مقالات الرأي
هل الإسلام السياسي ظاهرة سياسية حديثة حصرية أم أنه مدين لالتزامات دينية إسلامية طويلة الأمد؟

أنوار المجاهد
يركز هَذَا المقال على الأسئلة الَّتِي تتعلّق بالجوانب الأيديولوجية والمعياريّة والرمزيّة والعصريّة للإسلام السياسي. واختلف المنظّرون السياسيّون والمؤرخون وعلماء الاجتماع وعلماء الأنثروبولوجيا، بشأن ما إذا كان الإسلام السياسي ظاهرةً سياسيّةً حديثةً حصريةً أم أنّه مدين لالتزامات دينية إسلامية طويلة الأمد.
وبشكل أكثر تحديدًا، فقد اختلفوا أيضًا بشأن ما إذا كان شكل الإسلام السياسي وطموحاته تحدّدها بالكامل سلطات الدولة البيروقراطية الحديثة ومؤسّساتها، لا سيَّما رغبتها العلمانية في السيطرة على الدين وتنظيمه وإعادة تشكيله.
غالبًا ما كانت هَذِهِ النقاشات التفسيريّة، لا تحظى بارتياح مع النقاشات المعيارية المستمرّة حول نوع الديمقراطية العلمانيّة، الَّتِي تتطلبها وما إذا كانت الديمقراطية لها الأولوية على الحقوق والحريات الليبرالية.
يجب فهم الإسلام السياسي بأوسع معانيه الممكنة، على أنّه نطاق الحركات السياسيّة الحديثة والاتّجاهات الأيديولوجيّة والسياسات المُوجّهة من الدولة المعنية بمنح الإسلام مكانةً مرجعيةً في الحياة السياسيّة.
إن منبع الإسلام السياسي المُنظّم هو حركة الإخوان المسلمين، الَّتِي تأسّست عام 1928، في الإسماعيلية بمصر، على يد حسن البنا مع فروع تابعة وشبه تابعة عبر العالم الإسلامي والبلدان الَّتِي يعيش فيها المسلمون كأقليات. ومع ذلك، فإنَّ الاهتمام الواعي بالذات بالحفاظ على دور الإسلام الموثوق في السياسة أو ترميمه أو إصلاحه بدأ قبل ذلك، مع شخصيات من القرن التاسع عشر مثل جمال الدين الأفغاني، وبعد ذلك، وبقوة أكبر، الردود الفكرية على إلغاء عقوبة الإعدام عام 1918، كما ينتمي الإسلامُ السياسيُّ بشكل عام إلى حقّ الطيف السياسي، ولكن سيكون من الخطأ اعتباره حركةً أو أيديولوجيةً واحدةً.
تتراوح الاتّجاهات الإسلاميّة من حركات الاحتجاج الشعبوية ذات الميول اليسارية، إلى الحركات المحافظة المتطرفة المكرسة للسيطرة الاجتماعية على الأخلاق أكثر من إعادة التوزيع الاقتصاديّ.
لكن الإسلام السياسيّ لا يمكن ربطه بدقّة مع الطيف الأيديولوجيّ الأوروبيّ الحديث بين اليسار واليمين. تختلف الجماعات والاتّجاهات الإسلاميّة، ليس فقط وفقًا لتطرفها الاقتصادي النسبي أو التطرّف الأخلاقي، ولكن أيضًا على عددٍ من المحاور الأخرى.
أولاً، يختلف الإسلاميّون في تقاليدهم فيما يتعلق بالسلطة والمعرفة الدينيّة، يرفض بعض الإسلاميّين المصادر والأساليب التقليدية للدين الأرثوذكسي القديم، ويرون أنَّ تفسير الرسالة السياسيّة للإسلام مفتوحٌ للمسلمين غير المُدرّبين تقليديًا. الأهم من ذلك، أن هَذَا النوع من «الحداثة التفسيريّة» لا يشير بالضرورة إلى ليبرالية أخلاقية أو سياسية.
كان المُنظّرون الرئيسيّون للإسلام السياسي الأكثر محافظة (البنا، قطب) جميعهم من أصحاب الفكر الذاتي أكثر من كونهم علماءَ مُدرّبين تدريبًا تقليديًا، لكنهم كانوا كذلك العديد من الإسلاميّين ذوي الميول اليساريّة أو حتّى الليبراليّين. ومع ذلك، فمن الخطأ الزعم (كما هو الحال غالبًا) أن كلَّ الإسلاموية يُمثّله هَذَا الرفض للسلطة العلمية التقليدية، ويرى العديد من السنة أيضًا أنَّ الهدف الجزئي للدولة الإسلامية يجب أن يكون تمكين علماء الدين للتّحدّث بسلطوية عن الشريعة الإسلاميّة إن الحركة الدينيّة المعروفة بالسلفية تصرّ بشكلٍ خاصٍّ على الصرامة في الأسلوب التفسيري (اعتماد صارم على نصوص إثبات الوحي، لا سيَّما الأحاديث النبوية).
ثانيًا، قد تختلف الجماعات أو التيّارات في ميلها نحو الهدوء السياسي أو الاستعداد لاستخدام العنف تتّحد الحركة السلفية من خلال الالتزام بنسخة معينة من العقيدة الإسلامية، والتركيز الثابت على تنقية عقيدة المسلمين وممارساتهم من أيّ شكلٍ من أشكال عبادة الأصنام (الشرك)، وهوس بإتقان أقوال وأفعال النبي محمّد، واختلف الإسلاميّون ليس فقط في صفاء وتصلّب أهدافهم النهائية، ولكن أيضًا في وسائل الوصول إليها وقد شملوا سياسيّين متدرجين على استعداد للعمل ضمن أنظمة سياسية فاسدة «غير إسلامية» بالإضافة إلى ثوّار راديكاليّين غير راغبين في إضفاء الشرعية على أيّ مؤسسات تُمثّل أفكارًا سياسيّةً غير إسلامية.
ثالثًا، يجب ألا يقتصر الإسلامُ السياسيُّ على الحركات الاجتماعيّة، الَّتِي تسعى للوصول إلى السلطة أو تلك الحكومات الثوريّة، الَّتِي أتى بها النشاط الإسلامي إلى السلطة (إيران، السودان، أفغانستان)، لقد اختارت العديد من الدول أهداف الإسلام السياسي، وقبل كلّ شيء أسلمة التشريعات المحلية، بما في ذلك (باكستان، ومصر، والمغرب، وماليزيا، وإندونيسيا، ونيجيريا).
أخيرًا، تختلف الحركات الإسلاميّة فيما يتعلق بعلاقتها بالدولة القوميّة على الرغم من أنَّ الحركة الإسلامية بدأت مع جماعة الإخوان المسلمين المصريّة، فإنّها كانت دائمًا حركة عالمية وعابرة للحدود. ومع ذلك، فإنّ بعضَ المُنظّمات أكثر التزامًا صراحةً بالحصول على السلطة ضمن سياقات وطنيّة محدّدة، أو بتحرير أراضٍ إسلاميّة معينة من الاحتلال الأجنبي، حتّى عندما تظل جزءًا من حركة عِبَرٍ وطنيةٍ.
يتبع..
