تواصل معنا

مجتمع

طنجة على حافة الخطر.. المخدرات تغزو محيط مدارس المدينة والمراهقون في قلب المعركة

تعيش‭ ‬مدينة‭ ‬طنجة‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬وقع‭ ‬ظاهرة‭ ‬متسارعة‭ ‬ومرعبة‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد،‭ ‬إذ‭ ‬يتزايد‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭ ‬عدد‭ ‬المتمدرسين‭ ‬الذين‭ ‬يقعون‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬المخدرات،‭ ‬ما‭ ‬يضع‭ ‬الأسرة‭ ‬والمدرسة‭ ‬والمجتمع‭ ‬أمام‭ ‬تحدٍ‭ ‬حقيقي‭ ‬لم‭ ‬تعهده‭ ‬المدينة‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬

ففي‭ ‬أحياء‭ ‬مثل‭ ‬بني‭ ‬مكادة‭ ‬والمدينة‭ ‬القديمة،‭ ‬أصبحت‭ ‬المخدرات،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬الشيرا‮»‬‭ ‬والأقراص‭ ‬المهلوسة،‭ ‬منتشرة‭ ‬بين‭ ‬تلاميذ‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬13‭ ‬إلى‭ ‬18‭ ‬سنة،‭ ‬بينما‭ ‬يتردّد‭ ‬بعضهم‭ ‬على‭ ‬أماكن‭ ‬معزولة‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الدروس،‭ ‬حيث‭ ‬يلتقون‭ ‬بالمروجين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يتوانون‭ ‬عن‭ ‬استغلال‭ ‬براءة‭ ‬المراهقين‭.‬

تروي‭ ‬‮«‬سلمى‮»‬،‭ ‬تلميذة‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬الثانية‭ ‬بكالوريا،‭ ‬تجربتها‭ ‬بصراحة‭: ‬‮«‬كنت‭ ‬أرى‭ ‬أصدقاء‭ ‬لي‭ ‬يجربون‭ ‬السجائر‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬ثم‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬انتقلوا‭ ‬إلى‭ ‬مواد‭ ‬مخدرة‭ ‬أكثر‭ ‬خطورة‭.‬

وتضيف‭ ‬المتحدثة‭ ‬ذاتها،‭ ‬البالغة‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬17‭ ‬سنة،‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬الخوف‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬يشارك‭ ‬دون‭ ‬خوف،‭ ‬لأنَّ‭ ‬المروجين‭ ‬يعرفون‭ ‬جيدًا‭ ‬أوقات‭ ‬غياب‭ ‬المراقبة‭ ‬عند‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬المدرسة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الفترات‭ ‬الَّتِي‭ ‬تكون‭ ‬فيها‭ ‬الشوارع‭ ‬أقل‭ ‬رقابة‮»‬‭.‬

وتشير‭ ‬أستاذة‭ ‬التربية‭ ‬البدنية‭ ‬بإحدى‭ ‬الثانويات‭ ‬الكبرى‭ ‬بالمدينة،‭ ‬إلى‭ ‬أنَّ‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬محصورة‭ ‬في‭ ‬أحياء‭ ‬معينة،‭ ‬بل‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬قلب‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬المدينة‭. ‬تقول‭: ‬‮«‬نلاحظ‭ ‬تراجعًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬التركيز‭ ‬والسلوك‭ ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬التلاميذ‭. ‬عند‭ ‬التحقيق‭ ‬معهم،‭ ‬نجد‭ ‬غالبًا‭ ‬أن‭ ‬السبب‭ ‬مرتبط‭ ‬بتعاطي‭ ‬المخدرات‭. ‬المشكلة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬هش‭ ‬نفسيًا،‭ ‬يواجه‭ ‬ضغوطًا‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الأسرة‭ ‬والمجتمع،‭ ‬ويبحث‭ ‬عن‭ ‬مهرب‭ ‬سريع‭ ‬للهروب‭ ‬من‭ ‬الواقع‮»‬‭.‬

وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬الأمني،‭ ‬أكَّدت‭ ‬مصادر‭ ‬من‭ ‬ولاية‭ ‬أمن‭ ‬طنجة،‭ ‬أنَّ‭ ‬مصالح‭ ‬مكافحة‭ ‬المخدرات‭ ‬كثفت‭ ‬حملاتها‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية،‭ ‬وتمكنت‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬توقيف‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المروجين‭ ‬القصر‭ ‬وحجز‭ ‬كميات‭ ‬معتبرة‭ ‬من‭ ‬المخدرات‭. ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬الجهود،‭ ‬تبقى‭ ‬إجراءات‭ ‬جزئية‭ ‬وغير‭ ‬كافية،‭ ‬لأن‭ ‬الظاهرة‭ ‬متجذرة‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدرسي‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭. ‬المطلوب‭ ‬خطة‭ ‬متكاملة‭ ‬تشمل‭ ‬الأسرة‭ ‬والمدرسة‭ ‬والجمعيات،‭ ‬مع‭ ‬فتح‭ ‬فضاءات‭ ‬للشباب‭ ‬تشغل‭ ‬وقت‭ ‬فراغهم‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الشارع‮»‬‭.‬

