آخر الأخبار
طنجة والمسيرة الخضراء.. إرث الحسن الثاني وامتداد رؤية محمد السادس في 26 سنة من التنمية

تظلُّ المسيرة الخضراء حدثًا مفصليًّا في تاريخ المغرب المعاصر، ليس فقط لأنّها جسدت وحدة الشعب المغربي حول قضية الصحراء، بل أيضًا لأنها شكَّلت نقطة انطلاق لتحوُّلات سياسية واجتماعية واقتصادية عميقة، أثرت بصورة ملموسة في مختلف المدن، بما فيها طنجة، المدينة الساحلية الَّتِي لعبت دومًا دورًا استراتيجيًّا في مسار التنمية الوطنية. في هذا السياق، لا يمكن فصل الإنجازات المحلية عن الرؤية الملكية الَّتِي بدأها الملك الراحل الحسن الثاني، وتواصلت بقوة تحت قيادة الملك محمد السادس، الَّذِي أتمت مُدّة حكمه السادسة والعشرين مفعمة بالمشاريع الكبرى والتحولات البنيوية.
انطلقت المسيرة الخضراء في 6 نوفمبر 1975، حين دعا الملك الحسن الثاني المواطنين إلى المشاركة في تحرك سلمي نحو الصحراء، تأكيدًا على مغربية الأقاليم الجنوبية في مواجهة التحدّيات السياسية والإقليمية، وفي ظل التوترات الَّتِي كانت تحيط بالقضية على المستوى الدولي. وقد كانت طنجة، بحكم موقعها الجغرافي وبوصفها مدينة متعددة الثقافات والتجارب الاقتصادية، من بين المدن الَّتِي شعرت مباشرةً بنبض هذا الحدث الوطني. فقد عرفت المدينة حركة واسعة في التعبئة الشعبية، وتضامنًا حقيقيًّا من جميع مكونات المجتمع، مُعبّرة عن وحدة وطنية لم يسبق لها مثيل.
شهدت طنجة خلال تلك المُدّة تحوّلات اقتصادية وثقافية مرتبطة بتأثير المسيرة، إذ أدى الحضور المكثف للجهود الوطنية إلى تعزيز روح الانتماء الوطني، وتحفيز الشباب على المشاركة الفعلية في الحياة العامة. وقد أسهم هذا النشاط الشعبي في ترسيخ فكرة أن التنمية والاستقرار لا يمكن أن تتحققا إلا من خلال المشاركة الجماعية والمساهمة الوطنية، وهو ما شكل أرضية صلبة لمشاريع مستقبلية، سواء في مجال البنية التحتية أو في مجال السياسة الاجتماعية.
مع مرور الوقت، خصوصًا خلال عهد الملك محمد السادس، دخلت طنجة مرحلة جديدة من التنمية المكثفة الَّتِي استندت إلى الرؤية الملكية الشاملة لمغربية الصحراء وأهمية المشاريع المهيكلة، فقد شهدت المدينة استثمارات ضخمة في البنية التحتية، سواء في المواصلات أو الموانئ أو الخِدْمات العامة، بما يعكس اهتمام الدولة بتجسيد الوحدة الترابية على الأرض، وتعزيز مكانة طنجة بوصفها محورًا اقتصاديًّا وثقافيًّا واستراتيجيًّا. ويشير محللون، إلى أن هذا التوجه يعكس امتدادًا عمليًا لمسيرة الحسن الثاني، لكن مع التركيز على التنمية الشاملة والاستثمار في الإنسان والبنية التحتية.
من أبرز المشاريع الَّتِي شكلت انعكاسًا مباشرًا للرؤية الملكية في طنجة، تطوير ميناء طنجة المتوسط وتوسيع شبكة النقل الحضري، وهي مشاريع تعكس اهتمام الدولة بتحويل المدينة إلى بوابة اقتصادية كبرى في مجال المغرب والشمال الإفريقي. وقد أسهمت هذه المشاريع في خلق آلاف فرص العمل، وتحسين مستوى الخدمات، ودعم الاقتصاد المحلي، بما يعكس كيف يمكن لرؤية سياسية مرتبطة بالقضية الوطنية أن تتحول إلى محرك للتنمية المحلية.
