تواصل معنا

مجتمع

«أمانديس».. شركة تحت المجهر: فواتير ملتهبة وخدمات تثير الغضب في مدن الشمال

بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقدين‭ ‬على‭ ‬تفويض‭ ‬تدبير‭ ‬قطاع‭ ‬الماء‭ ‬والكهرباء‭ ‬والتطهير‭ ‬السائل‭ ‬لشركة‭ ‬أمانديس‭ ‬الفرنسية‭ ‬بمدينة‭ ‬طنجة‭ ‬يتجدد‭ ‬الجدل‭ ‬حول‭ ‬أداء‭ ‬هذه‭ ‬الشركة،‭ ‬الَّتِي‭ ‬تحوَّلت‭ ‬من‭ ‬رمز‭ ‬للحداثة‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬المرافق‭ ‬الحيوية‭ ‬إلى‭ ‬عنوان‭ ‬للاحتقان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والغضب‭ ‬الشعبي،‭ ‬وسط‭ ‬شكايات‭ ‬متزايدة‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬حول‭ ‬ارتفاع‭ ‬الفواتير‭ ‬وتردي‭ ‬جودة‭ ‬الخدمات،‭ ‬وغياب‭ ‬الشفافية‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الزبناء‭.‬

ففي‭ ‬كل‭ ‬موسم،‭ ‬خاصّةً‭ ‬فترات‭ ‬الصيف‭ ‬أو‭ ‬بعد‭ ‬موجات‭ ‬الأمطار،‭ ‬يعود‭ ‬اسم‭ ‬أمانديس‭ ‬إلى‭ ‬واجهة‭ ‬النقاش‭ ‬العمومي،‭ ‬بعدما‭ ‬باتت‭ ‬شكايات‭ ‬الأسر‭ ‬من‭ ‬الفواتير‭ ‬‮«‬الخيالية‮»‬‭ ‬مادة‭ ‬ثابتة‭ ‬في‭ ‬المجالس‭ ‬البلدية‭ ‬ومواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭.  ‬مواطنون‭ ‬كثر‭ ‬يؤكدون‭ ‬أنهم‭ ‬يتفاجؤون‭ ‬بمبالغ‭ ‬مضاعفة‭ ‬في‭ ‬فواتير‭ ‬الماء‭ ‬والكهرباء،‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬استهلاكهم‭ ‬الفعلي،‭ ‬فيما‭ ‬يشتكون‭ ‬من‭ ‬صعوبة‭ ‬الولوج‭ ‬إلى‭ ‬المكاتب‭ ‬لتقديم‭ ‬الشكايات،‭ ‬ومن‭ ‬غياب‭ ‬أي‭ ‬تجاوب‭ ‬فعلي‭ ‬للشركة‭.‬

ويصف‭ ‬فاعلون‭ ‬جمعويون‭ ‬في‭ ‬طنجة‭ ‬طريقة‭ ‬تعامل‭ ‬أمانديس‭ ‬مع‭ ‬المواطنين‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬بيروقراطية‭ ‬متعجرفة‮»‬،‭ ‬لا‭ ‬تراعي‭ ‬ظروف‭ ‬الأسر‭ ‬الفقيرة‭ ‬ولا‭ ‬تتفاعل‭ ‬بالسرعة‭ ‬المطلوبة‭ ‬مع‭ ‬الأعطاب‭ ‬والانقطاعات‭ ‬المتكررة‭ ‬في‭ ‬التيار‭ ‬الكهربائي‭ ‬أو‭ ‬انقطاع‭ ‬الماء‭ ‬الصالح‭ ‬للشرب‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأحياء‭ ‬الشعبية،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬منطقتي‭ ‬بني‭ ‬مكادة‭ ‬ومغوغة‭.‬

وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬تستمر‭ ‬الشركة‭ ‬في‭ ‬تبرير‭ ‬موقفها‭ ‬بكون‭ ‬الفواتير‭ ‬تُحسب‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬مؤشرات‭ ‬العدادات،‭ ‬وأنها‭ ‬تعتمد‭ ‬نظاما‭ ‬معلوماتيا‭ ‬دقيقا،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الواقع،‭ ‬كما‭ ‬يراه‭ ‬المواطنون،‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭. ‬فالكثير‭ ‬من‭ ‬العدادات‭ ‬قديمة‭ ‬أو‭ ‬معطلة،‭ ‬وبعضها‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬يصعب‭ ‬الوصول‭ ‬إليها،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬أعوان‭ ‬الشركة‭ ‬يعتمدون‭ ‬على‭ ‬تقديرات‭ ‬تقريبية‭ ‬تُضاعف‭ ‬الاستهلاك،‭ ‬وتُحمّل‭ ‬الزبون‭ ‬أخطاء‭ ‬تقنية‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بها‭.‬

الاحتجاجات‭ ‬الَّتِي‭ ‬شهدتها‭ ‬طنجة‭ ‬سنة‭ ‬2015‭ ‬ضد‭ ‬أمانديس‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬السكان،‭ ‬بعدما‭ ‬تحولت‭ ‬فواتير‭ ‬الماء‭ ‬والكهرباء‭ ‬آنذاك‭ ‬إلى‭ ‬شرارة‭ ‬أشعلت‭ ‬مسيرات‭ ‬شعبية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬المدينة،‭ ‬دفعت‭ ‬السلطات‭ ‬إلى‭ ‬التدخل‭ ‬العاجل‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬احتساب‭ ‬الفواتير‭ ‬وإنشاء‭ ‬لجنة‭ ‬لتتبع‭ ‬أداء‭ ‬الشركة‭. ‬لكن،‭ ‬رغم‭ ‬الوعود‭ ‬والإجراءات‭ ‬المعلنة‭ ‬حينها،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭ ‬كثيرا،‭ ‬وأن‭ ‬أسباب‭ ‬الغضب‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬قائمة‭ ‬وإن‭ ‬خفتت‭ ‬مظاهرها‭ ‬في‭ ‬الشارع‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬تُوجَّه‭ ‬انتقادات‭ ‬حادة‭ ‬إلى‭ ‬المجالس‭ ‬المنتخبة‭ ‬المتعاقبة،‭ ‬بسبب‭ ‬ضعف‭ ‬مراقبتها‭ ‬أداء‭ ‬الشركة‭ ‬المفوضة،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬عقد‭ ‬التدبير‭ ‬المفوض‭ ‬يمنحها‭ ‬صلاحية‭ ‬المراقبة‭ ‬والتتبع‭. ‬

فكثير‭ ‬من‭ ‬المنتخبين‭ ‬يفضلون‭ ‬الصمت‭ ‬أو‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بالبيانات‭ ‬الغامضة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تتزايد‭ ‬مظاهر‭ ‬الاستياء‭ ‬في‭ ‬الأحياء‭ ‬المهمشة‭ ‬الَّتِي‭ ‬تعاني‭ ‬اختناق‭ ‬شبكات‭ ‬الصرف‭ ‬الصحي‭ ‬وضعف‭ ‬الاستثمارات‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭. ‬ويرى‭ ‬متابعون‭ ‬للشأن‭ ‬المحلي‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬مظاهر‭ ‬سوء‭ ‬تدبير‭ ‬أمانديس‭ ‬هو‭ ‬غياب‭ ‬العدالة‭ ‬المجالية‭ ‬في‭ ‬الاستثمار‭ ‬داخل‭ ‬مدن‭ ‬الجهة،‭ ‬إذ‭ ‬تتركز‭ ‬أغلب‭ ‬الأشغال‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الراقية‭ ‬أو‭ ‬الصناعية،‭ ‬بينما‭ ‬تبقى‭ ‬الأحياء‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬الهامش،‭ ‬تعاني‭ ‬تسرُّبات‭ ‬متكررة‭ ‬للمياه‭ ‬العادمة‭ ‬وتراكم‭ ‬الحفر‭ ‬والروائح‭ ‬الكريهة،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬أحياء‭ ‬بني‭ ‬مكادة،‭ ‬مسنانة،‭ ‬والسواني،‭ ‬وكسبارطا‭.‬