إن‭ ‬الواقع‭ ‬أصبح‭ ‬أكثر‭ ‬خطورة‭ ‬مما‭ ‬يظهره‭ ‬الإحصاء‭ ‬الرسمي،‭ ‬حيث‭ ‬يكتشف‭ ‬التربويّون‭ ‬يوميًا‭ ‬حالات‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬المراهقين‭ ‬الذين‭ ‬جربوا‭ ‬المخدرات‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬بعضهم‭ ‬في‭ ‬عمر‭ ‬13‭ ‬سنة‭ ‬فقط‭. ‬ويؤكد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬التدخل‭ ‬المبكر‭ ‬ضرورة‭ ‬حتمية،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬ضحية‭ ‬إدمان‭ ‬طويل‭ ‬الأمد‭ ‬يعصف‭ ‬بمستقبله‭ ‬التعليمي‭ ‬والاجتماعي‮»‬‭.‬

أوضحت‭ ‬اختصاصية‭ ‬نفسية،‭ ‬أنَّ‭ ‬تعاطي‭ ‬المخدرات‭ ‬في‭ ‬سنّ‭ ‬المراهقة‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬انحراف‭ ‬سلوكي،‭ ‬بل‭ ‬‮«‬صرخة‭ ‬صامتة‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬يشعرون‭ ‬بالعزلة‭ ‬والضغط‭ ‬النفسي‭. ‬هؤلاء‭ ‬يحتاجون‭ ‬للاستماع‭ ‬والدعم‭ ‬النفسي،‭ ‬وبناء‭ ‬الثقة‭ ‬معهم‭ ‬داخل‭ ‬المدرسة‭ ‬وخارجها،‭ ‬حتى‭ ‬يشعروا‭ ‬بأن‭ ‬لديهم‭ ‬مكانًا‭ ‬آمنًا‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬مشكلاتهم‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬المخدرات‭ ‬كمهرب‭ ‬مؤقت‮»‬‭.‬

يؤكد‭ ‬بعض‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬أن‭ ‬المخدرات‭ ‬باتت‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬المشهد‭ ‬اليومي‭ ‬لمحيط‭ ‬المدرسة‭. ‬تقول‭ ‬أم‭ ‬أحد‭ ‬التلاميذ‭: ‬‮«‬أرى‭ ‬ابني‭ ‬يعود‭ ‬أحيانًا‭ ‬من‭ ‬المدرسة‭ ‬متعبًا‭ ‬وغاضبًا،‭ ‬وأحيانًا‭ ‬يظهر‭ ‬عليه‭ ‬تغير‭ ‬المزاج‭ ‬بسرعة‭. ‬عندما‭ ‬حاولت‭ ‬الاستفسار،‭ ‬كان‭ ‬يكذب‭ ‬أو‭ ‬يتجنب‭ ‬الحديث‭. ‬أشعر‭ ‬بالعجز‭ ‬أمام‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬الَّتِي‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نعرف‭ ‬حجمها‭ ‬من‭ ‬قبل‮»‬‭.‬

وتظلُّ‭ ‬طنجة‭ ‬اليوم‭ ‬أمام‭ ‬حالة‭ ‬إنذار‭ ‬حقيقي،‭ ‬حيث‭ ‬تتقاطع‭ ‬الجهود‭ ‬الأمنية‭ ‬مع‭ ‬العمل‭ ‬المدني‭ ‬والتربوي،‭ ‬لكن‭ ‬التحدّي‭ ‬الأكبر‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬ثقة‭ ‬الشباب‭ ‬بالمجتمع‭ ‬والأسرة‭ ‬والمدرسة،‭ ‬وإيجاد‭ ‬آليات‭ ‬فعالة‭ ‬لمنع‭ ‬تكرار‭ ‬الانجراف‭ ‬نحو‭ ‬المخدرات‭. ‬ومع‭ ‬استمرار‭ ‬تفشي‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬المعركة‭ ‬الحقيقية‭ ‬لن‭ ‬تُحسم‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعاون‭ ‬شامل‭ ‬ومستدام‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬الفاعلين‭ ‬المحليين،‭ ‬لتتحوَّل‭ ‬المدرسة‭ ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬خطر‭ ‬محتمل‭ ‬إلى‭ ‬بيئة‭ ‬آمنة‭ ‬تنمي‭ ‬قدرات‭ ‬الشباب‭ ‬وتحمي‭ ‬مستقبلهم‭.‬

تابعنا على الفيسبوك