القانون والناس
التراجع عن الهبة بين الأزواج قانونًا وواقعًا

وحسب المادة (284) يجب لصحة الاعتصار، أن يشهد الواهب على ذلك، وينص عليه في عقد الهبة بعد قبول الموهوب له بذلك.
ويضيف القضاء شرطًا آخر، يتجلّى في عدم قدرة الأبوين على الرجوع في الهبة في حالة اشتراطهما ذلك في عقد الهبة، وهو ما أكَّده القرار الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 18/06/2008 «إن عقد الهبة قد اشترط فيه الواهب عدم الرجوع في هبته، وهو شرط لازم له كما هو منصوص في الفقه الجاري به العمل» حيث تتحدد الموانع الَّتِي توجب عدم الرجوع في الهبة في ثلاثة أصناف وهي الموانع الطارئة: (مانع الموت ومرض الموت وتوظيف الهبة في الزواج وتداين الولد للهبة) وموانع الانتقال: (هي إما انتقال تفويت أو انتقال تغيير) ثُمّ مانع الافتقار.
باستقرائنا للتشريع المغربيّ، فإنه يحصر هَذِهِ الموانع في مدونة الحقوق العينية ضمن المادة (285) وقد عددتها في ثمانية موانع.
الهبة الَّتِي تكون بين الزوجين أو زواج الموهوب له بعد الهبة ومن أجلها، كذلك في حالة وفاة الواهب أو الموهوب له قبل الاعتصار، أيضًا مانع مرض الموت، أو تفويت الموهوب له للشيء الموهوب كاملًا أو هلاكه إلا إذا كان جزئيًا، فيجوز الرجوع في الباقي. بالإضافة إلى تعامله مع الغير على أساس امتلاكه له، أو إجرائه تغييرات مهمّة تزيد من قيمته.
بيد أنّ القضاء المغربيّ في القرار عدد (15) الصادر لتاريخ 08 يناير 2019 في الملف عدد (4762) /1/4/2018، نصّ على أنّ الرجوع في الهبة عقد يخضع للقانون الساري زمان عقده، المحكمة مصدرة للقرار المطعون فيه لما ردت طلب الطاعن الرامي إلى رجوعه فيما وهبه لزوجته تبرعًا بعلة أنّه لم يثبت تبدّل حاله من يسر إلى عسر بعد انفصام العلاقة الزوجيّة بطلاق الشقاق تكون قد استقامت على حكم القانون الساري زمانه، وجاء قرارها معللًا بما فيه الكفاية.
مما يستشف معه أن تقسيم الموانع الثمانية، الَّتِي ذُكِرَت ضمن المادة (285) سواء الموانع الطارئة أو موانع الانتقال. لا يمكن تطبيقُها على واقعة الانفصال، فهي لا تدخل ضمن هَذِهِ الموانع المسطرة قانونًا، ما يجعل واقعة الاعتصار في الهبة، لا أثر لها بين الأزواج المنفصلة فهي مستقلة، فهل يمكن اعتبار آثار الرجوع في الهبة بين الأزواج المنفصلة هي نفس الآثار بين المتعاقدين الأغيار؟ أم أن الواهب والموهوب له الطرفين الرئيسيين في عقد الهبة، لا تسري عليهما نفس الآثار عن عقد الهبة بين الأغيار أو الرجوع فيها عنهما أوّلًا؟
فإن كان الأثر المهمّ الَّذِي يترتب عن الاعتصار في الهبة فيما بين الطرفين هو اعتبار الهبة كأن لم تكن أوّل الأمر بينهما، ما يجعل الطرفين يعودان إلى الحالة، الَّتِي كانا عليها قبل التعاقد، سواء تم الرجوع عنها رضاءً بين الطرفين أو قضاءً، ما يجعل الموهوب له يلتزم بردّ الشيء الموهوب إلى الواهب على حالته وفي حالة تعيبه بعد اتّفاق الطرفين على الاعتصار أو إصدار حكم قضائي فإنه يتحمل تبعة هَذَا الهلاك.
أمّا فيما يخص ثمار الشيء الموهوب، فإنَّها تكون من نصيب الموهوب له قبل تمام الرجوع، وفي حالة الرجوع، فإن القاعدة العامة الَّتِي يُقرّرها الفصل (103) من قانون الالتزامات والعقود هي أن «الحائز عن حسن نية يتملك الثمار، ولا يلزم إلا برد ما يكون منها موجودًا في تاريخ رفع الدعوى برد الشيء، وما يجنيه منها بعد ذلك…..» وهَذِهِ القاعدة لا يمكن تطبيقها ما دام النص الخاص يقيد نظيره العام فتكون له الأولوية في التطبيق، وهو ما يسري على المادة (287) من مدونة الحقوق العينيّة، الَّذِي تقول في فقرتها الثانية «لا يلتزم الموهوب له برد الثمار إلا من تاريخ الاتّفاق أو من تاريخ الحكم النهائي في الدعوى».
كذلك تُؤكّد نفس المادة، أنَّ من حق الموهوب له استرجاع النفقات الضرورية، الَّتِي أنفقها على الملك الموهوب، أمّا النفقات النافعة أو الزينة فإنّه لا يسترجع منها إلا ما زاد عن القيمة الحقيقية لها.. فهل سنجد اجتهاداتٍ يمكن أن تحوّل عقد الهبة بين الأزواج إلى عقد هبة وفقط أم أنّه من وهب شيئًا فلا رجعة له فيه؟
