياتهم‭.‬

كما‭ ‬أنَّ‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬تُعزّز‭ ‬من‭ ‬ظواهر‭ ‬اجتماعيَّة‭ ‬سلبيَّة،‭ ‬مثل‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬الجريمة‭ ‬والتهميش‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬تحقيق‭ ‬التنميَّة‭ ‬المستدامة‭. ‬ويضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬البناء‭ ‬العشوائي‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تدهور‭ ‬البيئة،‭ ‬إذ‭ ‬يتم‭ ‬تشييد‭ ‬المنازل‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬المعايير‭ ‬البيئيَّة،‭ ‬ما‭ ‬يُسهم‭ ‬في‭ ‬تلوث‭ ‬الهواء‭ ‬والماء،‭ ‬ويدمر‭ ‬المساحات‭ ‬الخضراء‭.‬

وغالبا‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬لهذا‭ ‬التدهور‭ ‬البيئي‭ ‬له‭ ‬تأثيرات‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬السكان،‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬أعباء‭ ‬نظام‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحيَّة،‭ ‬ما‭ ‬يُعزّز‭ ‬من‭ ‬التكلفة‭ ‬الماليَّة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالبناء‭ ‬العشوائي‭.‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬يظهر‭ ‬البناء‭ ‬العشوائي‭ ‬قصورًا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التخطيط‭ ‬الحضري،‭ ‬إذ‭ ‬تظهر‭ ‬الدراسات‭ ‬أن‭ ‬تأخر‭ ‬أو‭ ‬غياب‭ ‬التخطيط‭ ‬السليم‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انتشار‭ ‬الفوضى‭ ‬العمرانيَّة،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬على‭ ‬السلطات‭ ‬المحليَّة‭ ‬توفير‭ ‬الخدمات‭ ‬العموميَّة‭ ‬بشكل‭ ‬فعال‭ ‬ومستدام‭.‬

كما‭ ‬أنَّ‭ ‬ما‭ ‬ذكر‭ ‬يعرض‭ ‬مشروعات‭ ‬التنميَّة‭ ‬المحليَّة‭ ‬للتعثر‭ ‬بسبب‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬تأهيل‭ ‬هذه‭ ‬الأحياء،‭ ‬مما‭ ‬يعطل‭ ‬جهود‭ ‬التنميَّة‭ ‬ويؤخر‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬الاقتصاديَّة‭ ‬والاجتماعيَّة‭.‬

وتتطلَّب‭ ‬معالجة‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬استراتيجيات‭ ‬شاملة،‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬تعزيز‭ ‬الوعي‭ ‬بأهميَّة‭ ‬التخطيط‭ ‬العمراني،‭ ‬وتوفير‭ ‬خيارات‭ ‬سكنيَّة‭ ‬مناسبة‭ ‬للمواطنين،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يضطروا‭ ‬إلى‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬البناء‭ ‬العشوائي‭.‬

كما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتعاون‭ ‬الأطراف‭ ‬الحكوميَّة‭ ‬مع‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬والقطاع‭ ‬الخاص‭ ‬لوضع‭ ‬حلول‭ ‬فعالة،‭ ‬تشمل‭ ‬توفير‭ ‬السكن‭ ‬اللائق،‭ ‬وتطوير‭ ‬الخدمات‭ ‬الأساسيَّة‭ ‬في‭ ‬الأحياء‭ ‬العشوائيَّة،‭ ‬ما‭ ‬يساعد‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬جودة‭ ‬الحياة‭.‬

إن‭ ‬ظاهرة‭ ‬البناء‭ ‬العشوائي‭ ‬تُشكّل‭ ‬عبئا‭ ‬كبيرًا‭ ‬على‭ ‬التنميَّة‭ ‬المحليَّة،‭ ‬إذ‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬الضغوط‭ ‬على‭ ‬ميزانيَّة‭ ‬الدولة،‭ ‬كما‭ ‬تُؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬تفشّي‭ ‬الفقر‭ ‬والبطالة،‭ ‬وتعطل‭ ‬جهود‭ ‬التنميَّة‭ ‬المستدامة،‭ ‬ومعالجة‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬تتطلَّب‭ ‬بالضرورة‭ ‬تضافر‭ ‬الجهود‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬الفاعلين،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬التنميَّة‭ ‬العادلة‭ ‬والمستدامة،‭ ‬وضمان‭ ‬مستقبل‭ ‬أفضل‭ ‬للمواطنين‭.‬

تابعنا على الفيسبوك