كما ارتبطت تجربة طنجة بالمشاريع الثقافية والتعليمية، حيث شهدت المدينة تأسيس مؤسسات تعليمية وجامعية، وتهيئة فضاءات ثقافية، لتعزيز الانتماء الوطني وتربية الأجيال الجديدة على قيم الوحدة والتراث المغربي. ويشير أساتذة جامعيون، إلى أن هذه المشاريع لم تكن مجرد استثمارات في البنية المادية، بل أيضًا في الرأسمال البشري والفكري للمدينة، مما يعكس استدامة رؤية الملكية المغربية الَّتِي تربط بين القضايا الوطنية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
ومن الناحية الاجتماعية، كان للسياسات الملكية أثرٌ مباشرٌ في تعزيز التضامن والتلاحم بين مختلف شرائح المجتمع الطنجاوي، فقد شملت برامج التنمية، إلى جانب البنية التحتية، مشاريع اجتماعية تهدف إلى تحسين ظروف العيش، وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية، وتوسيع فرص التشغيل، خصوصًا في الأحياء الَّتِي كانت تعاني نقصًا في الخدمات منذ عقود. ويؤكد مواطنون أن هذه المبادرات عززت من شعورهم بالفخر والانتماء، وأكدت أن المسيرة الخضراء لم تكن مجرد رمز سياسي، بل قاعدة فعلية لبناء المغرب الحديث.
في هذا السياق، يلاحظ المتابعون، كيف أن مُدّة 26 سنة من حكم محمد السادس شهدت استمرارية واضحة في تطبيق مبادئ المسيرة الخضراء على الأرض، لكنها تجاوزت البعد الرمزي لتصبح رؤية عملية للنهوض بالمدن المغربية، بما فيها طنجة، على جميع الأصعدة. ويشير أحد الخبراء في التنمية الحضرية: «الإنجازات في طنجة اليوم، سواء في مجال النقل، أو الموانئ، أو التعليم، هي امتداد عملي للمسيرة الخضراء، لأنها تجسد فكرة أن التنمية الوطنية مرتبطة بالانتماء الوطني ووحدة التراب المغربي».
ويضيف المحلل، أنَّ هذه التجربة تُظهر قدرة المغرب على تحويل رمز سياسي تاريخي إلى أدوات تنموية ملموسة، حيث تتكامل المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لتعكس القيم الوطنية، وتربط بين الماضي المجيد للبلاد ومستقبلها الطموح. وهو ما يجعل من طنجة نموذجًا لمدينة مغربية تتفاعل مع الأحداث التاريخية، وتستثمرها في مسار تنموي مستدام.
كما أنَّ انعكاس المسيرة الخضراء في المشهد الدولي كان حاضرًا في المواقف المتزامنة مع التصويت الأخير بالأمم المتحدة الَّذِي أكَّد مغربية الصحراء. فقد عززت هذه المعطيات شعور الطنجاويين بالانتماء، ووضعت المدينة في قلب الاحتفال الوطني بالإنجازات السياسية، وهو ما جعل الرؤية الملكية أكثر وضوحًا في ربط السياسة الخارجية بالتنمية المحلية. ويشير ناشطون إلى أن هذه اللحظة تُؤكّد أن المسيرة الخضراء لم تكن حدثًا عابرًا، بل إرثًا مستمرًا ينعكس على الأرض في التنمية والاستثمار والخدمات العامة.
كما يُظهر الرصد الميداني أن المواطن الطنجاوي أصبح أكثر وعيًا بالدور الرمزي والفعلي للمسيرة الخضراء، إذ تُعدُّ اليوم مرجعًا للتربية الوطنية والفخر الوطني، ويعكس هذا الوعي تأثير السياسات الملكية المباشرة في تعزيز روح الانتماء، وإدراك أن الاستقرار والتنمية مرتبطان بوحدة التراب الوطني. ويشير أحد الأساتذة الجامعيين: «طنجة مثال حي على أن المشاريع الملكية، الَّتِي استندت على رمزية المسيرة الخضراء، يمكن أن تتحوّل إلى برامج تنموية مستدامة تعزز من مستوى المعيشة وتضمن مستقبل أفضل للأجيال القادمة».
وتظلُّ طنجة اليوم مدينة تجسد إرث المسيرة الخضراء، وتربط بين رمزيتها الوطنية وواقع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مما يجعلها نموذجًا يُحتذى به في المغرب، بل وفي المنطقة المغاربية عمومًا. التجربة الطنجاوية تُظهر كيف يمكن لحدث تاريخي، بدأ قبل أكثر من أربعة عقود، أن يستمر في التأثير على السياسات المحلية، ويرسم خارطة طريق للتنمية المتكاملة، ويؤكد أن رؤية الملك الحسن الثاني لم تتوقف عند رمزية الحدث، بل تحولت إلى مشروع وطني عملي امتد عبر 26 سنة من حكم الملك محمد السادس، ليضع طنجة في قلب مسار التنمية المغربية.