تواصل معنا

مقالات الرأي

استعمال القوة المفرطة في تفريق التجمعات السلمية انقلاب على دستور 2011

أنوار المجاهد

نزل مئات الآلاف من الأساتذة المتعاقدين، منتصف الأسبوع الماضي، إلى شوارع الرباط للاحتجاج السلمي على الوضعية المزرية، الَّتِي وصل إليها مُربّو الأجيال في المغرب، خلال عهد حكومة العدالة والتنمية، الَّتِي دأبت خلال السنوات العشرة الماضية من داخل مكاتب مُكيّفة، على سنّ عددٍ من القوانين وإقرار عددٍ من السياسات لضرب التعليم والمدرسة العمومية في العمق عن طريق تجريد الأستاذ من قيمته الاعتبارية والرمزية والإلقاء به في دوامة تهدده في أمنه الوظيفي والمعيشي.

في خضم الاحتجاجات الَّتِي اندلعت بشوارع الرباط، وثَّقت كاميرات الصحافة المغربية عددًا كبيرًا من الصور وفيديوهات تضع الحكومة المغربية في مأزقٍ كبيرٍ وحرج؛ بسبب طريقة تفرقة المتظاهرين السلميّين، والتضيق الَّذِي تعرّض له الصحفيّون وممثّلو الجمعيات الحقوقية وعائلات الأساتذة المتعاقدين، الَّذِينَ رافقوا أبناءهم وبناتِهم في الأشكال الاحتجاجية السلمية منذ البداية.

وبالرغم من نفي الجهات الأمنية ما هو متداول وتأكيدها، أنَّها تسهر على تنزيل تدابير حالة الطوارئ الصحيّة وفرض القانون بحكم عدم تُوفّر المحتجّين على ترخيص أو إشعار بالمسيرة الَّتِي نظّموها، فإنَّ طريقة التعامل تجاه الأساتذة، وفق ما هو متداول في عدد من المواقع الصحفية، مقلقة للغاية، حيث إنَّ الحكومة أصبحت تميل إلى تحويل الأفراد الَّذِينَ يمارسون حقًا ديمقراطيًا أساسيًا –الحقّ في الاحتجاج– إلى تهديد كبير يتطلب ردًّا قويًّا باستعمال القوّة المفرطة.

إنَّ الأحداث المتوالية الَّتِي جرت في المغرب منذ إقرار ملف التعاقد، يُؤكّد أنَّ هناك خللًا في الاستماع إلى الشغيلة التعليميَّة الَّتِي ما فتئت تُطالب بالحوار الهادئ والرزين، لكن قوبلت بالرفض من طرف وزارة أمزازي لعدم قدرة هَذِهِ الأخيرة على البت في هَذَا الملف، ومن منطلق فزيائي فإنَّ لكل فعل ردّ فعل، وجد الأساتذة المتعاقدون أنفسهم في معركة ضد جهات خفية تُسخّر جميع وسائلها اللوجيستيَّة والماديّة والإعلاميّة –وحتّى البلطجيَّة– لكبح المعارك النضاليّة الَّتِي تُفجّرها التنسيقية الوطنية للأساتذة المتعاقدين.

والواقع أنَّ ملف الأساتذة ليس الملف الشائك الوحيد في المغرب، حيث إنَّ بين الفينة والأخرى تندلع حركاتٌ اجتماعيّةٌ، تطالب بالتغيير وتقاوم فرض سياسات استبداديَّة تعصف بمكتسبات حركة عشرين فبراير، الَّتِي نتج عنها دستور لو نُزّل حرفيًا لأصبحنا أفضل من فرنسا واقعًا وليس باطلًا، كما صرَّح الأستاذ المحترم العثماني رئيس الحكومة، هناك مئات الآلاف من المغاربة يناضلون يوميًا من مواقعهم، لا أحد ينفي أنَّه حتّى في الدول المتقدمة، هناك توترات مزعجة ناجمة عن انكماش الاقتصاد وسياسات العولمة والاستبعاد الاجتماعي والسياسي، إلا أنَّ الملفات المطلبية تختلفُ بين النقابيَّة والسياسيَّة. وفي المغرب المطالبة بالخبز فقط تُعدُّ تهديدًا يستدعي تسخير المقدم والشيخ لصفع المغاربة، وهَذَا أمر لن تجده في الديمقراطيات العريقة.

يُحيلنا تاريخنا المغربي إلى أنَّ العديد من الحقوق الأساسيّة –الَّتِي نتمتّع بها اليوم– حِيزَتْ بعد أن شاركت أجيالٌ قبلنا في احتجاجات متواصلة في الشوارع، وانطلاقًا من قاعدة أنّه إذا كانت حُرّية التعبير هي نظام المظالم للديمقراطيات، فإنَّ الحقَّ في الاحتجاج والتجمّع السلميّ هو مُكبّر صوت الديمقراطية، فلا ضرر في أن يطالب الإنسان بحقّه دون أن يُنكّل به.

تابعنا على الفيسبوك