القانون والناس
ما محل التطليق من الواقع العملي والقانوني؟

طمح المُشرّع المغربيّ إلى تعديل مدونة الأسرة دعمًا لحقوق الإنسان، ومن أجل القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، وحقوق الطفل، وتوفير الضمانات الكافية لتحقيق الاستقرار الشامل لأفراد الأسرة الواحدة.
وجعل مسؤولية الأسرة تحت رعاية الزوجين، وحاول تحقيق نوعٍ من أنواع المساواة بين المرأة والرجل بالنسبة لسنّ الزواج بتوحيده في 18 سنة. في حين عمل على تسطير كتاب كامل من المدونة لانحلال ميثاق الزوجية وآثاره، فحدّده في حدود الأخذ بقاعدة أخفّ الضررين، لما في ذلك من تفكيك للأسرة والإضرار بالأطفال، وأصرّ على أنّه لا ينبغي اللجوء إلى حلّ الميثاق الغليظ سواء بالتطليق أو بالطلاق إلا استثناء، فأين يكمن الاستثناء إن كان الحلُّ والربط بين يدي الزوج؟ هل التطليق للشقاق القائم بين الزوجين يسمح بإحقاق حقّ الطرف الضعيف في العلاقة الزوجيّة أم أنّه لا يزال يجسد الذكورية؟ إن كان من حقّ الزوج إنهاء العلاقة الزوجيّة بتقديم مُستحقّات الزوجة، فهل يمكن أن يتحقّق ذلك إذا كان العكس عبر تقديم مستحقات الزوج إن تمَّ الخلع؟ وهل المحاكم المغربيّة تعمل على تطبيق مسطرة الخلع بشكل سليم أم أنّ الأمرَ غير ذلك؟ إن وُجد ضررٌ مُعيّنٌ لدى أحد الأطراف، فهل يحق له اللجوء إلى القضاء لسلوك مسطرة التطليق للضرر؟
باستقرائنا لمقتضيات المادة (71) من القانون، نجد أنّه ينحلّ عقد الزواج بالوفاة، أو الفسخ، أو الطلاق، أو التطليق، أو الخلع، وإن كان الطلاقُ هو حلّ ميثاق الزوجية يمارسه الزوج والزوجة كلّ بحسب شروطه، تحت مراقبة القضاء، فإن التطليق هو حقّ للزوجة، حسب ما كرّسته المادة (98) من مدونة الأسرة، يقع بناءً على إخلاء الزوج بشرط من شروط عقد الزواج أو للضرر أو لعدم الإنفاق أو للغيبة أو للعيب أو للإيلاء والهجر، حيث وضَّح المُشرّعُ المغربيُّ أنَّ الإخلال بشرط من عقد الزواج، يُعدُّ ضررًا مُبررًا لطلب التطليق، بيد أنّه لا يمكن أن يسلك مسطرة التطليق للضرر الَّتِي تشمل حقوق الزوجة ومستحقاتها كاملة بالواقع، فأيّ تصرف شائن أو مُخل بالأخلاق الحميدة يلحق بالزوجة، سواء إساءة ماديّة أو معنوية تجعلها غير قادرة على الاستمرار في العلاقة الزوجيّة، هو بند أساسي لطلب التطليق، يُمكن إثباته بجميع وسائل الإثبات، بما فيها شهادة الشهود، إذا لم تثبت الزوجة الضرر وأصرّت على طلب التطليق، يمكنها اللجوء إلى مسطرة الشقاق. بيد أنّه إن كان الزوجُ قد لجأ إلى طلب الطلاق مرّات عدة أو مرّة واحدة، وتراجع عن هَذَا الطلاق لعدم رغبته بمنح زوجته مستحقاتها كاملة لا يقع الطلاق، فهل يمكن اعتباره وسيلة من وسائل إثبات الضرر أم أنّه مُجرد تضييع لوقت العدالة واللعب بأعصاب الزوجة وأهلها؟ إن كان طلب الرجوع للبيت الزوجية بعد كل هَذَا العبث، فهل امتناع الزوجة عن الرجوع يجعلها تحمل صفة ناشز؟ كل هَذِهِ التساؤلات تبقى رهينةً بتطبيق المساطر القانونيَّة المُسطرة بموادّ مُدونة الأسرة.
ضبابية الأجوبة الَّتِي يمكن أن تشفي غليل الفاعل القانونيّ المُنكب لتحليل موادّ المدونة والواقع العملي لها، يحثّه على اعتبار مسطرة الشقاق خلعًا مغلفًا بمصطلح أكثر تقبلًا لدى العقلية الذكوريّة، فالزوجة لا تحظى إلا بمبلغ العدّة وفقط لا غير، فهل يمكن مستقبلًا أن نجدَ المُشرّعَ المغربيَّ والقضاء يسعيان معًا لإحقاق الحقّ وإعمال العدالة الواقعيّة وليس تطبيق ما هو متداول قانونًا؟