كما‭ ‬تُتهم‭ ‬الشركة‭ ‬بأنها‭ ‬تشتغل‭ ‬بمنطق‭ ‬‮«‬الربح‭ ‬أولًا‮»‬،‭ ‬متناسية‭ ‬بعدها‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬تراعي‭ ‬الوضعيات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لعددٍ‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬الَّتِي‭ ‬تعيش‭ ‬هشاشة‭ ‬اقتصادية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬موجة‭ ‬الغلاء‭ ‬الحالية‭. ‬فبدل‭ ‬أن‭ ‬تبادر‭ ‬إلى‭ ‬تسهيلات‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬أو‭ ‬مراجعة‭ ‬نظام‭ ‬الأشطر،‭ ‬تلجأ‭ ‬إلى‭ ‬قطع‭ ‬الخدمة‭ ‬عن‭ ‬المتأخرين‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬دون‭ ‬سابق‭ ‬إنذار،‭ ‬ما‭ ‬يضاعف‭ ‬معاناة‭ ‬الساكنة‭ ‬ويعمق‭ ‬الإحساس‭ ‬بالحيف‭.‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬يطالب‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الفاعلين‭ ‬المحليين‭ ‬بفتح‭ ‬ملف‭ ‬التدبير‭ ‬المفوض‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬ومراجعة‭ ‬بنود‭ ‬العقد‭ ‬الَّذِي‭ ‬يربط‭ ‬الجماعات‭ ‬المحلية‭ ‬بشركة‭ ‬أمانديس،‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬مبدأ‭ ‬الشفافية‭ ‬وربط‭ ‬الأداء‭ ‬بالجودة،‭ ‬وإلزام‭ ‬الشركة‭ ‬باحترام‭ ‬التزاماتها‭ ‬الاستثمارية‭ ‬في‭ ‬صيانة‭ ‬الشبكات‭ ‬وتجديد‭ ‬البنيات‭ ‬التحتية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الَّتِي‭ ‬تشهد‭ ‬توسعًا‭ ‬عمرانيًا‭ ‬متسارعًا‭.‬

وتشير‭ ‬تقارير‭ ‬غير‭ ‬رسمية‭ ‬إلى‭ ‬أنَّ‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الأعطاب‭ ‬التقنية‭ ‬المسجلة‭ ‬في‭ ‬شبكات‭ ‬التطهير‭ ‬والماء‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬تهالك‭ ‬البنيات‭ ‬القديمة‭ ‬الَّتِي‭ ‬لم‭ ‬تُجدد‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬التسربات‭ ‬وفقدان‭ ‬كميات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المياه‭ ‬ظاهرة‭ ‬يومية‭ ‬تكلف‭ ‬الجهة‭ ‬خسائر‭ ‬مالية‭ ‬ضخمة‭.‬

ويؤكد‭ ‬خبراء‭ ‬في‭ ‬المجال،‭ ‬أنَّ‭ ‬إنهاء‭ ‬حالة‭ ‬الاحتقان‭ ‬لن‭ ‬يتحقق‭ ‬إلا‭ ‬بتفعيل‭ ‬آليات‭ ‬المراقبة‭ ‬الفعلية‭ ‬الَّتِي‭ ‬ينص‭ ‬عليها‭ ‬عقد‭ ‬التفويض،‭ ‬وإشراك‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬تتبع‭ ‬جودة‭ ‬الخدمات،‭ ‬بدل‭ ‬ترك‭ ‬الملف‭ ‬حكرا‭ ‬على‭ ‬اجتماعات‭ ‬مغلقة‭ ‬بين‭ ‬مسؤولي‭ ‬الشركة‭ ‬وممثلي‭ ‬الجماعات‭. ‬كما‭ ‬دعوا‭ ‬إلى‭ ‬اعتماد‭ ‬نظام‭ ‬إلكتروني‭ ‬شفاف‭ ‬للفوترة‭ ‬يمكّن‭ ‬الزبناء‭ ‬من‭ ‬تتبع‭ ‬استهلاكهم‭ ‬لحظة‭ ‬بلحظة‭.‬

تابعنا على الفيسبوك