القانون والناس
إلغاء الرحلات بين القانون ومزاجية الوقائع

شمل قرار السلطات بإغلاق الحدود -بسبب المتحوّر الجديد- الخطوط الجويّة المغربيّة، مما تضرر عدد كبير من المهاجرين المغاربة والسياح الأجانب، ناهيك عن مزاجية التعامل مع العملاء، الأمر الَّذِي جعل الجميع يتساءلون بشأن مصير عملهم والتزاماتهم في دول ما وراء البحر. فهل يمكن أن يُعوّض هَؤُلَاءِ عن الخسائر المادية والمعنوية، الَّتِي حظيت بها جاليتنا بالخارج؟ أم أنّه على المتضرر اللجوء إلى الله؟
إن كان النقلُ الجويُّ له أهمية قصوى، لا تقف عند نقل الأفراد فقط، بل نقل البضائع والمعاملات التجارية؛ فإنّ أهميته تتجلّى في اعتباره الركيزة الأساس في النظام الاقتصاديّ والاجتماعيّ، على مستوى البلد، باعتباره الوسيلة الفاعلة والفعّالة في تحقيق الاتّصال المستمرّ بين النقاط المختلفة للعملية الاقتصاديّة والإنتاجيّة، والمتمثلة في تقليص المسافات بين الدول والمنتج والمستهلك بما يُمثّله من اختصار لعامل الزمن.
بيد أنَّ نقل الأيدي العاملة أو الجالية إلى عملها بالمهجر، هو حقٌّ دستوريٌّ، حفظه القانون بضوابط تتجلّى في مقتضيات القانون المتعلّق بمدونة الطيران المدني رقم (40.13) الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم (1.16.61) في 17 شعبان 1437 (24 ماي 2016) الَّذِي يُعدُّ نصًا متكاملًا وإصلاحًا جذريًّا وعامًا للنظام القانوني المطبق على الطيران المدني المتمثّل في المرسوم رقم (2.61.161) بتاريخ 10 يوليوز، بشأن تنظيم الملاحة الجوية المدنية، متجاوزًا بذلك النواقص الَّتِي تشوب المرسوم، ويؤمن السلامة ويضمن حقوق المسافرين. فأين تكمن هَذِهِ الضمانات في ظلّ الخروقات الَّتِي أصبحت عشوائية وتجاوزت منطق العقل؟ وهل هَذِهِ المدونة كفيلة بذلك؟
وحيث إنّ الدستور المغربي نصَّ -في ديباجته الَّتِي هي جزء لا يتجزأ منه- على أنّ الاتّفاقيات والمعاهدات الدولية لديها سمو على التشريع الوطني، وبالتالي فأحكامها يتعيّن أن تبرز في القوانين الداخلية، وهَذَا ما حصل من خلال مشروع المدونة الَّذِي جعل من النصوص الَّتِي تنظم الملاحة الجوية وحركة الطائرات والطيران المدني بصفة عامة تخضع للمطابقة مع الممارسة الاتفاقية للمغرب مستحضرة أحكام اتّفاقية.
والقانون الجديد استعار من القانون الإداري عدّة مبادئ وقواعد ضمنها في موادّه، خاصّةً المتعلقة بضمانات التأديب للمستخدمين واحترام حقوق الدفاع وتأسيس لجنة خاصة لذلك، إضافة إلى الأخذ بتقنية.
يحدد القانون الجديد في نطاق أحكامه العامّة الهدف منه، ومجال تطبيقه، كما يحدد مدلول بعض المصطلحات بإحالتها على الاتّفاقيات ذات الصلة، ويتناول بالدراسة الطائرات والمطارات، وكذا ارتفاقات الملاحة الجويّة، وكل ما يتعلق بالملاحة الجوية، وكذا نصَّ على مقتضيات تتعلق بحماية البيئة والحدّ من الإزعاجات في مجال الملاحة الجوية المدنية ومستخدمي الملاحة الجوية.
كما أنّه دقَّق في النظام القانوني، المتعلق بالنقل الجوي، وأمن الطيران المدني، والبرنامج الوطني لسلامة الطيران المدني، وكل ما يتعلق بالتحقيق التقني حول حوادث الطيران المدني وعوارضه وبالاختصاص ومعاينة المخالفات. ولم يغفل القانون التعويض الممنوح للمسافرين ومساعدتهم في حالة رفض الركوب أو إلغاء الرحلة أو والقانون الجديد أتى بمقتضى جديد، يهم إحدى آليات الوسائل البديلة لحلّ المنازعات، ويتعلق الأمر بمسطرة الصلح، آليات تم التنصيص عليها في مجال الطيران المدني لأوّل مرة في تاريخ المغرب، وذلك من خلال الموادّ (285) إلى (288) حيث فتح المجال أمام المعنيين بالأمر إبرام صلح بين مرتكبي المخالفة والإدارة المختصة في حالة طلب مرتكب المخالفة ذلك، وهَذَا مقتضى نجده في مجال المخالفات الجمركية، والجرائم الغابوية، وجرائم الصيد البحري… كما دقَّق القانون في المسؤوليات المختلفة بشكل موسع همّت أنواعًا جديدة منها، لا سيَّما المسؤولية البيئيّة لكل فاعل داخل مجال الطيران المدني، الَّذِي يُلزم كلَّ واحد منهم بالحفاظ على البيئة، من خلال ممارستهم المهام المرتبطة بالطيران المدني والمساطر، وكذا تحديد نظام شامل للمخالفات والعقوبات.
