سياحة
الســيـــاحـــة فــي طــنجـــــة.. بين الانتعاش الاقتصادي والتحديات الاجتماعية
مما لا شكّ فيه، فإنَّ طنجة، مدينة البحر الأبيض المتوسط، وملتقى البحرين، كانت أحد الوجهات السياحية المفضلة للمغاربة والأجانب على حد سواء.
إذ تتمتع عاصمة البوغاز بجوها المعتدل وتاريخها العريق، الَّذِي يمتزج مع الثقافة الحديثة، ما يجعلها مركزًا سياحيًّا مهمًّا على الصعيدين المحلي والدولي. لكن الزيادة الملحوظة في عدد السياح في السنوات الأخيرة طرحت تساؤلات حول تأثير هذه الزيادة على الحياة الاجتماعية والاقتصاد المحلي، وعلى السكان الذين أصبحوا يواجهون تحديات جديدة جراء هذه الحركة السياحية المتزايدة.
سعيد، صاحب مقهى صغير في حي «المدينة القديمة» بطنجة، يوضح قائلًا: «السياحة جلبت لنا كثيرًا من الزبائن، خاصة من السياح الأوروبيين، وهذا بالطبع ساعد في تحسين دخلنا. لكن في الوقت نفسه، الأسعار ارتفعت بشكل ملحوظ، سواء بالنسبة للمأكولات أو حتّى الإيجارات. أصبحنا نجد صعوبة في شراء المواد الأساسية بأسعار معقولة».
المشكلة الَّتِي يطرحها سعيد ليست مقتصرة على القطاع التجاري فقط، بل تشمل عددًا من القطاعات الأخرى مثل الإسكان. فقد شهدت أسعار الإيجارات في طنجة ارتفاعًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، ما جعل السكن في بعض المناطق يتجاوز قدرة السكان المحليين على تحمله.
فاطمة، الَّتِي تعمل في مجال التعليم، تقول: «كنت أبحث عن شقة للإيجار في منطقة العوامة، لكن الأسعار الَّتِي طلبها أصحاب العقارات كانت مرتفعة للغاية مقارنة بما كانت عليه قبل خمس سنوات. أصبح الأمر مستحيلًا بالنسبة لكثير من العائلات من الطبقات المتوسطة».
تقول أمينة، إحدى الأمهات في حي «بني مكادة»، وهي تحدثنا عن تأثير السياحة في حياتها اليومية: «الأسواق هنا أصبحت أكثر ازدحامًا، والمطاعم والفنادق الَّتِي كانت تابعة للسكان المحليين أصبحت مليئة بالسياح، مما جعل الحياة اليومية أكثر صعوبة. أنا لا أعارض السياحة، لكنها يجب أن تكون متوازنة».
لكن على الجانب الآخر، يُؤكّد البعض، أن السياحة قد جلبت فرصًا اقتصادية مهمة للمدينة. كريم، الَّذِي يمتلك محلًا لبيع الحرف اليدوية في ساحة «طنجة المدينة»، يرى أن السياحة ساعدت في تعزيز مكانته التجارية: «نحن نعيش من السياحة هنا، والسياح يشترون منتجاتنا. فالحرف اليدوية الطنجاوية الآن لها سوق عالمي. بالطبع، هناك بعض التحديات مثل الزحام، لكنَّنا نُقدّر ما تقدمه السياحة للاقتصاد المحلي».
ولا يمكن إغفال جانب آخر من تأثير السياحة، وهو الطابع الثقافي والاجتماعي الَّذِي تحمله. فقد تزايدت الفعاليات والمهرجانات في طنجة، ما منح المدينة طابعًا ثقافيًّا مميزًا وجذب إليها مزيدًا من السياح من مختلف أنحاء العالم. تقول ليلى، وهي مديرة أحد الفنادق في طنجة: «طنجة أصبحت وجهة سياحية معروفة في مجال عالمي، وهذا أسهم في جلب نوعية جديدة من السياح الذين يبحثون عن الثقافة والفن، مما ساعد في تعزيز مكانة المدينة ثقافيًّا في مجال المغرب والعالم».
على الرغم من الفوائد الاقتصادية الَّتِي يجلبها السياح إلى المدينة، يبقى تساؤل مُهمٌّ حول كيفية تحقيق توازن بين الاستفادة من السياحة والحفاظ على حقوق السكان المحليين. فالارتفاع المستمر في الأسعار، خاصّةً في مجالات السكن والتموين، قد يؤثر سلبًا في نوعية الحياة لبعض المواطنين. فهل يمكن للسياحة أن تُحقّق استفادة متوازنة بين جميع الأطراف في طنجة؟
بالتأكيد، فإنَّ المستقبل سيُحدّد ما إذا كانت طنجة قادرة على دمج السياحة في الحياة اليومية بشكل مستدام يعكس مصالح الجميع. ويبقى الأمل في أن تستمر المدينة في الحفاظ على طابعها الفريد، بينما تضمن جودة حياة أفضل للسكان المحليين.


