في الواجهة
أحياء الهامش.. طنجة أخرى في مواجهة الجائحة

في الوقت الَّذِي أضحت فيه طنجة مركزًا مهمًّا لمجالات النقل و الصناعة و الخدمات اللوجستية، و كذا وجهة مفضلة للإقامة والسياحة والاستثمار، بفضل الحركة الاستثمارية والأوراش الكبرى، الَّتِي أعطت دفعة قوية للإقلاع الاقتصادي بالمنطقة، لا سيَّما مشروع ميناء «طنجة المتوسط»، وميناء طنجة المدينة، ومشروع «طنجة الكبرى»، نجد أنَّ كلَّ هَذِهِ المجهودات تتكسّر على صخرة مشاكل هيكلية بسطت سيطرتها على مختلف مناحي الحياة بالمدينة، وتصطدم بإشكاليات كثيرة تعيق السير قدمًا نحو تحقيق الأهداف المحدّدة، ما يجعل من طنجة مدينة يسودها نموذجان متضادان، ليس من حيث أنماط القيم والسلوكيات فحسب، بل من حيث التنظيم والتدبير أيضًا.
وإذا كانت المدينة قد عرفت، خلال العقدين الأخيرين، نموًّا سريعًا في عدّة مجالات، فإن هَذَا النمو والتطوّر الكبيرين لم ينجحا في تحقيق أي قفزة نوعية في المجال العمراني، بل ساهما بشكل أو بآخر في انحلال النسيج الحضري للمدينة، بفعل تسارع وتيرة الهجرة الَّتِي أصبحت جماعية بالأسر والعائلات، وهو ما زاد من انتشار السكن العشوائي بكلّ تجلياته، كما عمّق الهوة بين أحياء وسط المدينة وأحياء الهوامش الهشة والمفتقرة أو الناقصة التجهيز، الَّتِي ما زالت تعيش على أنشطة قرويّة بامتياز مثل رعي وتربية الماشية والدواجن.
ومن أبرز مظاهر العشوائية في الأحياء الهامشية المحيطة بمدينة طنجة، مشهد المنازل المتلاصقة والأزقة الضيقة، المزدحمة بعددٍ كبيرٍ من السكان، هَذِهِ الأحياء نبتت في أوقات معينة بطرق لا تخلو من عشوائية، فيما ينظر البعض لسكانها على أنَّهم قاعدة انتخابية يتساهل معهم في إحداث بنايات تصلح لكلّ شيء إلا للسكن الآمن.
إن ارتفاع عدد أفراد الأسر وضيق المجال وغياب الشروط الصحية، من المعيقات الكثيرة، الَّتِي اصطدم بها تنفيذ قرار الحجر الصحي -سابقًا- وحالة الطوارئ الصحية بهَذِهِ الأحياء، خاصّةً تلك الَّتِي أنشأت في الثمانينيات والتسعينيات وتنتفي فيها شروط السلامة.
إن جائحة (كوفيد -19) كشفت بشكل واضح عن أنَّ التركيبة العمرانية للأحياء الشعبية العشوائية، لا تُشكّل عنصرًا مُساعدًا لأغراض التدخل الصحي، وربَّما قد يعتبرها البعض عنصرا دافعًا لعدم امتثال بعض شبابها للقرار حظر التنقل والاستمرار في السير والجولان بين أزقتها مغامرين بحياتهم وسلامتهم وأفراد أسرهم كثيرة العدد وقليلة الدخل.
ويعود السبب الرئيسي لما تشهده الأحياء العشوائية بضواحي طنجة، في ظلّ حالة الطوارئ الصحية، إلى التداخل الموجود في هَذِهِ الأحياء بين المباني السكنية والأسواق العشوائية، إذ يكاد لا يخلو أي شارع أو زقاق من محلات بيع الموادّ الغذائية ومحلات الحرفيّين و«الفراشة» من باعة الخضر والفواكه الَّذِينَ يبسطون بضاعتهم على الرصيف، كل ذلك يجعل من الطبيعي أن يكثر الازدحام في هَذِهِ الأحياء والأسواق العشوائية، خاصّةً خلال أيّام شهر رمضان حيث عادة ما ترتفع وتيرة الأنشطة التجاريّة والتسوّق.
وتجدر الإشارة، إلى أنّ السلطات الأمنية بطنجة سبق وأن أوقفت مجموعةً من الأشخاص وهم بصدد إقامة صلاة التراويح أمام مدخل أحد المساجد الواقع ضمن النفوذ الترابي لمقاطعة بني مكادة، كما داهمت القوات العمومية عددًا من المقاهي بكلّ من أحياء: مغوغة وعزيب الحاج قدور، إثر خرقها لتدابير حالة الطوارئ الصحية، قبل أن توقف 40 شخصًا لرفضهم الامتثال لتدابير وإجراءات الإغلاق الليلي، الَّتِي أقرتها السلطات المختصة.
