مقالات الرأي
أولاد الحظ

لا يدرك الجيل الحالي النعم الَّتِي فوّتها على نفسه، بعد أن أخذت منه الوسائل الحديثة ملامحَ الحياة العادية واستبدلتها بعوالمَ افتراضيّةٍ سحبت منه شقاء الأطفال وشغب الدروب والأزقّة، وحوّلته إلى أشباه للآلة لا تتحرك إلا بأجهزة مُتحكّمة، وهو ما أحدث لها نوعًا من العجز الفكريّ، وعطَّل عنها الانخراط الاجتماعيّ، وأوقعها في فوضى التيه لا ينتبه إليها إلا حين انتقاله من مرحلة إلى أخرى.
هَذَا الجيل تربّى على الاستعانة بكلّ ما هو سهل في ممارسة حياته اليوميّة، وأعانه على ذلك هَذِهِ البيئة والمناخ، الَّتِي تحوّلت بدورها إلى فضاء يعتمد اعتمادًا شبه كامل على كل ما هو جاهز لا يتطلّب كبيرَ عناء.
في الفترة الأخيرة، شاهد الجميع نقلًا لأحداث امتحانات البكالوريا في مختلف وسائل الإعلام، وكان من بين المتحدّثين إلى هَذِهِ الوسائل المتبارين في الاختبار بعضهم حاول جاهدًا التحدّث بجدية حول الموضوع، ناقلًا نظرته لأجواء الامتحان، بما فيها الصعوبات والإكراهات فيما البعض الآخر خلط ضعفه في الاستعداد للاختبار بهزل في نقل حدث يهمّه أكثر من غيره، فيما البعض الآخر، وربَّما هي الفئة الأكثر حضورًا تباهى بلجوئه إلى الغش صبًا غضبه ومعلقًا فشله على من شدّد عليه الحراسة، ويحمل همّ التربية وإنقاذ هَذَا الجيل من فوضى الضياع، الَّتِي يتخبّط فيها.
مشهد الاختبار على هَذِهِ الصيغة ليست سوى نموذج مُصغّر للحالة الَّتِي أصبح عليها جيل اليوم الفاقد لبوصلة التوجيه في مختلف مسارات الدرس والتكوين، جيل يبدع حينًا في مجالات العلم والمعرفة على مستويات محلّيَّة ووطنيّة ودوليّة، ويخفق أحيانًا كثيرة في تحقيق المراد والانخراط في الحياة، وَفْق إيقاعها العقليّ والمنطقيّ، ما يميز هَذَا الجيل عن غيره هي سرعة الوصول فتجده متعجلًا في إشباع رغباته متسلقًا جدار الحياة من نقطة انتهائها، جيل أنهكته الحيرة في إيجاد موقع آمن له من كلّ الشرور، جيل يحارب اليوم ليس من أجل غدٍ مُتفتحٍ ومشرقٍ، بل لتقريب هَذَا الغدّ بالسرعة القصوى، ولو كلّفه ذلك الاستغناء عن الجميع، ما عدا الوسائل التكنولوجيا المتاحة في إطار اللهو واللعب، الَّتِي تحل أحيانًا محل الصلب من المخدرات.
جيل اليوم لا يملك من حظه سوى هَذِهِ الأجهزة ومتعة الاختفاء في عالم افتراضي يحمي الذاكرة والذكرى، ما سيتحصّر عليه وبشدة هَذَا الجيل بعد انقضاء مرحلة تشتته هو فراغ محطات حياته من شغف ومتعة واقعية يحاكي بها الأجيال القادمة، وفي انتظار ذلك يبقى المعول على ما بقي من فئة مهدية ترى أنّ الحياة في واقعها الاجتماعي بحلوه ومرّه، وليس في عوالم افتراضية لا تصدق إلا لمَن يدفع من وقته وعمره بسخاءٍ كبيرٍ.
