مقالات الرأي
أخلاقيات التلقيح

بعد الممارسات الأخيرة الَّتِي أبدتها مجموعةٌ من الأشخاص الراغبين في الوصول إلى جرعات التلقيح بطرق تتنافى شرعًا وقانونًا وأخلاقًا، اتّضح أنَّ إنسان العصر الحديث لم يرقَ بعد إلى مستوى أخلاقي يضمن له العيش المشترك وتقديم المصلحة العامّة على ما سواها، إنسانيةٌ كهَذِهِ مجردة من جميع المبادئ والقيم لا يهمّها سوى الانتفاع الشخصي في كلّ مرحلة وتحت أي ظرف.
ما راج من أخبار بشأن محاولات عديدة لأشخاص، فضّلوا عدم احترام السلم العامّ لعملية التلقيح، الَّتِي رُوعِي فيها مجموعةٍ من الضوابط والقيم، في مُقدّمتها إعطاء الأولوية للمُسنّين الَّذِينَ يُعانون أمراضًا مُزمنةً. تفاضل ثبت اختيارُه بعد رصد سلم الوفيات في هَذِهِ الفئة الَّتِي ينظر إليها البعض بعين الازدراء، وأنَّ دورَها قد انتهى بانتهاء مراحلها العمريّة.
السلوكيات السلبيَّة الَّتِي أبدتها هَذِهِ المجموعة، تُؤكّد أنَّ الأزمة الأخلاقيَّة، الَّتِي أصبح عليها البعضُ قد تتجاوز خطورة الوباء المُنتشر، وأنَّ عملية التلقيح لا تتطلّب فقط رصد اللوائح وإعداد التجهيزات المؤسَّسة للعملية، بل تستوجب الوعي والإدراك بأهمية العملية في شكلها التنظيميّ أوّلًا، وفي منحها الأخلاقي كذلك، ولعلّ الأخير هو الضامن الأساس لإنجاح هَذِهِ العملية ولجميع مناحي الحياة.
حملة التلقيح الَّتِي كان المغرب سبّاقًا لإعلان انطلاقها وتكثيف الجهود من أجل الظفر بها، قبل كلّ شيء، فتحت بابًا من الآمال لدى الجميع بأنَّ الفرجَ قريبٌ وأنَّ فرصة القضاء على الوباء المستجدّ تكمن في مواصلة الانضباط والعمل الجماعي من أجل إنهاء مرحلة صعبة بأقل الخسائر، أمل بإمكانه أن يتحقّق إذا ما تمّ التجنّد من طرف الجميع لإنجاح عملية التلقيح والحفاظ على الوجه الأخلاقيّ، الَّذِي طبعت به مراحل الجائحة من تضحيات جليلة وتقديم مساعدات اجتماعيَّة ومؤازرة للفئات الهشّة والمتضرّرة.
ولعلّ منح الفئات الأكثر عرضةً للفيروس حقّها في أخذ لقاحٍ يضمن لها، ولو نسبيًا، قضاء ما تبقّى من عمرها في سلامة من الإصابة بالوباء، هو عين ما يجب على الجميع الالتزام به، وترك الفرصة أمام المسؤولين لإنجاح عملية في مرحلة حسَّاسة يراقبها الجميع عن كثبٍ، دون محاولة التفكير في المنفعة الفرديّة، الَّتِي تعيق مسار العملية برمّتها، وتضرب بالسلم الأخلاقي الَّذِي امتاز به المغاربة قاطبةً في زمن الوباء وغيره.
